ماذا بعد فجر أوديسا؟

a French Army Mirage 2000 jet fighter leaving his cockpit after an air patrol over Libya on March 20, 2011 at the aerial military base of Solenzara in Corsica.

تلقى العديد من الكتاب الغربيين قرار التدخل العسكري الغربي في ليبيا بشيء من الاستغراب على أساس أن فرض الحظر الجوي فقط لن يساعد في القضاء على النظام الحاكم بقدر ما سيثير مشاكل كثيرة، الأمر الذي يستدعي آلية توصل الحلفاء إلى شواطئ طرابلس.
 
وجاءت مقالة المحلل السياسي والأكاديمي البريطاني ديرك فاندويللا -المتخصص بشؤون الشرق الأوسط- في مجلة فورين أفيرز الأميركية أكثر وضوحا بالتأكيد أن الأهداف الميدانية لعملية فجر أوديسا قد لا تفضي إلى حل شامل ونهائي للأزمة الراهنة في ليبيا.
 
واستهل الكاتب البريطاني مقالته بالإشارة إلى مقالة للمنسقة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون نشرتها جريدة نيويورك تايمز حيث تساءلت -بصفتها الشخصية- ماذا بعد فجر أوديسا؟
 
ويرى الكاتب أن المسؤولة الأوروبية أثارت السؤال الأهم حول الفائدة المرجوة من تطبيق القرار الدولي رقم 1973 القاضي بفرض حظر جوي على ليبيا واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين لكن دون إرسال قوات برية.
 

قاعدة بحرية ليبية قصفتها الطائرات الفرنسية شرقي طرابلس (رويترز)
قاعدة بحرية ليبية قصفتها الطائرات الفرنسية شرقي طرابلس (رويترز)

خيارات متاحة

ويضيف أن أمام المجتمع الدولي خيارين في الوقت الرهان، الأول حماية المعارضة الممثلة في المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي وباقي المناطق الشرقية التي خرجت عن سيطرة العقيد معمر القذافي، أو الإعلان صراحة أن العملية تهدف للإطاحة بالنظام.
 
وينبه الكاتب إلى أن فكرة الاحتواء الانتقائي تمثل الخيار الأول في محاولة لتلميع صورة المشاركة الدولية في الحرب تحت شعار حماية المدنيين، محذرا من أن هذه الآلية محكومة بالفشل بل وتتعارض مع جوهر وروح قرار مجلس الأمن 1973.
 
ورغم اعترافه بأن الضربات الجوية للقوات الموالية للقذافي ستضعف هذه الأخيرة في معاركها مع ثوار ائتلاف 17 فبراير، حذر فاندويللا من أن الغارات لن تجبر القذافي على التخلي عن السلطة مما قد يمهد لحالة من التقسيم الفعلي بين الشرق المحرر من قبل الثوار وطرابلس والمناطق الغربية التي هي بيد القذافي، وهو وضع -يقول فاندويللا- لا يطيق الغرب قبوله لعدة آسباب.
 
شرق وغرب
فالقذافي -يتابع فاندويللا- سيبقى محتفظا بالموارد والقدرات التي تساعده على شن الحرب على المعارضة فضلا عن أن العقيد الليبي لن يتوانى في جعل دولته منطلقا "للإرهاب ضد الدول الغربية التي وقفت مع خصومه" مدفوعا بحب الانتقام.
 
ويشدد الكاتب الأميركي على أن فكرة الاحتواء الانتقائي قد تساعد على تحقيق وقف إطلاق النار في ليبيا، لكنها وفي نفس الوقت ستسمح للقذافي بالعمل على استمالة القبائل الكبرى في المناطق الشرقية إلى جانبه وتحديدا القبائل التي -كما يقول فندويللا- اعتمدت وتعتمد مبدأ "انتظر لترى من ينتصر".
 
وبالتالي -يقول الكاتب- إن السماح للقذافي بالبقاء في السلطة ولو على جزء من ليبيا سيعطي فرصة سانحة لـ"تنظيمات إرهابية" باستغلال هذه الفوضى للسيطرة على ليبيا وشمال أفريقيا، مشيرا إلى أن القذافي هدد بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة من عدم الاستقرار.
 

أحد الثوار في مدينة بنغازي (الفرنسية) 
أحد الثوار في مدينة بنغازي (الفرنسية) 

بنغازي فقط

وعلاوة على ذلك، ستساهم فكرة الاحتواء الانتقائي، التي روج لها رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون رغبة منه في عدم الانجرار لتدخل بري في ليبيا على شاكلة العراق، في تقييد خيارات الغرب مستقبلا في التعاطي مع الشأن الليبي على اعتبار أن هذه الفكرة ستحصر العمليات العسكرية في التوقف عند بنغازي ومحيطها فقط وعندها سيعتقد القادة الغربيون أن المهمة انتهت وأن الوقت حان لتسوية سياسية لا تستهدف إسقاط النظام.
 
بيد أن الكاتب ورغم حماسه للذهاب بفجر أوديسا إلى عتبة باب العزيزية مباشرة، لا ينفي وجود مخاطر تتصل بالسعي للإحاطة بالقذافي أولها الفراغ السياسي.
 
وينبه إلى أن التعاطف الدولي مع المجلس الوطني الانتقالي لا يعني بالضرورة تقديم الدعم غير المشروط له على شيك من بياض لا سيما أن الأمر -بعد الإطاحة بالقذافي- سيمهد لخلافات داخلية عادة ما تطفو على السطح بعد غياب العدو المشترك.
 
ويذكر الكاتب بسياسة فرق تسد التي استعملها القذافي بين شرقٍ ليبي مهمش وغربٍ يحظى بنعم السلطة ومناصبها التي قد تجد طريقا للتسلل إلى تصفية الحسابات بعد سقوط القذافي.
المصدر : فورين أفيرز