خريطة عربية حمراء


شخص الكاتب رجاء النقاش في صحيفة الوطن القطرية الصادرة اليوم أوجاع العالم العربي من المحيط إلى الخليج , ملقيا باللوم على العرب الذين فعلوا بأنفسهم ما لم يفعله الآخرون، ولم يعد لهم تأثير يذكر على الرغم مما يمتلكه العرب من مقدرات لكنها مع وقف التنفيذ.

خريطة حمراء


لو وضعنا أمامنا خريطة للعالم العربي وأمسكنا بالقلم الأحمر ورسمنا به علامة على كل بلد عربي لديه مشكلة أو مشاكل تشغله بنفسه عن غيره لانتهينا إلى أن معظم الخريطة العربية سوف تكون مليئة بالعلامات الحمراء

وقال الكاتب تحت عنوان "بالقلم الأحمر": لو وضعنا أمامنا خريطة للعالم العربي وأمسكنا بالقلم الأحمر ورسمنا به علامة على كل بلد عربي لديه مشكلة أو مشاكل تشغله بنفسه عن غيره لانتهينا إلى أن معظم الخريطة العربية سوف تكون مليئة بالعلامات الحمراء. فالجزائر مشغولة بالمشكلة الغامضة التي تسيطر عليها وتجعل منها بلدا غارقا في الدماء. والمغرب مشغول بصراعه مع "البوليساريو" أو ما يسمى بجمهورية الصحراء التي تريد الاستقلال وترفض أن تبقى جزءا من الوطن الأم. والسودان مشغول بالدكتور حسن الترابي والحرب المستمرة في الجنوب منذ ما يقرب من عشرين سنة، ومصر تعاني من أزمة اقتصادية واسعة النطاق. ولبنان تدور فيه حرب أهلية لا ينقصها إلا من يطلق الرصاصة الأولى، فالحرب الأهلية في لبنان هي حرب قائمة بالفعل بسبب اختلاف المواقف الأساسية لكل الجماعات السياسية والدينية، وكل طرف من الأطراف اللبنانية يعادي الطرف الآخر ويهدده، أي أن المناخ العام في لبنان هو مناخ حرب أهلية قابلة للاشتعال في أي لحظة. والعراق خاضع لحصار لا يرحم. والكويت مشغولة بتأمين نفسها والخوف على مصيرها من مخاطر حقيقية تهددها وتثير فيها القلق والتوتر. أما ليبيا فهي مشغولة تماما بتحقيق حلم العقيد القذافي بإقامة اتحاد أفريقي يشبه الاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أنه حلم بعيد المنال في الوقت الحاضر على الأقل. أما الصومال وجيبوتي وموريتانيا فإنها خارج الخريطة العربية الواقعية، لأن جميع العرب قد نفضوا أيديهم من هذه البلدان وتركوها تواجه مصيرها وحدها، وهو مصير لا يبدو فيه حتى الآن سوى الآلام والمتاعب وضعف القدرة الاقتصادية عند الدولة والشعب معا.

علامة x 

ويضيف الكاتب: وهكذا فإن القلم الأحمر يمكن أن يضع علامات (X) كبيرة على معظم الخريطة العربية. ولو اجتمع الجن والإنس على أن يفعلوا بالعرب ذلك لما استطاعوا، ولكن العرب فعلوها لأنفسهم بأنفسهم، وكأن عناصر التدمير والتخريب للأمة قد اجتمعت كلها في هذا العصر العجيب لتبدد كل الإمكانيات الهائلة الوفيرة في هذا العالم والتي كان من الممكن لو أحسن العرب استخدامها أن تجعل من الأمة العربية قوة كبرى تفرض كلمتها بالحق في كل قضية عادلة، وتحمي نفسها من أي عدوان على أي جزء منها.

واقع مغاير

ويشرح الكاتب الواقع المغاير لما كان ينبغي أن يكون عليه الوطن العربي بقوله: الخريطة العربية مهلهلة، ورياح اليأس تهب من كل مكان، ولولا الانتفاضة الفلسطينية لقيل عن العرب إنهم كانوا شعبا موجودا في يوم من أيام التاريخ ولم يعد له وجود الآن. ولذلك فإن الانتفاضة لها فضل كبير على العرب جميعا لأنها الشهادة الوحيدة القائمة الآن على أن العرب لا يزال لهم وجود على ظهر الأرض.


الخريطة العربية مهلهلة، ورياح اليأس تهب من كل مكان، ولولا الانتفاضة الفلسطينية لقيل عن العرب إنهم كانوا شعبا موجودا في يوم من أيام التاريخ ولم يعد له وجود الآن

ويركز الكاتب على هذه الفكرة فيقول: الدنيا كلها مشغولة بالعرب انشغالا حقيقيا أو زائفا، ولكن سبب هذا الانشغال لا يعود إلى إنجاز عربي في الاقتصاد أو الفضاء أو الطب أو الاستقرار السياسي الراسخ، بل يعود الانشغال العالمي بالعرب إلى أن فيهم شعبا صغيرا هو شعب فلسطين قد اشتد به الغضب حتى أصبح هذا الغضب تهديدا لإسرائيل، ولولا هذا الغضب لم يحسب أحد أي حساب للعرب في أي مكان، ذلك لأن العرب قوم سلطهم الله على أنفسهم فأراحوا العالم من الاهتمام بهم أو الإشفاق عليهم أو التعاطف معهم. 

ويخلص الكاتب في نهاية مقاله إلى إقرار حقيقة محزنة فيقول: لولا الغضب الفلسطيني المقلق لخواطر الكبار في هذا العالم لاستطاع القلم الأحمر أن يضع علامة (x) على معظم الخريطة العربية, فالخريطة العربية مكتوب عليها اليوم أنها "أرض غنية وشعب كان له تاريخ وحضارة". ولكن ذلك كله قائم مع "وقف التنفيذ" في الوقت الراهن، وقرار "وقف التنفيذ" اتخذه العرب بأنفسهم.

المصدر : الصحافة القطرية