هجرة الشباب المغاربي والإجراءات الأوروبية بميزان الخبراء

مؤتمر الشباب المغاربي وتداعيات الهجرة - تونس
مشاركون في مؤتمر تونس حول تداعيات الهجرة (دويتشه فيلله)

بتحسن أحوال الطقس، وانسداد الطرق في وجه اللاجئين عبر طرق البلقان بعد الاتفاق الأوروبي مع تركيا، يخشى خبراء أن تتجدد موجات الهجرة إلى أوروبا عبر السواحل الإيطالية.

ويرى حاتم القفصي، المكلف ببرامج التعاون في المكتب الإقليمي لمؤسسة كونراد أديناور الألمانية في تونس، أن صعوبات وعقبات قانونية وعملية تواجه تطبيق اتفاق ألمانيا مع دول المغرب والجزائر وتونس بشأن تصنيف الدول المغاربية آمنة، مما يقتضي ترحيل مهاجريها غير النظاميين.

وأدلى القفصي بمداخلته هذه على هامش مؤتمر حول الشباب المغاربي وتداعيات الهجرة غير الشرعية، نظمته مؤسسة كونراد أديناور بالتعاون مع مؤسسة التميمي للبحث العلمي بتونس، وتحدث خلالها خبراء مغاربيون عن تصوراتهم لأسباب تفاقم الهجرة غير النظامية والبدائل المطروحة لمعالجتها.

وبحسب القفصي، فإن أكثر العقبات صعوبة هي تحديد هوية المهاجرين الذين يعمدون إلى إتلاف وثائق سفرهم، ويقدمون أنفسهم لاجئين من بلدان أخرى مثل سوريا أو ليبيا أو العراق، لكن المشكلة تبدو أعمق من ذلك، وتتشعب عبر مستويات مجتمعية وإستراتيجية، وهو ما يفسر استفحال ظاهرة الهجرة غير النظامية.

بالنسبة إلى السفير التونسي السابق محمود بالسرور، رئيس "جمعية آفاق وتنمية"، فإن المعضلة الأساسية التي تسهم في استمرار تدفق المهاجرين غير النظاميين من شمال أفريقيا نحو أوروبا يتمثل في تداعيات الأزمة الليبية.

وأوضح بالسرور -الذي عمل سابقاً نائبا للسفير التونسي في ألمانيا- أن انهيار المؤسسات الاقتصادية في ليبيا، الذي نتج عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، أدى إلى هروب ما يناهز مليون وأربعمئة ألف مهاجر أفريقي وعربي وآسيوي كانوا يعملون في ليبيا، وضمنهم 120 ألف مهاجر تونسي. ولاحظ بالسرور أن أوروبا شكلت الوجهة الرئيسية للمهاجريين الذين غادروا ليبيا.

من جهتها، رأت رئيسة "التجمع العالمي من أجل ليبيا موحدة وديمقراطية" فاطمة أبو النيران أن ليبيا تشكل قاعدة رئيسية لعمليات تهريب البشر والمخدرات، وأن المليشيات المتناحرة تمول نفسها من شبكات التهريب.

ويفد مهاجرون من جنوب الصحراء الأفريقية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى ليبيا كبلد عبور إلى أوروبا، بحكم قربها من إيطاليا وغياب رقابة على حدودها المترامية. وتعتقد الناشطة الليبية أن حل الأزمة الليبية من شأنه أن يسهم في معالجة معضلة الهجرة، لكن تعثر جهود تسوية الأزمة الليبية واستمرار تناحر المليشيات والقوى المتصارعة يسهمان في تفاقم أزمة الهجرة.

انسداد الآفاق
وفي تحليله لأسباب تفاقم الهجرة غير النظامية من الدول المغاربية نحو أوروبا، يعتقد الخبير التونسي القفصي بأن انسداد الآفاق وغياب فرص الحياة الكريمة بالنسبة للشباب؛ يشكلان دوافع رئيسية للهجرة، وهي ناتجة عن ارتفاع معدلات البطالة، وعدم قدرة سوق العمل على استيعابها، فضلا عن الفوارق الاجتماعية والتفاوت الصارخ في فرص العمل والتنمية داخل تونس.

باخرة حربية إيطالية تتوقف لإنقاذ لاجئين (الأوروبية-أرشيف)
باخرة حربية إيطالية تتوقف لإنقاذ لاجئين (الأوروبية-أرشيف)

ففي تونس، لا يتجاوز معدل توفير فرص العمل نحو 40% من خريجي الجامعات التونسية التي تضخ سنوياً 83 ألف خريج، أما في المغرب فإن نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعات المغربية تفوق 45%، وفي الجزائر يتوقع أن تتفاقم مشاكل الشباب بسبب تراجع عائدات البترول.

ومن جانبه، أوضح الدكتور الأردني خالد رواش -طبيب خبير في أوضاع المهاجرين بالسجون الإيطالية- أن المغاربيين يشكلون نحو نصف المهاجرين الذي يصلون إلى إيطاليا بطرق غير شرعية، وأن نسبتهم في السجون تشكل 35% من مجموع السجناء الأجانب، ويشكل الشباب نسبة 80% منهم.

ولاحظ الخبير الأردني أن نوعية المشاكل النفسية والجنائية التي يرصدها لدى الشبان المغاربيين في السجون الإيطالية تُظهر أنهم يعانون من مشاكل اجتماعية واقتصادية تدفعهم إلى المجازفة والإقدام على أعمال مخالفة للقانون وانحرافات.

التهريب والفساد
وفي رأي المحامي بديع جراد -ناشط في مجال الشفافية ومكافحة الفساد- أن تنامي الهجرة غير النظامية تسهم فيها شبكات التهريب والفساد داخل البلدان المغاربية، وبيّن أن "أجهزة الأمن والجمارك وحرس الحدود، التي يفترض أن تقوم بدورها في مكافحة شبكات التهريب، هي بدورها مخترقة من قبل شبكات الفساد". واقترح جراد وضع آليات مراقبة مشددة ومحاسبة على مختلف المؤسسات التي لها دور في تفاقم ظاهرة هجرة الشباب، بما فيها الأجهزة الأمنية.

وتقدر مؤسسات أوروبية عائدات شبكات تهريب المهاجرين عبر مياه البحر الأبيض المتوسط بنحو خمسة مليارات يورو سنوياً، ويخشى خبراء أن تستعيد سواحل إيطاليا جاذبيتها كطريق للهجرة غير النظامية، مع مؤشرات تحسن أحوال الطقس، وبعد الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وإغلاق طرق البلقان، وإجراءات المراقبة المشددة التي تفرضها قوات من حلف الأطلسي والاتحاد الأوربي، خاصة في بحر إيجة بين تركيا واليونان.

المصدر : دويتشه فيله