في إثيوبيا.. الهلال والصليب يتعانقان
محمد غلام-أديس أبابا
يقول الإثيوبي المسلم سامي عبد الله، وهو صاحب دكان آخر ملاصق له ومملوك للكنيسة التي لا تبعد إلا أمتارا خلف دكانه، إنها تحظر على دكاكينها بيع الشارات المسيحية والصلبان احتراما لمشاعر المسلمين.
يثني عبد الله على سلوك جيرانه المسيحيين وعلى النصارى الإثيوبيين عموما، ويقول إنهم يحدون من أصوات الموسيقى وقت الأذان ويخفضون أصواتهم، بل إن جيرانه المسيحيين ينبهونه أحيانا إلى وقت الصلاة، ويقفون حراسا لدكانه حتى يعود.
ومن مظاهر التسامح الديني كذلك، وفق البروفيسور آدم كامل فارس الباحث والكاتب الإثيوبي، المشاركة في الأفراح والأتراح، والتهادي أوقات المناسبات، والتشارك في الجمعيات التعاونية وفي بناء المساجد والكنائس أحيانا.
جذور
يعلل فارس -وهو أيضا مدير معهد النجاشي للدراسات والبحوث- تلك الظاهرة بأنها مرتبطة بكون الديانات السماوية الثلاث تركت بصماتها على كل سكان الحبشة، وأن كل تلك الديانات وافدة من الشرق، وأنه لا شعور محليا بأن هناك "دينا وطنيا".
وفي نقطة ثانية يشير الباحث المختص في قضايا القرن الأفريقي والعلاقات العربية الإثيوبية إلى أن إثيوبيا لم تتعرض للاستعمار الغربي إلا خمس سنين من قبل إيطاليا بين عامي 1936 و1941، حيث بقيت محافظة على عاداتها وتسامحها الفطري، "فالاستعمار يخلق الفتن بين الديانات والإثنيات".
ويلفت إلى أن النزاعات التي تنشب أحيانا بين المسلمين والمسيحيين ليست بسبب عامل الدين وإنما بسبب الخلاف الأزلي بين المنمّي (الراعي) والفلاح.
مخاوف
ويبدي باحثون إثيوبيون قلقهم على التسامح وحتى السلم الأهلي من وافد جديد على الساحة له أهداف واضحة في السيطرة على جميع الديانات، وهو المذهب البروتستانتي، بما يمتلكه من إمكانات عظمى ودعم غربي واضح للتمكين، بعد أن ظلت الساحة المسيحية هنا -ولعهود طويلة- حكرا على المذهبين الأرثوذكسي والكاثوليكي.
وتفيد الإحصاءات الرسمية بأن نسبة المسلمين في إثيوبيا تبلغ 47% من مجمل السكان، لكن مدير معهد النجاشي للدراسات والبحوث ينفي ذلك ويقدر نسبتهم بنحو 60%.
ويذهب فارس -في تفسيره لظاهرة التسامح والتكامل بين الديانتين الإسلامية والمسيحية- إلى القول إن الكل يشعر بالارتباط شمالا (حيث تقع الدول الإسلامية) لا جنوبا (من حيث الدين واللغة والتجارة)، وحتى الماء متجه شمالا لا جنوبا، لذا لا بد من التفاهم والانسجام.