العلاج المناعي.. نهج جديد في الصراع ضد سرطان الثدي

علماء معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في طليعة الأبحاث المتعلقة بمرض سرطان الثدى".، المصدر: جامعة حمد بن خليفة
علماء معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في طليعة من يقدمون الأبحاث المتعلقة بمرض سرطان الثدي (جامعة حمد بن خليفة)
ووفقا لبيانات عام 2018 الصادرة عن الرابطة الدولية لسجلات السرطان، يعد سرطان الثدي السبب الأول للوفيات المرتبطة بالسرطان لدى النساء، حيث يشكل نسبة 15% من تلك الوفيات.

وفي منطقة دول مجلس التعاون الخليجي يعد سرطان الثدي مسؤولا عن النسبة الأعلى من حالات الإصابة بالسرطان لدى النساء، حيث يشكل نسبة 47% من حالات الإصابة في البحرين، و45% من الحالات في الكويت وقطر، و44% في الإمارات العربية المتحدة، و36% في سلطنة عمان، و32% في المملكة العربية السعودية.

وإجمالا، تشخص إصابة المرضى في تلك المنطقة خلال سن مبكرة، ويظهر المرض أكثر ضراوة مقارنة بالمرضى في الدول الغربية.

وفي عام 2015 بدأت قطر في تنفيذ مشروع الجينوم الوطني، وستوفر هذه الدراسة القائمة على السكان رؤية بشأن التركيبة الوراثية لسكان دولة قطر، وستمكن الباحثين في المستقبل من تحديد المحركات الوراثية التي يمكن استخدامها لتطوير علاجات جديدة للأمراض المزمنة، بما في ذلك سرطان الثدي.

ويشتمل العلاج التقليدي لسرطان الثدي على الجراحة، والعلاج الكيميائي، والعلاج الإشعاعي، والعلاج بالعقاقير التي تستهدف الجزيئات المحركة لنمو الورم مثل مستقبلات الهرمونات.

ويمثل العلاج المناعي حقبة جديدة في علاج السرطان لا يتمحور التركيز فيها على الخلايا السرطانية ولكن على الخلايا المناعية.

 السرطان وعلم المناعة
وقد أظهر التقدم التكنولوجي أن جهاز المناعة يلعب دورا حيويا في السيطرة على الورم، وعلى سبيل المثال ساهم تحليل الخلية الواحدة في تمكين الباحثين من الكشف عن التفاعل المعقد بين خلايا السرطان والخلايا غير السرطانية مثل خلايا المناعة.

وعلى الرغم من وجود العديد من الآليات التي تسمح لجهاز المناعة بالتعرف على الخلايا غير الطبيعية وقتلها لا تزال هناك إمكانية لتعرض الأشخاص الأصحاء للسرطان، وذلك بسبب عثور الخلايا السرطانية على طرق للهروب من جهاز المناعة، حيث يمكن لتلك الخلايا تغيير مظهرها بحيث تكون أقل وضوحا للخلايا المناعية، ويمكنها أن تتداخل مع تنشيط الخلايا المناعية، وهو ما يجعلها أقل قدرة على مكافحة الخلايا السرطانية.

ويتعامل العلاج المناعي للسرطان مع آليات الهروب المذكورة باستخدام آليات الدفاع المناعي المتأصلة لدينا.

‪د. جولي ديكوك: العلاج المناعي يحمل الكثير من المبشرات‬ (جامعة حمد بن خليفة)
‪د. جولي ديكوك: العلاج المناعي يحمل الكثير من المبشرات‬ (جامعة حمد بن خليفة)

أفق جديد
تشير الأدلة الحديثة إلى أن مرضى سرطان الثدي يمكن أن يستفيدوا من التدخلات المناعية للأسباب التالية:

أولا: أظهرت لقاحات سرطان الثدي نتائج واعدة في إبطاء تقدم المرض، حيث تحتوي تلك اللقاحات -مثلها مثل لقاحات الإنفلونزا– على مواد تعرف جهاز المناعة بجزيئات محددة في الخلايا السرطانية.

وباستخدام لقاحات السرطان ارتفع عدد المرضى المتعافين من سرطان الثدي في مراحله الأولى بعد خمس سنوات من تلقي العلاج بنسبة 14%.

ثانيا: استخدمت الجزيئات المخلقة بشريا والمعروفة باسم الأجسام المضادة بنجاح في جعل الخلايا السرطانية أكثر وضوحا لخلايا المناعة، وهو ما أدى إلى تحسن فرص نجاة المرضى المصابين بسرطان الثدي في مراحله المتقدمة.

ثالثا: لا تزال مثبطات نقاط المراقبة المناعية التي حققت نتائج ثورية في علاج سرطان الجلد قيد الدراسة حاليا للتحقق من فعاليتها في علاج سرطان الثدي.

وكانت جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء لعام 2018 قد منحت لمطوري استخدام هذه المثبطات لعلاج السرطان، وتعزز تلك العقاقير عمل المكابح الطبيعية في جهاز المناعة التي تحول دون زيادة النشاط أو مهاجمة الخلايا الصحية حسبما لوحظ في النوع الأول من داء السكري، وهو ما يؤدي إلى إطلاق الخلايا المناعية وتحفيزها لمهاجمة الخلايا السرطانية. 

وتظهر البيانات الأولية أن تلك العوامل أكثر فعالية في مجموعة فرعية من أورام الثدي، وهي أورام الثدي الثلاثية السلبية التي تحتوي على خلايا مناعية يمكن إعادة تنشيطها.

رابعا: لا يزال العلاج بالخلايا المعدلة -الذي يشتمل على عزل الخلايا المناعية، وإعادة توجيهها للتعرف على الخلايا السرطانية وإعادة ضخها لدى المريض- يستخدم حاليا.

ويبقى السؤال عما إذا كان يمكن تحسين الاستجابة للعلاج عبر الجمع بين طرق العلاج المناعي المذكورة واستخدام العلاج الكيميائي أو الإشعاعي. 

دور قطر
تواجه دولة قطر واحدا من أعلى أعباء سرطان الثدي في منطقة الخليج العربي، حيث يتميز المرض بأنه أكثر ضراوة، وهو ما يفرض العديد من التحديات العلاجية.

ويحمل العلاج المناعي الكثير من المبشرات، حيث يوفر أسلوبا جديدا للحد من تقدم المرض، وتحسين معدل نجاة المرضى المصابين بالمرض في مراحله المتقدمة.

وبما يتماشى مع إستراتيجية قطر الوطنية للبحوث يهدف معهد قطر لبحوث الطب الحيوي التابع لجامعة حمد بن خليفة إلى تحديد العلامات الحيوية الجديدة من أجل التشخيص المبكر لمرض سرطان الثدي وتحقيق الأهداف العلاجية للطب الشخصي لدى المرضى القطريين.

ويركز مركز بحوث السرطان في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بشكل رئيسي على علم المناعة السرطاني والعلاج المناعي للسرطان، حيث يدرس الباحثون بشكل أكثر تحديدا التفاعل بين خلايا سرطان الثدي وبيئتها المناعية الصغرى للتوصل إلى بعض الرؤى عن الجزيئات والخلايا التي تلعب دورا في تقدم المرض والاستجابة المناعية المقاومة للورم.

ويتمثل الهدف الأسمى لهؤلاء الباحثين في التعرف على الأهداف والعلامات الحيوية الجديدة من أجل تحسين الاستجابة للعلاج المناعي.
_______________
*عالمة في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة في قطر.

المصدر : الجزيرة