هل انتهى تأجير الأرحام عبر الحدود؟

FILE - In this Aug. 3, 2014 file photo, Pattaramon Chanbua kisses her baby boy Gammy at a hospital in Chonburi province, southeastern Thailand. The newborn Down syndrome baby left by his Australian biological father with his poor surrogate mother in Thailand was one of several cases of surrogate children abandoned because of defects, an expert told a parliamentary inquiry on Thursday, Feb. 4, 2016. The high-profile case of baby Gammy prompted the Thai government to ban surrogacy in 2014, and an Australian parliamentary committee launched a review of Australia's laws that prohibit commercial surrogacy. (AP Photo/Apichart Weerawong, File)
أم تايلندية مستأجرة تقبّل طفلها الذي تركه أبوه البيولوجي الأسترالي بعد إنجابه لأنه مصاب بمتلازمة داون (أسوشيتد برس)

دونا ديكنسون*

بدأت التجارة العالمية في الأطفال الذين يولدون عبر استئجار الأرحام تجارياً تتوقف ببطء، فقد طبقت كل من الهند ونيبال وتايلند والمكسيك التدابير التي من شأنها تقييد أو منع الأجانب من استئجار الأمهات البديلات من السكان المحليين. ويبدو من المرجح أن تحذو كمبوديا وماليزيا حذو هذه البلدان قريبا.

وهذا التطور مدهش بالفعل وموضع ترحيب في هذه الصناعة، حيث كان التيار التقليدي يرفض الجهود الرامية إلى "مقاومة السوق"، إذ يميل أنصار التقنية الحيوية من ذوي التمييز الضعيف إلى الاحتفال بحقيقة مفادها أن التقدم التقني يتجاوز القواعد التنظيمية الحكومية، وهم يزعمون أن هذا سمح للعلم بالتقدم متحرراً من الأغلال. ولكن إصرار البلدان التي كانت تاريخياً أكبر مراكز استئجار الأرحام تجارياً على وقف هذه الممارسة، يؤكد سذاجة ذلك الموقف.

وفي استئجار الأرحام يتفق زوجان مع امرأة على الحمل بالبويضة المخصبة منهما مقابل مبلغ معين، وتكون الزوجة عادة لا تستطيع الحمل. ويطلق على الحامل الأم المستأجرة، أما الطفل المولود فيكون جينيا لا علاقة بالأم المستأجرة لأنه يكون نشأ من بويضة الزوجة التي أخصبها حيوان منوي من الزوج. 

وليس من قبيل المصادفة أن تكون البلدان التي تضيق الخناق على استئجار الأرحام عبر الحدود هي تلك التي تتم فيها هذه الممارسة. والواقع أن الحجة القائلة بأن الأطراف كافة -الأمهات اللاتي يؤجّرن أرحامهن، والآباء الذين يطلبون هذه الخدمة- تستفيد من الصفقة، لم تصمد في مواجهة التدقيق والتمحيص.

ولنتأمل هنا حالة الهند، حيث تقدر قيمة صناعة استئجار الأرحام بنحو 400 مليون دولار سنويا، فحتى وقت قريب كان عدد عيادات الخصوبة نحو ثلاث آلاف عيادة في البلاد. ولكن السلطات الهندية مع تصاعد المخاوف من أن تؤدي تجارة استئجار الأرحام إلى المتاجرة بالبشر واستغلال النساء، ارتأت أن المخاوف الأخلاقية تفوق كثيراً الفوائد الاقتصادية.

في أكتوبر/تشرين الأول 2015 أعلنت وزارة الصحة ورعاية الأسرة في الهند تحت ضغط من المحكمة العليا في البلاد، أن صناعة استئجار الأرحام التجارية الدولية غير دستورية

مناقشة
لم تضع الهند بعدُ اللمسات الأخيرة لتشريعاتها المناهضة لاستئجار الأرحام، ولكن الطريقة التي تطورت بها المناقشة منذ اقتُرح أول مشروع قانون في العام 2008 توضح التغير السريع الذي طرأ على النظرة إلى هذه الممارسة.

فقد شجعت المسودات المبكرة من التشريع في واقع الأمر تجارة استئجار الأرحام، فأوصت بتنازل الأمهات المستأجرات عن أطفالهن. ولأن المرأة التي تحمل طفلاً تُعَد بموجب القانون العام والدته قانونا، فإن هذا النص كان ليصبح مؤيداً بشكل تام لاستئجار الأرحام.

ولكن منذ ذلك الحين، تحوّل تركيز المناقشة وتسليط الضوء على جوانب مستهجنة وغريبة في بعض الأحيان من هذه التجارة. على سبيل المثال، في إحدى الحالات رفضت ألمانيا -حيث استئجار الأرحام غير قانوني- قبول طفلين توأم لأب ألماني من أم هندية مستأجرة، في حين اعترضت الهند على منح الأب تأشيرة خروج حتى يتمكن من نقل الطفلين.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015 أعلنت وزارة الصحة ورعاية الأسرة في الهند تحت ضغط من المحكمة العليا في البلاد، أن صناعة استئجار الأرحام التجارية الدولية غير دستورية. وأرسل مجلس الأبحاث الطبية إخطاراً إلى كل العيادات لتوجيهها إلى عدم استقبال أزواج أجانب، بما في ذلك من المواطنين الهنود غير المقيمين والأشخاص من أصول هندية. وفي الشهر التالي، حظرت وزارة البحوث الصحية استيراد الأجنة بغرض زرعها في الأمهات المستأجرات، الأمر الذي جعل هذا الإجراء شبه مستحيل.

ولا شك أن الهند ليست الدولة الوحيدة التي تعمل في مجال استئجار الأرحام عبر الحدود. والواقع أن القواعد التنظيمية الهندية التي تجعل خدمات استئجار الأرحام مقتصرة على الأزواج من جنسين مختلفين والمتزوجين منذ عامين على الأقل، تسببت بالفعل في انتقال بعض هذه التجارة إلى تايلند بشكل خاص.

ولكن هناك أيضا كانت المواقف في تحوّل، خاصة بعد أن رفض زوجان أستراليان تحمّل المسؤولية عن طفل وُلِد عبر استئجار رحم وتم تشخيصه بأنه مصاب بمتلازمة داون. ولكن الزوجين قَبِلا شقيقة الصبي التوأم، الأمر الذي يجعل من الواضح أن ما دفعا المال من أجله لم يكن الخدمة المقدمة من الأم، بل الطفلين، أو في واقع الأمر الطفل الذي لبى متطلباتهما. ونتيجة لهذا، أصبح من الصعب أن ننكر أن استئجار الأرحام عبر الحدود أقرب إلى بيع الأطفال.

كما حدث في الهند، مَسّ استئجار الأرحام وتراً عميقاً في تايلند، حيث يرى البعض في هذه الممارسة استغلالاً استعمارياً جديدا، حيث يمثل الأطفال السلعة الخام الجديدة التي يجري استخراجها لصالح الغربيين

استغلال استعماري
في أغسطس/آب 2015، قررت تايلند أن يكون استئجار الأرحام مقتصراً على الزوجين اللذين يحمل أحدهما على الأقل الجنسية التايلندية. ويُعاقَب المخالفون لهذا القانون بالسجن مدة قد تصل إلى عشر سنوات للأم المستأجرة والأبوين على حد سواء.

وكما حدث في الهند، مَسّ استئجار الأرحام وتراً عميقاً في تايلند، حيث يرى البعض في هذه الممارسة استغلالاً استعمارياً جديدا، حيث يمثل الأطفال السلعة الخام الجديدة التي يجري استخراجها لصالح الغربيين.

وقد عَبَّر عضو الجمعية التشريعية الوطنية في تايلند وانلوب تانكانانوركا عن هذه الفكرة قائلا "إن هذا القانون يهدف إلى منع أرحام نساء تايلند من التحول إلى رَحِم العالم".

وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حوَّلَت نحو 12 عيادة في الهند وتايلند عملياتها إلى العاصمة الكمبودية بنوم بنه. وقد يبدو هذا التطور لأول وهلة كأنه يدعم الحجة بأن هذه التجارة لا يمكن القضاء عليها بل نقلها فقط، ولكن حتى الآن كان عدد العيادات التي افتتحت مقار لها في كمبوديا صغيرا. وتشير بعض التقارير إلى أن وزارة الداخلية في كمبوديا تعتزم معاملة تجارة استئجار الأرحام كما تعامل المتاجرة بالبشر، مع احتمال عقوبة السجن.

كما أعلنت نيبال منع استئجار الأرحام بعد تنديد البعض في البلاد بهذه الممارسة باعتبارها استغلالية. وفي أبريل/نيسان 2015، بعد الزلزال الذي ضرب كتماندو، قررت إسرائيل إجلاء 26 طفلاً ولدوا عن طريق استئجار الأرحام، ولكنها تركت أمهاتهم وأغلبهن عبرن من الهند وتقطعت بهن السبل في منطقة كوارث.

لا يخلو الأمر بطبيعة الحال من خطر تسبب الحملة الدولية الجارية في دفع ممارسة استئجار الأرحام التجارية إلى قنوات سرية تحت الأرض

خطر
ويبدو أن ماليزيا أيضاً في طريقها إلى حظر هذه الممارسة. وفي المكسيك، قررت ولاية تاباسكو -وهي الولاية الوحيدة في البلاد حيث استئجار الأرحام قانوني- أن تكون الممارسة مقتصرة على الزوجين من جنسيتين مختلفتين، شريطة أن تكون الزوجة عاقرا.

وأثناء المناقشة التشريعية، ذهبت النائبة فيرونيكا بيريز روخاس إلى إدانة استئجار الأرحام باعتبارها "شكلاً جديداً من أشكال استغلال النساء والمتاجرة بهن".

ولا يخلو الأمر بطبيعة الحال من خطر تسبب الحملة الدولية الجارية في دفع ممارسة استئجار الأرحام التجارية إلى قنوات سرية تحت الأرض. ولكن هذا الخطر يؤكد الحاجة إلى تشريع واضح وقوي. وحتى إذا كان بعض الآباء الراغبين في الحصول على أطفال عبر هذه الممارسة على استعداد لمخالفة القانون، فإن الغالبية العظمى منهم ستردعهم العقوبات، بما في ذلك احتمال عدم السماح لهم بالاحتفاظ بالأطفال أو عدم تمكنهم من الحصول على تأشيرات خروج لهم.

والواقع أن المعسكر المؤيد لاستئجار الأرحام يؤكد على فوائد هذه الممارسة، والتي تتضمن زيادة الخيارات الإنجابية واستيعاب التعددية الجنسية. ولكن بينما قد تكون هذه الاعتبارات حقيقية ومهمة، فإنه لا يجوز منحها أهمية أكبر من احتياجنا إلى منع استغلال بعض النساء الأكثر ضعفاً في العالم.
_______________
* أستاذة آداب مهنة الطب والعلوم الإنسانية الفخرية في جامعة لندن.

المصدر : بروجيكت سينديكيت