فيروسات محورة وراثيا لمعالجة أورام الدماغ

الدماغ
تمكن باحثون أميركيون من تثبيط نمو سرطانات عنيدة في الدماغ دون غيرها من الخلايا السليمة وذلك عبر إجراء تحوير وراثي لأحد الفيروسات المسببة للممرض أجريت على الفئران ونشرت نتائجها في مجلة أبحاث السرطان الشهر الماضي.

فقد أجرى فريق بحث من جامعة ولاية أوهايو تحويرا وراثيا للنسخة المعملية من الفيروس المسبب لمرض القوباء (الهربس). وتفتقد هذه النسخة المعملية لبعض الجينات الموجودة في النسخة الطبيعية كما أنها "معدلة" بحيث تصيب الخلايا العصبية البينية (neuroglia) وهي الخلايا المكونة للنسيج الضّام الدقيق الذي يشد عناصر النسيج العصبي الرئيسة في الدماغ والحبل الشوكي.

ولأن النسخة المعملية من الفيروس بطيئة التكاثر أو التضاعف العددي بمعدل يساوي تقريبا 1% من معدل تضاعف الفيروس الطبيعي, فقد قام الباحثون بإعادة القدرة على "التكاثر" السريع للفيروس داخل الخلايا. كما أضافوا له الجين المسؤول عن استهداف بروتين يُسمى "نستين" (nestin) لأجل الالتصاق بالخلايا التي تحمله.

وبروتين "نستين" هو أحد البروتينات التي تنتجها الخلايا خلال فترة النمو الجنيني للبشر، ثم يختفي بعدها نهائيا. ولكنه يظهر في الخلايا العصبية البينية التي تحولت إلى الحالة السرطانية (أي تلك التي أصيبت شيفراتها الوراثية بتغييرات أدت إلى نمو متسارع لهذه الخلايا خارج عن سيطرة الجسم). ومن ثم اختار الباحثون هذا البروتين ليكون "الشارة" التي تمكن الفيروس المحور من استهداف هذه الخلايا المتسرطنة دون غيرها.

"
تمثل الدراسة الحالية خطوة للأمام في سبيل تسخير الفيروسات لاستهداف وقتل الخلايا السرطانية دون غيرها من الخلايا السليمة إلا أنه لا يزال ثمة الكثير من البحث قبل التمكن من تطبيق هذا النوع من العلاج على البشر
"

بدأ الباحثون باختبار الفيروس المحور على خلايا عصبية بينية متسرطنة مستنبتة معمليا. ثم استُخلصت خلايا مماثلة من أدمغة بشرية وزرعت في أدمغة فئران التجارب. وبعد أسبوع عرّضت هذه الفئران لفيروس الهربس المحور، وذلك قبل أن تبدأ أي من أعراض المرض في الظهور. فعاشت هذه الفئران 90 يوما مقارنة بـ 21 يوما فقط للفئران التي لم تتعرّض للفيروس.

ولكون علاج البشر من أورام الدماغ يبدأ بعد ظهور الأعراض فقد أجرى الباحثون تجربة ثانية عُرّضت فيها الفئران للفيروس بعد أن بدأت الأعراض السرطانية في الظهور، وكان ذلك بعد 19 يوما من زرع الخلايا السرطانية في أدمغة هذه الفئران.

ونتج عن ذلك أن ظل اثنان من الفئران العشرة التي عولجت بالفيروس المحوّر على قيد الحياة لمدة 24 يوما. بينما ماتت كل الفئران التي عولجت بنسخة الفيروس غير المزوّدة بجين لاستهداف بروتين "نستين" خلال 21 يوما. ويمثل هذا الاختلاف في مدة البقاء على قيد الحياة فارقا إحصائيا جديرا بالاعتبار، إذا ما نقلنا معدل البقاء هذا للتطبيق على البشر.

ومعروف أن أورام الخلايا العصبية البينية سرطانات في الدماغ متسارعة النمو عند تشخيصها، وتؤدي في كل الأحوال تقريبا إلى الوفاة. وتقدر مدة البقاء على قيد الحياة بعد تشخيص المرض بحوالي عام واحد. وتُستخدم لعلاج هذا المرض كل من الأساليب الجراحية والكيميائية والإشعاعية.

وتمثل الدراسة الحالية خطوة للأمام في سبيل تسخير الفيروسات لاستهداف وقتل الخلايا السرطانية دون غيرها من الخلايا السليمة. ولكن لا يزال ثمة الكثير من البحث قبل التمكن من تطبيق هذا النوع من العلاج على البشر.
_________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة