75% من إيرادات الدولة ضرائب.. اقتصاد الجباية يثقل كاهل المصريين

مواطن لا يجد أمامه سوى القمامة لاطعام نفسه - الجزيرة نت
الإحصاءات تشير إلى أن 30 مليون مصري يقبعون تحت خط الفقر (الجزيرة)
حسن المصري–القاهرة

يعمل "سمير. ق" ذو الثلاثين سنة موظفا حكوميا، يتقاضى ألفي جنيه شهريا. ورغم أن لديه التزامات أسرية، فإنه يضطر إلى دفع أكثر من ربع مرتبه للخدمات والضرائب.

ويصنف سمير ضمن الشريحة الثانية للضرائب على الدخل التي تبدأ من 8 آلاف وحتى 30 ألف جنيه سنويا وبواقع 10%، كما أنه يدفع ضرائب أخرى على الاتصالات التي ارتفعت بنسبة 36% بالنسبة لبطاقات الشحن، حيث أصبح يدفع شهريا ما يوازي 100 جنيه، بالإضافة إلى فواتير الإنترنت التي تصل إلى 130 جنيها، وكل هذا في ظل ارتفاع الأسعار بعد رفع الدعم عن هذا القطاع.

يقول سمير "الأمر صعب.. علي دفع تكاليف المواصلات والكهرباء والغاز والنظافة والتي ازدادت مؤخرا إلى 30 جنيها شهريا في الوقت الذي لم يتم فيه رفع الأجور بالقطاع الحكومي منذ بداية التعويم زيادة حقيقية، وهو ما يضطرني للعمل في وظيفة أخرى خلال المساء بإحدى شركات القطاع الخاص لتوفير تكاليف الحياة خاصة وأنني أعول طفلين".

سمير لا يرى أي مقابل يحصل عليه جراء دفعه الضرائب، فلا توجد صحة ولا تعليم ولا مواصلات جيدة ولا خدمات لائقة، وفق رأيه.

ويضيف "شاركت في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 مثل الكثير من مختلف طوائف المصريين من أجل العدالة الاجتماعية، لكن الواقع يشير إلى أن كل شيء في مصر يسير بالمقلوب، فالفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى".

الطبقة الكادحة
"الضرائب في مصر تمثل 75% من إجمالي إيرادات الدولة"، كانت هذه تصريحات لوزير الصناعة المصري محمد معيط صدرت عنه مؤخرا، وهي تعكس كيف أن الحكومة لا تعيش إلا على أقوات الطبقة الكادحة في مصر، وفق مراقبين.

وربما خرجت تصريحات معيط لتترجم السياسة الاقتصادية للنظام المصري، ويظهر هذا في تصريحات سابقة للرئيس عبد الفتاح السيسي قال فيها "ناخذ من المواطن عشان نبني بلدنا"، مطالبًا المصريين بالتحمل والصبر أكثر من مرة.

حال سمير كغيره من الملايين من المصريين، تترجمه الإحصائيات الرسمية، حيث يشير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى وجود 30 مليون مواطن تحت خط الفقر بمصر في إحصاءات عام 2017.

ويأتي هذا في وقت فرضت فيه الكثير من الضرائب خلال الأعوام الأخيرة الماضية مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل وضريبة الاتصالات والضريبة العقارية، دون أن يقابلها رفع للحد الأدنى للأجور بصورة منصفة، مما أثار الغضب، خصوصا في ظل نوايا لفرض ضرائب أخرى كالتأمين الصحي ورسوم شراء سيارة جديدة وضريبة على الإعلانات بمواقع التواصل الاجتماعي.

غياب نظام ضريبي عادل
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال الخبير المصرفي وائل النحاس إنه لا يوجد نظام ضريبي عادل بسبب وجود اقتصاد رسمي وآخر مواز يقدر بحوالي 1.6 تريليون جنيه (89.3 مليار دولار)، وفق تصريحات سابقة لرئيس الحكومة السابق شريف إسماعيل.

وأضاف أن الدولة لا تستطيع تحصيل الضرائب من الاقتصاد الموازي بسبب التهرب الضريبي الذي يصل حجمه إلى 400 مليار جنيه.

وتابع الخبير الاقتصادي أن فرض الضرائب غاية يلجأ إليها النظام المصري للحصول على دخل الطبقة الفقيرة الكادحة في الوقت الذي لا توجد فيه تنمية. فالسلطة -يقول النحاس- تركز على الطرق والقناطر والعقارات والمدن الجديدة، في مقابل كساد بين المواطنين بسبب تدني مستويات الاستهلاك الناتج عن انخفاض مستوى المعيشة.

وتساءل عن كيفية مواجهة الديون الخارجية المتراكمة في ظل غياب التنمية، مشيرا إلى أن إجمالي الديون ارتفع إلى نحو 83 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأكد النحاس أنه في ظل هذه السياسة، تتجه الحكومة إلى فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم، مشيرا إلى أن اقتصاد الجباية ستكون آثاره وخيمة ومدمرة للطبقة الوسطى التي تآكلت بالفعل خلال الآونة الأخيرة.

بدوره استنكر خبير الضرائب هاني الحسيني عدم إقرار ضريبة تصاعدية حتى الوقت الحالي، التي لطالما طالب بها خبراء الاقتصاد في مصر من أجل تحقيق مبدأ التكافل والعدالة الاجتماعية بين الطبقات الغنية والفقيرة، ولفت إلى أن عدم إقرار تلك الضريبة يعد جريمة في حق المواطنين.

وقال "المعروف أنه بعد كل فترة لا بد من مراجعة النظام الضريبي للدولة، لكن هذا لم تقم به الحكومات المتعاقبة منذ قيام ثورة 25 يناير".

وأضاف الحسيني "هذا يكرس وجهة النظر التي تؤكد أن من يعمل على الملف الاقتصادي يتجاهل الطبقات الفقيرة على حساب الطبقات الغنية".

وأشار إلى أن النظام المصري تأخر كثيرا في إقرار تلك الضريبة، في حين يفرض المزيد من الضرائب على الطبقات الفقيرة، منبها إلى أنه قبل عام 2005 كانت هناك ضريبة تصاعدية على الأرباح والممتلكات، لكن تم إلغاؤها.

تكاليف إضافية
وتثير ضرائب ورسوم التأمين الصحي قلقا في المجتمع قبل تطبيقها بداية 2019، وتشمل هذه الضرائب رسوما متعددة مثل رسوم الكشف الطبي والخدمة الطبية ورسوم استخراج أو تجديد رخصة السيارة.

كما تشمل ضريبة 0.5% من إجمالي قيمة مبيعات شركات الأدوية والأغذية وأعمال المقاولات، و0.25% من إيرادات الشركات لصالح هيئة التأمين الصحي.

ويأتي هذا مع تطبيق القانون في مارس/آذار المقبل وفق المعلن عنه بداية من العام المالي الجديد 2018-2019.

ويقول منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة محمد حسن للجزيرة نت "إن القانون لا جدوى حقيقية من تطبيقه، فنظام التأمين الصحي كان موجودا قبل صياغة القانون المقرر تطبيقه، وكان كثير من المواطنين ينتفعون من اشتراكات التأمين الصحي، لكن لم تعد له أهمية مع التحديات الاقتصادية".

ويضيف أن القانون يرفع الأعباء على المصريين، حيث يكون المواطن مطالبا بدفع الرسوم إلى جانب نفقات العلاج التي من المتوقع أن ترتفع مع تطبيق هذا القانون.

ويشير إلى أن المصريين مطالبون بدفع 4% إلى 5% من دخلهم الشهري، بجانب تكاليف العلاج الأخرى كالأشعة والكشف الطبي وغيرها، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الفقر وتكاليف متطلبات الحياة في البلاد.

المصدر : الجزيرة