الزيادة السكانية شماعة النظام المصري لتبرير أزماته

صورة لأحد المناطق بالقاهرة تظهر جانبا من كثافة المصريين
أظهرت آخر الإحصاءات أن عدد المصريين تجاوز مئة مليون نسمة (الجزيرة)
عبد الرحمن محمد-القاهرة
بمجرد الإعلان عن نتائج تعداد سكان مصر، التي أظهرت بلوغ المصريين 104.2 ملايين نسمة، واحتلال مصر المرتبة 13 من بين الدول الأكثر سكانا على مستوى العالم، شن سياسيون وإعلاميون حملة ضد زيادة الإنجاب والزواج المبكر، بوصفهما سببا لهذه الزيادة التي يرونها معوقا لجهود الإصلاح الاقتصادي.

ووفق بيانات رسمية، فإن التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت 2017، هو أول تعداد إلكتروني كامل، وتم تنفيذه في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى يوليو/تموز الماضيين، وهو 14 في تاريخ التعدادات السكانية، وكان آخر تعداد سبقه أجري منذ 11 عاما وبلغ 72.9 مليون نسمة.

وخلال مؤتمر عرض نتائج التعداد، انتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما أظهرته تلك النتائج من تزايد زواج صغيرات السن (12 عاما)، مطالبا بالاستفادة من مختلف المعطيات التي كشفت عنها النتائج، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لحملة واسعة، شارك فيها إعلاميون وسياسيون، هاجموا من خلالها تلك الزيادة.

وضمن هذه الحملة، حمّل وزير التربية والتعليم طارق شوقي أزمة الكثافة الطلابية بالمدارس لهذه الزيادة، في حين اعتبرتها البرلمانية غادة عجمي أحد أسباب تزايد الفقر وزنا المحارم والتسرب من التعليم، بينما أرجعت النائبتان منى منير ومارجريت عازر أسباب هذه الزيادة إلى الفهم الخاطئ للدين وانتشار الأمية.

وعلى خلفية نتائج التعداد، خصصت أغلب القنوات المصرية الرسمية والخاصة فقرات ببرامجها الحوارية للتحذير من خطورة الزيادة السكانية، والمطالبة بالمسارعة في سن قوانين تلزم المصريين بتحديد النسل.

‪مصطفى شاهين: الكثافة السكانية يتعين أن تكون عامل قوة للاقتصاد وليس العكس‬ (الجزيرة)
‪مصطفى شاهين: الكثافة السكانية يتعين أن تكون عامل قوة للاقتصاد وليس العكس‬ (الجزيرة)

عامل قوة
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أنه من المفترض أن تكون الكثافة السكانية عامل قوة للاقتصاد في أي بلد وليس العكس، مشيرا إلى أن الصين صاحبة أكبر كثافة سكانية وصل معدل نموها الاقتصادي إلى أكبر معدل في التاريخ الحديث.

ويوضح في حديثه للجزيرة نت أن الصين بلغت هذا المعدل غير المسبوق لاهتمامها بالاستثمار برأس مالها البشري، وهو ما تفتقده مصر في هذا السياق، لافتا إلى أن الاستثمار الجيد في التعليم -على سبيل المثال- يزيد حجم الإنتاج بنسبة 7%، بينما لا يخفى حال هذا الملف في مصر.

وأشار إلى أن ما كشفته الإحصاءات الأخيرة ارتداد طبيعي للحالة الاقتصادية المتردية، ويدل على أن الأزمة في مصر مرتبطة بالاستثمار والسياسة الاقتصادية الفاشلة للنظام، وأن تحميل أعباء هذا الفشل للزيادة العددية للسكان مجاف للحقيقة والواقع.

بدوره، يؤكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري أن الزيادة السكانية تمثل عاملا مساعدا على التقدم وزيادة الإنتاج بالدول الواعدة، بينما ترى الدول الفاشلة فيها شماعة تعلق عليها إخفاقاتها، لافتا إلى أن المؤسسات الاقتصادية المتخصصة لا ترى علاقة لتدهور الأوضاع بمصر بزيادة السكان.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أن معطيات التعداد الجديد تقتضي أن يعمل النظام على إعادة تطوير التعليم ليصبح مواكباً لسوق العمل، وتوفير بيئة حاضنة للتنمية الاقتصادية، وتيسير الإجراءات البنكية، وضخ قروض مشروعات بشروط ميسرة، وتوفير استقرار سياسي ومصالحة مجتمعية لتنفيذ ما سبق.

‪ناجي الشهابي: العمل على الحد من الكثافة السكانية أمر ضروري واضطراري على المدى القريب‬ (الجزيرة)
‪ناجي الشهابي: العمل على الحد من الكثافة السكانية أمر ضروري واضطراري على المدى القريب‬ (الجزيرة)

فساد قديم
ورأى خضري أن تلك المعطيات تعكس سوء وفساد توزيع الثروات والمرافق، واستمرار السياسات الاجتماعية والاقتصادية الخاطئة التي بدأت بعصر الانفتاح الساداتي (نسبة إلى الرئيس الراحل أنور السادات) ومرت بنواب القروض وحيتان الاستثمار العقاري الفاسد خلال عصر (الرئيس المخلوع حسني) مبارك، وانتهاءً بانسحاق الطبقة الوسطى في عهد عبد الفتاح السيسي.

بينما رفضت الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين الحملة التي تقوم بها وسائل إعلام ضد الإنجاب والزيادة السكانية على خلفية ما كشف عنه التعداد، معتبرة ذلك يأتي في إطار منهجية تحميل المواطن المسؤولية الكاملة عن الأزمات والانتكاسات التي تمر بها مصر.

وذهبت في حديثها للجزيرة نت إلى أن النظام بحاجة لتغيير موقفه تجاه الزيادة السكانية، حيث لا بد له من أن يقدرها تقديرا جيدا باعتبارها محددا إيجابيا، وأن يسعى لاعتماد خطط وسياسات تساعد في توجيه الطاقة العددية وتوظيفها بالشكل الأمثل.

ورغم اتفاقه مع اعتبار الزيادة السكانية عنصرا إيجابيا في حال استثمارها، فإن رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي، يرى أن العمل على الحد منها على المدى القريب "أمر ضروري واضطراري" لمصلحة البلاد، محملا الحكومة مسؤولية الفشل في اعتماد سياسات وخطط تساعد على تحقيق ذلك.

ورأى -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا بد من توجيه فئات الشعب البسيطة من محدودي الدخل للاهتمام بتأهيل وتعليم الأبناء على حساب الاهتمام بزيادة عددهم، وهو ما يتحقق معه توفير الكوادر المؤهلة للمشاركة في نهضة الوطن، والحد من الزيادة السكانية غير الفعالة، وفق تعبيره.

المصدر : الجزيرة