امتيازات أوروبية ترقى للمواطنة مقابل الاستثمارات

(FILE) A file photo dated 28 January 2014 showing a general view of one London's finanical centres, Canary Wharf, east London, England. EU countries working to introduce a controversial tax on financial transactions failed 08 December 2015 to strike a deal, while agreeing on basic principles for the levy, and one of the 11 cooperating member states left the group. Austria, Belgium, Estonia, France, Germany, Greece, Italy, Portugal, Slovakia, Slovenia and Spain have bee
مركز كناري وارف المالي شرقي العاصمة البريطانية لندن (الأوروبية)

العياشي جابو-لندن

محاولات استقطاب الاستثمارات الخارجية إلى البلدان التي تعاني من أزمة اقتصادية أو التي هي بحاجة إلى دعم اقتصاداتها مقابل منح امتيازات إلاقامة الدائمة أو جوازات السفر؛ ليست جديدة، ويعود تاريخها إلى عشرات السنوات.
 
كما أنها ليست وقفا على الدول الأوروبية أو الغربية وحدها، بل تشمل حتى الدول السائرة في طريق النمو أو تلك التي تريد تطوير قطاعاتها السياحية، خصوصا تلك التي تتمتع بعوامل مناخية معتدلة وتريد أن تستهوي السياح الذين يدرون الأموال على خزائنها.

لكن الذي استقطب الأنظار مؤخرا أن بعض الدول الأوروبية فسحت المجال بشكل يكاد واضحا للشركات العقارية كي تشجع أصحاب الأموال الكبيرة على الاستثمار في هذه الدول، مقابل تطمينها بالحصول على الإقامة وجواز السفر وامتيازات تكاد ترقى إلى المواطنة الكاملة.

لقد لعبت الأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض هذه الدول دورا بارزا في محاولة جذب أصحاب رؤوس الأموال وتشجيعهم على الاستثمار في قطاع العقارات بها.

‪العقارات في لندن مجال رئيسي للاستثمارات الأجنبية‬ (رويترز)
‪العقارات في لندن مجال رئيسي للاستثمارات الأجنبية‬ (رويترز)

الاستثمار العقاري
والاستثمار هنا يكون في العقارات والبيوت الفاخرة في المناطق الثرية ومحاولة إقناعهم بأن استثماراتهم ستزيد دعم أرباحهم، كما تحمي لهم رؤوس أموالهم، خصوصا إذا كانت بلدانهم تواجه عدم استقرار سياسيا واجتماعيا.

ومثلما لعبت هذه الأساليب من قبل دورا بارزا في تشجيع أصحاب الاستثمارات الأوروبية والدول الغنية الأخرى في الاستثمار بدول بحر الكاريبي في تطوير القطاع السياحي لدر الأرباح والتهرب من دفع الضرائب في بلدانهم الأصلية، فإن الأساليب ذاتها تم اعتمادها في السنوات الأخيرة.

ولكن ذلك كان وفقا لمقتضيات مختلفة، لتشجيع الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال الطائلة من الاستثمار في الدول الأوروبية، لتحقيق هدف رئيسي هو الإبقاء على تحريك عجلة الاقتصاد، ومحاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية في هذه البلدان.

في المقابل تسعى الشركات العقارية -ومن ورائها الدول الأوروبية- لتطمين المستثمرين بتوفير المناخ الآمن والاستقرار النفسي لهم، علاوة على منحهم إقامات وجوازات سفر تحكمها شروط مختلفة.

‪جواز السفر بريطاني الذي قد يحصل عليه مستثمرون أجانب‬ (الجزيرة)
‪جواز السفر بريطاني الذي قد يحصل عليه مستثمرون أجانب‬ (الجزيرة)

طفرة استثمارية
ومن نتائج هذه المساعي التشجيعية والتسهيلات في بريطانيا، ولو بطرق غير مباشرة، شهدت العاصمة لندن ومدن بريطانية أخرى خلال السنوات العشر الأخيرة استقطاب الكثير من الاستثمارات في العقارات الفخمة، خصوصا من المستثمرين الخليجيين والروس والصينيين.

يقول نيك وار من مؤسسة "تايلور ويسنغ" للمحاماة التي تتعامل مع شركات الاستثمار وبيع العقارات، إن التسهيلات في منح تأشيرات الاستثمار بدول مثل بريطانيا يتحكم فيها الطلب الدولي على المستثمرين الذين يبحثون عن تأمين أموالهم وحمايتها وإيجاد مناخ مناسب لها.

من جهته يرى توم بيل من مؤسسة "نايت فرنك" أن تسهيل تأشيرات الاستثمار أنسب وأنجع طريقة بالنسبة للدول التي تعاني من نقص في رؤوس الأموال.

وبهذا المعنى أقبل العديد من أصحاب رؤوس الأموال الروس في السنوات الماضية على لندن وتبعهم بعض الصينيين في الاستحواذ على أفخم البيوت والاستثمار في العقارات، وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف، أهمها: حماية أموالهم وتأمين النمو والربح، وضمان حرية الحركة في دول الاتحاد الاوروبي عند حصولهم على إقامة دائمة أو جوازات سفر بريطانية، وتأمين تعليم مميز لأطفالهم في المدارس البريطانية الخاصة التي لا يقدر عليها غير الأغنياء.

وتختلف دوافع أصحاب رؤوس الأموال الذين يريدون الاستثمار في دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة "شنغن"، بمقدار ما تختلف محفزات الدول المستقبلة لرؤوس الأموال والتسهيلات التي تقدمها.

ولهذا تحدث مرونة ونوع من العرض والطلب بين أصحاب رؤوس الأموال والدول الأوروبية المستقبلة لهم كما تقول ميكا إيميت من مؤسسة "غلوبال بارتنر"، إذ لا يمكن مثلا لثري روسي يمتلك أمولا طائلة ويريد الاستثمار في هذه الدول أن يخضع لنفس الشروط التي يخضع لها أشخاص آخرون يريدون الذهاب إلى هذه الدول أو الإقامة فيها.

الدول الأوروبية الأكثر تشجيعا للمستثمرين الأجانب مقابل منحهم الإقامة أو جوازات سفر هي: بلغاريا والمجر ومالطا وقبرص والنمسا

إحصاءات
ووفقا لبعض الإحصاءات، فإن الدول الأوروبية الأكثر تشجيعا للمستثمرين الأجانب مقابل منحهم الإقامة أو جوازات سفر هي: بلغاريا والمجر ومالطا وقبرص والنمسا، ولكل دولة شروط تختلف عن الأخرى.

فوفقا لبعض الإحصاءات فإن البرتغال مثلا تشترط مبلغ خمسمئة ألف يورو (530 ألف دولار تقريبا) كحد أدنى للاستثمار في العقار، مقابل الجواز البرتغالي بعد ست سنوات من الإقامة وتعلم اللغة البرتغالية.

أما إسبانيا فتشترط على المستثمرين غير الأوروبيين نفس المبلغ، لكنها تضيف شرطا آخر وهو أن الذين يريدون الحصول على إقامة دائمة ينبغي عليهم المكوث في إسبانيا فترة لا تقل عن 180 يوما في السنة الواحدة.

لكن هذه الإحصاءات والشروط ليست ثابتة، وقد يتم تغييرها بين الحين والآخر وفقا لمتطلبات الظروف السياسية والاجتماعية للدول الأوروبية.

ورغم أن دوافع العولمة لعبت مؤخرا دورا كبيرا في تشجيع انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات العقارية في الدول الأوروبية، فإن الظروف السياسية لكل بلد وعوامل الخوف والتخويف من الهجرة أضحت تطرح تساؤلات بين الرأي العام الأوروبي وبعض الساسة الأوروبيين إزاء الجدوى من السماح لأغنياء أجانب بامتلاك عقارات لا يستفيد منها المواطنون العاديون مباشرة، بل قد تشكل عبئا عليهم، وتزيد في أزمة السكن ببعض الدول، فضلا عن أن البعض بدأ ينادي بأن المواطنة الأوروبية ليست للبيع.

المصدر : الجزيرة