"تاء مربوطة".. مقهى يحافظ على روح الثقافة بقلب بيروت

مقهى التاء مربوطة وشارع الحمرا
ما إن تقف أمام "تاء مربوطة" حتى تسمع موسيقى هادئة أو إحدى أغاني فيروز (الجزيرة)

محمد خالد-بيروت

في شارع الحمرا وسط العاصمة اللبنانية بيروت، المليء بالحياة الصاخبة ليلاً ونهاراً، ومع غزو الطابع الغربي لمعظم المطاعم والمقاهي التي فتحت أبوابها حديثاً وبدأت تنتشر بوتيرة سريعة على طول الشارع، بدأت المقاهي الثقافية تتلاشى يوماً بعد يوم.

وباتت معظم المقاهي تغلق أبوابها وتتراجع أمام انتشار المقاهي الحديثة والمحال التجارية التي تهدد رمزية الشارع الذي لطالما اختزن ذكريات بيروت الثقافية، إلا أن مقهى "تاء مربوطة" استطاع أن يبقى صامداً في شارع الحمرا الذي شكل منذ الخمسينيات ملتقى المثقفين.

فما إن تقف أمام مقهى "تاء مربوطة" الثقافي في شارع الحمراء، حتى تسمع موسيقى هادئة أو إحدى أغاني فيروز تتسلل من المكان، أو تسمع قراءات شعرية، يرافقها عزف على العود.

تقترب قليلاً فترى ملصقات المعارض الفنية وعروض الأفلام الوثائقية تغطي المدخل الزجاجي للمقهى، وأكثر ما قد يلفت نظرك لحظة دخولك المكتبة بما فيها من آخر الإصدارات من الشعر والروايات والدراسات وأقراص الفيديو الرقمية، بالإضافة إلى الديكور الذي يلعب دوراً مهماً في جذب الزبائن حيث طغى عليه الطابع الشرقي، وتحمل جدرانه صورا فوتوغرافية لأدباء وفنانين ولوحات تشكيلية.

وتقول فرح (طالبة جامعية ومن إحدى الرواد) إنها تأتي بشكل شبه يومي إلى المقهى، هاربةً من صخب المدينة وسطو الثقافة الغربية حيث المكان الهادئ.

وتضيف –للجزيرة نت– أن معظم رواد المقهى من فئة الشباب المثقفين "فهنا تجمعنا جلسات ثقافية نناقش فيها مواضيع متنوعة، وننجز دراستنا وأعمالنا بهدوء".

ويوجد في مقهى "تاء مربوطة" قاعة أعدت خصيصاً للطلاب الباحثين عن مكانٍ هادئ.

‪التجديد والابتكار سر الصمود والاستمرار‬ التجديد والابتكار سر الصمود والاستمرار (الجزيرة)
‪التجديد والابتكار سر الصمود والاستمرار‬ التجديد والابتكار سر الصمود والاستمرار (الجزيرة)

موت
يقول إلياس (50 عاماً) للجزيرة نت إن مقاهي المثقفين ماتت هنا مع انتشار المطاعم الحديثة التي يقصدها الشبان للهو وقضاء الوقت وتدخين الأرجيلة، الشارع لم يعد كما كان مسبقاً".

ويضيف "الشارع كان وما زال جزءاً من حياتي، فأنا أعرفه جيدا، كان يسمى شارع المثقفين، ولكن وبالرغم من التغيير الذي طرأ عليه سيبقى مكاناً يجذب الكتاب والفنانين والشعراء".

نال المقهى شهرة واسعة، وأثبت منذ انطلاقته أن شارع الحمرا لم يتحول إلى سوق تجاري كما هو شائع، وأنه ما زال يحافظ على طابعه الثقافي.

كما يسعى ليكون منبراً للفعاليات الفنية والثقافية، وتقول منسقة الأنشطة بالمقهى نور عز الدين إن "تاء مربوطة" أُسس ليكون ملتقى ثقافيا، وهدفه كسر الصور النمطية التي استحدثتها المقاهي الحديثة، كما أن المكتبة مفتوحة للجميع وبشكل مجاني.

وأضافت أن سر صمود المقهى واستمراره قدرته على التجديد، والابتكار في تنظيم الفعاليات الثقافية المتنوعة التي تواكب تطورات العصر الحديث، وقدرته على تحفيز الناس على القراءة، من خلال النشاطات الشهرية التي نقوم بتنظيمها كمناقشة الكتب، وتنظيم الأمسيات الشعرية، والحفلات الفنية الملتزمة، وعروض الأفلام القصيرة والوثائقية.

‪شهرة واسعة‬ شهرة واسعة (الجزيرة)
‪شهرة واسعة‬ شهرة واسعة (الجزيرة)

روح
نشاطات متنوعة يقوم بها المقهى تهدف إلى تعزيز روح الثقافة عند الشباب وكان آخرها نشاط "في كتب عالمفرق" وهي مبادرة لتبادل الكتب بشكل مجاني نُظمت على رصيف شارع الحمرا لتحفيز الناس.

وتقول نور إنهم بصدد تنظيم فعالية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية يوم الـ 18 من الجاري، حيث سيكون هناك أسبوع ثقافي حول المحتوى العربي وتطور اللغة العربية، وأنشطة متعددة تتمحور حول علاقة الإنسان بلغته الأم، كما ستكون هناك أنشطة مخصصة للأطفال.

محاولات عديدة ونشاطات متنوعة يقوم بها المسؤولون عن "تاء مربوطة" لاستعادة ولو مجرد جزء من هوية شارع الحمرا الثقافية الذي أصبح صاخباً ولم يعد يمتلك من نكهة الماضي سوى اسمه كما يقول البعض. 

المصدر : الجزيرة