رواية المدوري تتنبأ بهجوم لتنظيم الدولة جنوبي تونس

غلاف رواية "اليالي السود" للكاتب التونسي عبد الجبار المدوري/العاصمة تونس/آب/أغسطس 2016
غلاف رواية الليالي السود

خميس بن بريك-تونس

يستشرف الروائي التونسي عبد الجبار المدوري في روايته الجديدة "الليالي السود" وقوع محافظة قفصة بالجنوب التونسي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، متوقعا في عالم روائي مشوق حدوث تداعيات خطيرة على الحريات والأمن والانتقال السياسي.

واللافت في هذه الرواية، التي تندرج في جنس أدب الخيال السياسي، أنها كُتبت قبل الهجوم الفاشل الذي نفذه تنظيم الدولة ضد قوات الأمن والجيش التونسية في مدينة بن قردان (جنوب) في مارس/آذار الماضي.

واستطاع عبد الجبار المدوري، الذي يلقب بالكاتب "الفلاق" بسبب نشر مؤلفاته خارج الأطر الرسمية متحديا قوانين المنع، أن يتنبأ بوقوع الأحداث التي شهدتها بن قردان، مع اختلافات يسيرة فرضتها الطبيعة الجغرافية.

‪المدوري يقول إنه استمد نبوءته من عدة معطيات‬ (الجزيرة)
‪المدوري يقول إنه استمد نبوءته من عدة معطيات‬ (الجزيرة)

استهداف الجنوب
والأهم مما سبق لدى الكاتب أن استشرافه لأحداث "الليالي السود" يدور في عمق الجنوب التونسي المتاخم لليبيا حيث توجد معاقل لتنظيم الدولة، مما كشف عن معرفته بتحركات عناصر التنظيم والمحطات الجغرافية التي يسعى للاستحواذ عليها.

حول هذا يقول "لقد ارتكزت في استشرافي على العديد من المعطيات، من بينها أن التنظيم يعتبر الجنوب التونسي محطة لا بد من السيطرة عليها، ناهيك عن أن التنظيم خسر عدة مواقع في سوريا والعراق وليبيا، وهذا قد يدفعه للتخطيط لاحتلال مواقع في تونس".

وتنطلق أحداث الرواية، التي تنهل تارة من الخيال وأخرى من الواقع، عندما أفاق بطل القصة وليد الذي يعمل صحفيا على خبر نقله له رئيس التحرير بأن محافظة قفصة سقطت بيد تنظيم الدولة.

ويسرد الكاتب حالة الذعر التي انتشرت بين الناس ووضع الاستنفار الأمني والعسكري، لكنه ينغمس في تفاصيل عمل الصحفيين داخل غرفة الأخبار ويرصد تنقلاتهم وتغطيتهم للاجتماعات في ظل الحصار الذي قطع الاتصال عن قفصة.

ويصور الراوي حالة الذهول والحيرة التي تسود المجتمع الذي لم يتوقع ذاك السقوط، ويطرح من خلال شخصياته تساؤلات حارقة عن كيفية تسلل تنظيم الدولة عبر الحدود للسيطرة على مدينة قفصة دون تفطن قوات الأمن والجيش.

ويتناقل الناس إشاعات خطيرة عن إمكان امتلاك التنظيم أسلحة كيميائية هربها من ليبيا، وعن قدرته على تصفية بعض الأهالي في حال سعي الجيش للتدخل عسكريا، مما يدفع بالقارئ إلى مزيد من التشويق.

يرى الكاتب أن الثورة المضادة تستغل الإرهاب لتمجيد زمن الاستبداد بحجة أن الحرية تسببت في تنامي الظاهرة

تقنية جديدة
اعتمد الكاتب على تقنية جديدة في بناء الرواية التونسية، وهي الجمع بين السرد والحوار وكتابة البرقيات الصحفية التي نسبها لموقع "شموع" الذي يعمل به بطل القصة، لإيهام القارئ بواقعية الرواية وإشراكه في كتابتها ذهنيا، وترك مساحات أوسع للخيال.

واستلهم الكاتب أغلب البرقيات الصحفية التي ضمنها روايته من الواقع المعيش حتى لا يستطيع القارئ التفريق بين ما هو واقعي وما هو متوقع في تلك الأخبار والنصوص، وهو بذلك انتهج أسلوبا مغايرا للكتابة التقليدية المتعارف عليها في عالم الرواية.

ومن خلال مسيرة بطل القصة وليد الصحفي، الذي ناضل ضد الاستبداد زمن حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يصور الراوي مصاعب العمل الصحفي على الميدان، ولا سيما أن الحدث أتاح لوليد فرصة العمل مع الصحافة الأجنبية.

ويتطرق الكاتب إلى مسألة تضييق أجهزة الأمن والجيش على الحريات العامة وحرية الصحافة في ظل سريان قانون الطوارئ، لكنه لم يقضم مسألة تدهور معيشة الصحفيين التونسيين الذي عمقته أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد.

كما أنه أرسل برسائل عديدة في روايته، تركزت حول ضرورة حماية مناخ الحريات وإشراك المواطنين والمجتمع المدني في الحرب على "الإرهاب"، مبينا أن "الثورة المضادة تستغل الإرهاب لتمجيد زمن الاستبداد، بحجة أن الحرية تسببت في تنامي الظاهرة".

المصدر : الجزيرة