"سيرة المعتوه" تفضح سرديا نظام بن علي

غلاف رواية "سيرة المعتوه"/إحدى المكتبات بالعاصمة تونس/ماي/آيار 2016

خميس بن بريك-تونس

لخّص الكاتب التّونسي المولدي ضو بأسلوب قصصي مُستحدث في روايته الجديدة "سيرة المعتوه" الحائزة على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان "كومار الأدبي" مناصفة مع رواية أخرى، الكثير من المعاناة الإنسانية التي كان المجتمع التونسي يرزح تحتها في حقبة النظام المخلوع.

واختار المولدي ضو ابن مدينة قفصة (الجنوب الغربي) الغنية بالفوسفات، والذي عاصر قهر الاستبداد والتهميش والفقر في فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أن يروي ببراعة معاناة مجتمع مثقل بالهموم يحكمه نظام بوليسي، على لسان مثقف أصابه العَتهُ.

واستطاعت الرواية التي اعتمد فيها الكاتب على سيرة شخصية "المعتوه" وفق بناء سردي مغايِر للأسلوب القصصي الكلاسيكي القائم على البنية الثلاثية (بداية وتحول وختام) أن يشد انتباه لجنة التحكيم بالمهرجان بفضل قدرته على التحكم في تقنيات اللغة والحكاية.

ووعيا منه بأن القارئ ينفر من القصص المثقلة بالأوجاع والدموع، اختار الكاتب أن لا يشوش على راحة القراء، وأن يصحبهم معه في رحلة سردية مشوقة تجمع بين الواقعي والخيالي وتمزج بين أجناس أدبية متنوعة نثرية وشعرية.

‪‬ المولدي ضو (يسار) يتسلم جائزة التحكيم عن روايته
‪‬ المولدي ضو (يسار) يتسلم جائزة التحكيم عن روايته "سيرة المعتوه" بمهرجان كومار مناصفة مع رواية "المصب"(الجزيرة)

قضايا إنسانية
وتتمحور "سيرة المعتوه" حول شخصية مثقف من الجنوب الغربي التونسي، درس بجامعة منوبة للآداب بالعاصمة، وتعرض للملاحقة الأمنية والتعذيب بسبب قصائده المتمردة على بطش النظام وبؤس الفقر والبطالة، لكنه نجا من السجن بعدما أقنع محاميه المحكمة بأنه "معتوه".

مطاردة هذا المثقف لم تنته، فاضطر لركوب أحد زوارق الموت رفقة صديقه الحفناوي للهجرة باتجاه إيطاليا. لكن عذاباته تفاقمت بقسوة معاملة اللاجئين واللامبالاة الأوروبيين باضطهاد الشّعب التونسي.

يتعرف "المعتوه" بأحد مراكز الاعتقال بجزيرة لامبادوزا على الناشطة الإيطالية "روزا"، فتقرر مساعدته على الخروج بطريقة قانونية من المعتقل ليفضح انتهاكات النظام السابق في الصحافة الأوروبية.

لكن الأقدار كانت له بالمرصاد حيث انتهى به الأمر إلى محاولة الانتحار في إيطاليا، فيتم ترحيله إلى تونس ويزج به في "الرازي" المستشفى الحكومي للأمراض العقلية، هناك حيث تنطلق بداية القصة من النهاية.

وهذه الرواية الصغيرة الحجم (99 صفحة)، صاغها الكاتب في شكل تسع جلسات مع طبيبة نفسية تزور "المعتوه" في المستشفى لتفهم حالته الفصامية فيرتاح إلى وجودها في مكان يشعر أنه مُلغم بالجواسيس.

ثم في الجلسة العاشرة يقرّر "المعتوه" الفرار من المستشفى لينخرط في حياة أبناء وطنه فيكتشف حجم الكراهية التي يكنّها الناس للنظام الحاكم ولعائلته. فيبعث رسالة إلى طبيبته التي كان يخشى عليها دائما من النظام ليشكرها على مساعدته على التخلص من أوهامه.

"سيرة المعتوه" هي قصة مثقف من جنوب غرب تونس، درس بجامعة منوبة للآداب بالعاصمة، وتعرض للملاحقة الأمنية والتعذيب بسبب قصائده المتمردة، لكنه نجا من السجن بعدما أقنع محاميه المحكمة بأنه "معتوه".

أسلوب طريف
وفي الرواية تبدو شخصية "المعتوه" طاغية على بقية الشخصيات الأخرى التي ذابت من حوله، فلا نسمع كلامها ولا حركاتها ولا سكناتها ولا مواقفها إلا عن طريق ما يسرده "المعتوه".

حول هذا يقول المولدي "أن تفتك الشخصية المحورية مجال الآخرين ولا تترك لهم فسحة، فهذا فيه مخاطرة لأن الحديث عن الأنا بغيض، لكن اختيار تلك الشخصية جعلني اقتحم مجالات أخرى في بناء العالم الروائي".

و"المعتوه" الذي احتكر الكلام يسأل ويجيب، يثرثر ويصف، يسرد ويعبر عن مواقفه، كشف عن شخصية ملغمة بأبعاد كثيرة لها إمكانات واسعة في الأدب والشعر وإلمام شامل بالثقافات والحضارات.

وقد يبدو هذا جميلا، لكن المولدي ضو يقول للجزيرة نت "إنه أصبح في خصومة وصراع مع شخصية "المعتوه" فهو يفكر في "قتله" لأنه تحول إلى عائق يسعى لتجاوزه من أجل كتابة رواية رائعة جديدة".

و"سيرة المعتوه" هي الرواية الثانية للكاتب التونسي المولدي ضو بعد "واحة العميان"، علما أنه بصدد الاستعداد لنشر مسرحية ذهنية بعنوان "فردوس الإنسان" في الفترة القادمة.

المصدر : الجزيرة