"اعترافات إرهابي".. الإنصات لصوت محظور

غلاف الكتاب: اعترافات إرهاب
"اعترافات إرهابي" محاولة لفهم وجهة نظر أشخاص يحرم الاستماع إليهم

يندرج كتاب "اعترافات إرهابي" لمؤلفه أستاذ دراسات السلام في جامعة أوتاجو في نيوزيلندا ريتشارد جاكسون في إطار جهوده الطويلة لإعادة النظر في تعريف الإرهاب، والإسهام في مكافحة هذه الظاهرة بنهج يسلط عين الناقد على الأفكار السائدة.

والكتاب من منشورات دار المتوسط، وهو رواية سياسية لمؤلفه جاكسون -الذي يشغل منصب رئيس تحرير مجلة "دراسات نقدية في الإرهاب"، ومن ترجمة منصور العمري.

فبعد أن التقى جاكسون عشرات المتهمين والمتورطين في قضايا الإرهاب وضباط المخابرات، يأتي هذا الحوار الطويل وثيقة من أرفع ما يكون لفهم مالِئ دنيا وشاغل ناس زماننا هذا: الإرهاب.

النتيجة الأكيدة الوحيدة لجهل الإرهابيين هي خلق المزيد منهم، وتوليد الانتقام. وبالتالي هناك ضرورات أخلاقية وعملية للسعي لفهم أفضل للعقلية الإرهابية

من هو الإرهابي؟
رواية متخيلة لضابط مخابرات بريطاني يستجوب إرهابيا. لكن هذا ليس استجوابا عاديا، لأننا سنكتشف أسرارا خطيرة وهما يتحدثان ليلا، حيث يبدأ الخط الفاصل بين المحقق والمعترف بالتلاشي. وذلك في لحظة صادمة من الرواية حيث يخلط جميع أوراقها ويظل السؤال: من هو الإرهابي الحقيقي؟

يُسجل جاكسون الملاحظة التالية "اعتمدت -بشكل كبير أثناء كتابتي لهذه الرواية المُتخيّلة- على الأدبيات الأكاديمية الموسعة في طبيعة وأصول الإرهاب وأسبابه وكيفية الاستجابة له".

حجاب الجهل
تعتمد هذه الرواية على فكرة بسيطة جدا "إذا جلست مع إرهابي وجها لوجه، ما الأسئلة التي ستطرحها عليه؟ ماذا توّد أن تعرف عن حياته ونشأته، وعن دوافعه للجوء إلى الكفاح المسلّح، وأهدافه وغاياته، ومفهومه للأخلاق، ومشاعره تجاه ما يفعله؟".

‪‬ جاكسون: يسمح الكتاب للإرهابي بالكلام دون رقابة(الجزيرة)
‪‬ جاكسون: يسمح الكتاب للإرهابي بالكلام دون رقابة(الجزيرة)

ويرى الكاتب أن هذه الفكرة هامة لأسباب عدة، ليس أقلّها انتشار الإرهاب في كل مكان هذه الأيام، "ولكن حتى الآن وللمفارقة يبدو أننا -تقريبا- لا نعرف شيئا عن الأشخاص الذين يرتكبونه".

تكمن المشكلة -وفقا له- في استقراء الإرهابيين من خلف حجاب الجهل، ومحاولة فهمهم من خلال عدسة خيال مشوبة بالخوف، "أننا سنحوّلهم إلى وحوش. فيصبحون من غير البشر، ونجرّدهم من تاريخهم، ومن الطفولة والمشاعر وتجارب الحياة والطموحات والقيم. فيصبحون مطابقين لما يفعلونه، أو ما ينوون فعله".

تكمن المشكلة في استقراء الإرهابيين من خلف حجاب الجهل، أننا سنحوّلهم إلى وحوش وغيلان. فيصبحون من غير البشر، ونجرّدهم من تاريخهم

فهم أفضل
وبصرف النظر عن دمج الخطأ الأصلي للإرهاب مع أخطاء أكبر، يعتقد الكاتب أن هذا النهج يحمل نتائج عكسية وهزيمة للذات في نهاية المطاف.

لذلك لا يمكنه أن ينهي أعمال الإرهاب أو أن يمنع المزيد منها، والنتيجة الأكيدة الوحيدة لهذا النهج هي خلق مزيد من الإرهابيين، وتوليد انتقام أكثر عنفا. وبالتالي هناك ضرورات أخلاقية وعملية تدفع إلى السعي لفهم أفضل للعقلية الإرهابية.

يتطرق الكاتب إلى أن التحدث مع الإرهابيين والاستماع إلى أصواتهم وحججهم في محاولة لفهم وجهة نظرهم أمرٌ محظور، لأن ذلك قد يؤدي إلى التعاطف، أو فهم أو حتى تبرير سلوكهم المشين.

يلفت جاكسون النظر إلى أن الجميع يخضع لتحريمات لقاء الإرهابيين بمن في ذلك الروائيون والفنانون والصحفيون والعلماء والسياسيون، وأن قلة من الروائيين ودارسي الإرهاب تحدّثوا بشكل مباشر إلى إرهابي، مما جعل توصيفهم غالبا غير حقيقي، وبهذه الطريقة يتمّ الحفاظ على حجاب الجهل المتعمَّد.

يسمح الكتاب للإرهابي بالكلام، ويمنحه صوتا حقيقيا غير خاضع للرقابة وغير مقيّد، لكنه صادق وحميمي. علاوة على ذلك، السماح للقارئ بأن يسأل الأسئلة كلها التي يتمّ تجنّبها عادة خلال التعامل النمطي مع الإرهابيين. 

المصدر : الجزيرة