"نظرات متقاطعة".. معرض تشكيلي للإنسان والمعمار بالمغرب

من أجواء المعرض التشكيلي بالمغرب
من أجواء المعرض التشكيلي بقاعة الشعيبية طلال بالحي البرتغالي العتيق بمدينة الجديدة المغربية

إبراهيم الحجري-الجديدة

يرصد المعرض التشكيلي الجماعي "نظرات متقاطعة" -الذي تحتضنه قاعة الشعيبية طلال بالحي البرتغالي العتيق بمدينة الجديدة المغربية (الوسط الغربي) حتى 31 مايو/أيار الجاري- الإنسان المغربي في شتى تجلياته ومختلف محطات تحولاته من خلال الآثار التي يخلفها على الأرض.

ويشارك بهذا المعرض -الذي أشرف على افتتاحه المدير الجهوي للثقافة ومديرة الرابطة الفرنسية بمدينة الجديدة والمنظم من طرف المندوبية الجهوية للثقافة بجهة دكالة/عبدة- خمسة فنانين تشكيليين مغاربة يمثلون مدنا مختلفة ومرجعيات فنية متباينة أو متقاطعة.

ويتعلق الأمر بكل من عبد الكريم الأزهر (أزمور 1954) والزبير الناجب (سلا 1968) وأحمد الأمين (الدار البيضاء 1966) وصلاح بنجكان (مراكش 1968) وعبد الرحمن رحول (الدار البيضاء 1944).

ويشكل المعرض فرصة لتلاقي الوجهات الفنية وتقريب المتلقي التشكيلي من جديد الفنانين الذين يوحدهم فضاء الجديدة بجغرافيتها المتنوعة، وتفرقهم نزوعاتهم ومرجعياتهم الفنية التي يظل جوهرها الأوحد هو الوقوف على المصير الإنساني في سجاله الدائم مع متغيرات التاريخ، ومعطيات العصر المعرفية والثقافية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية.

‪أحمد ذو الرشاد: أعمال بنجكان تجمع بين الرسم والنحت والنقش‬ (الجزيرة)
‪أحمد ذو الرشاد: أعمال بنجكان تجمع بين الرسم والنحت والنقش‬ (الجزيرة)

تجارب مختلفة
وأوضح الناقد والصحفي أحمد ذو الرشاد، في معرض حديثه عن خصوصيات الفنانين المشاركين بالمعرض وتجاربهم الفنية، أن أحمد الأمين يركز في اشتغاله على التنوع البصري، ويجمع بين الواقع التخييلي والواقعي، موظفا الألوان الباردة والدالة بوقت واحد، مثلما يوظف التخطيط الهندسي لإعطاء حركية لشخوصه التي تبدو وكأنها تتحرك على اللوحات.

وأضاف ذو الرشاد أن عبد الكريم الأزهر يطل على المتلقي بلوحات تحمل طابعا خاصا به، تجمع بين الرمزي والحركي في تمازج يصعب المزج بينهما، لاختلاف زوايا الالتقاط والنسخ، حيث يعتمد في لوحاته على الترصد لأدق تفاصيل المعيش اليومي بأدق تجلياته، موظفا الرموز والعلامات والأرقام بشكل بسيط ومعقد في الآن نفسه.

وأوضح أن صلاح بنجكان -المهووس بالبحث الدائم عن تطوير آليات اشتغاله- يشارك بلوحات تجمع بين الرسم والنحت والنقش، عبر تموجات تنفرد بالثابت والمتحول، وتوظف الألوان الساخنة مرة والهادئة أحيانا أخرى، مستفيدا من إقامات فنية بفرنسا وكورسيكا وتطوان والصويرة.

أما أعمال الفنان عبد الرحمن رحول، فهي بعين الناقد ذاته تجمع بين فن السيراميك والخزف في أبهى تجلياتها، حيث يقوم بالمزج بين ثلاثة أنماط تعبيرية وفنية، تتوزع بين السيراميك والصباغة والنحت، مستغلا درايته ومعرفته الدقيقة بالمواد التي يشتغل عليها وتحكمه بالمقاييس والأحجام والتوفيق بين الألوان.

أما الفنان الزبير الناجب -يقول ذو الرشاد- فهو يجد في طفولته معينا مهما لنهل معطياته الفنية، إذ يقوم باستثمار ذاكرته التي تختزن الخصائص المعمارية والتاريخية والطبيعية لمدينتي الجديدة وسلا لرسم حدود التقاطع والاختلاف بين الملامح واللمسات الإنسانية والجغرافية، خصوصا ما يتعلق بالبحر والريح والزوارق والنوافذ الضيقة والأبواب الخشبية العالية والثقيلة.

‪جانب من الحضور بمعرض‬
‪جانب من الحضور بمعرض‬ "نظرات متقاطعة"(الجزيرة)

رؤى متقاطعة
وإذا كانت المعارض الانفرادية تمكن المتلقي من التعرف على مسار الفنان التشكيلي الواحد والاطلاع على تجاربه الجديدة في فضاء واحد، فإن المعارض الجماعية تتيح للجمهور المقارنة بين مسارات مختلفة أو متقاطعة لفنانين قادمين من جغرافيات متباينة ومرجعيات متمايزة، بغرض الوقوف على المشترك فيها والمختلف، والاطلاع عن كثب على ما يوحد اهتماماتها ورسالاتها الثقافية والفنية.

وفي هذا الصدد، يؤكد المندوب الجهوي للثقافة الأستاذ عبد الرحيم البرطيع أن المعرض يشكل مناسبة للالتفاف حول تجارب ثلة من رواد الفن التشكيلي بالمغرب للاطلاع عن قرب على جديدهم من الأعمال الفنية، لما في ذلك من خلق لفرص التواصل والتناسق والتلاقح الفني، ولما فيه من إغناء للحصيلة الفنية لجمهور المتلقين والفنانين على السواء.

ويضيف البرطيع أن التقاء الفنانين في فضاء تاريخي عريق بقاعة أثرية عبر تقاطعات فنية، بمدينة ظلت على الدوام منارة للحضارة والفن والثقافة، يجعل من هذه الفسيفساء التشكيلية حدثا فنيا متميزا من شأنه تكسير الحدود بين الفنانين وإخراجهم من أبراجهم العاجية المعزولة، وتشجيعهم على العمل التشاركي الجماعي.

ويوضح أن مثل هذه المعارض ذات النظرات المتقاطعة تسهل على القارئ لمس الخصوصيات التطورية لأعمال الفنانين الذين يقاسمونه الفضاء، وترتقي بذائقته في تعرف أنواع المدارس والاتجاهات الفنية المغربية والعربية.

المصدر : الجزيرة