"أعالي الخوف" رواية الأسئلة الجارحة

غلاف رواية - أعالي الخوف
غلاف رواية "أعالي الخوف" للكاتب الأردني هزاع البراري (الجزيرة)

توفيق عابد-عمان

تثير رواية هزاع البراري "أعالي الخوف" أسئلة حادة وتدخل لمنطقة الاشتباك الفكري والنفسي مع ما يلاحق الإنسان من هواجس وأسئلة لها علاقة مباشرة بالمعتقد الديني والاتجاه الفكري، بالإضافة إلى سؤال الحياة والموت وتلك القدرية القاسية التي تلاحق مصائر الشخصيات.

ووفق البراري فهي أسئلة ليست برسم الإجابة، بل تكتسب أهميتها من كونها لا تبحث عن إجابة مباشرة، لكنها تبقى تحوم في فضاء الأحداث لتشكل بوصلة إلى مدى الصراع الداخلي الذي يحاصر الإنسان الفرد ويجعل منه كائنا مشتبكا مع المحيط وغير متصالح مع تكوينه الداخلي.

ويواصل إنها رواية الأسئلة التي لا تفضي إلا لمزيد من الأسئلة الجارحة، فالرواية تقترب من "التابوه" (المحرم) دون قصد واضح، ولكن الحالة الفكرية التي انبثقت منها تذهب لمعالجات جديدة ومختلفة لتكون الغاية تعرية حالة إنسانية أو أكثر إلى اشتباك مع محرم لغايات الإثارة والتشويق.

القلق عمودها الفقري
وتضم الرواية 205 صفحات و23 عنوانا فرعيا تدور حول حكايات من واقع الحياة اليومية بأسلوب جذاب ممتع ولغة سهلة متمكنة تصول وتجول في فضاء الواقع وتضيء الذاكرة وتشعل الأسئلة دون تغول.

ويلاحظ أن البطولة جماعية، واللغة ليست مجرد ناقل أو وسيط بين أحداثها، والقارئ فاعل أساسي وشريك في هوية العمل وبنائه النفسي، فاللغة أساس التأويل والعامل الرئيسي في المتعة أثناء الكتابة أو القراءة، حسب البراري.

ويعتبر الكاتب أن القلق بمثابة العمود الفقري لرواية "أعالي الخوف"، وأن "الحرية والموت والكلمة كلها عوامل منتجة للقلق، فالقلق ينبت الخوف، والخوف يفجر القلق، وجهان لعملة واحدة، ونحن تلك العملة".

‪البراري: تم إعلاء الحالة الإنسانية التي ينتج عنها اضمحلال التأثير أو الاختلاف المتعلق بالمعتقد‬ (الجزيرة)
‪البراري: تم إعلاء الحالة الإنسانية التي ينتج عنها اضمحلال التأثير أو الاختلاف المتعلق بالمعتقد‬ (الجزيرة)

شخصيات شبه واقعية
ويضيف البراري "لا أستطيع القول إن شخصيات أعالي الخوف تدور في فلك شخصيات تراب الغريب، ولا أنكر أنها ما زالت تحمل هواجس وصراعات تنبع من نفس المنطقة النفسية والفكرية، وبالتالي فإن شخصيات أعالي الخوف تذهب لمناطق جديدة وتتعمق في اللحظة الراهنة، أي المعاش حتى إن القارئ يرى ظلاله في العمل الروائي".

ويتابع "إنها شخصيات شبه واقعية أو تقصدت ذلك لأنني أرغب دائما في كسر حالة الغربة بين المتلقي والرواية، فهي أحداث تبدو للوهلة الأولى بسيطة أو تفاصيل يومية لكن في لحظة ما تتحول لقضايا كونية ذات بعد إنساني شامل".

وحسب البراري فقد تم إعلاء الحالة الإنسانية التي ينتج عنها اضمحلال التأثير أو الاختلاف المتعلق بالمعتقد.

وعما يميز رواية "أعالي الخوف" عن سابقتها "تراب الغريب"، يقول البراري إن لكل روائي مشروعا كبيرا متكاملا، والروايات التي تصدر تباعا هي "مداميك أو أجزاء من المشروع، فلا أستطيع أن أنظر لأي عمل روائي لدي منزوعا عمّا قبله وأنه يؤسس لما بعده".

ويضيف أن هناك علاقات ما وجسورا خفية تصل بين الأعمال، وهذا لا يعني أن العمل هو تكرار واجترار لأعمال سابقة، بل فيه من التجديد والابتكار والمغايرة الفنية ما يجعل منه تجربة فنية وفكرية متكاملة لا يكرر ما سبقه ولا ينوي أن يتوسع باتجاه عمل قادم.

‪جميعان: كتابة الرواية لدى البراري فن كتابة الحياة‬ (الجزيرة)
‪جميعان: كتابة الرواية لدى البراري فن كتابة الحياة‬ (الجزيرة)

لحظة اغتراب
من جهته يرى الناقد الأدبي محمد سلام جميعان أن كتابة الرواية لدى البراري هي فن كتابة الحياة، فرواياته الخمس ينتظمها النسق الفلسفي وما يتصل بالحياة الوجودية وأسئلتها وقلقها الطاغي على النسق العام للحدث والشخصيات حتى ما يبدو اجتماعيا في سيرورة الحدث لا يلبث فيتحول لذريعة وحيلة فنية لتمرير التساؤلات والشكوك والاحتجاج على المصير الذي يؤول إليه الإنسان بفعل القواهر النفسية والجنسية والسياسية وضغوط الاغتراب.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هزاع البراري في روايته "أعالي الخوف" يستثمر اللحظة الاغترابية التي هي مكون رئيسي من سيكولوجيته الشخصية ليشكل منها صراعية تعصف بشخوصه التي يتنازعها الأمل الموهوم واليأس المدمر فلا تعثر على إجابات يقينية لما يعصف بها من التباسات وشكوك.

كما كان البراري -والحديث لجميعان- أكثر جرأة على طرح أسئلته وتكييفها على نحو يؤكد استيطان الخوف في الشعور الإنساني الذي لا يلبث حتى يكتشف أنه يعيش في أعلى الوهم وفي المنطقة الحرجة وجوديا وهو يواجه اللامعقول في مسارات حياته.

المصدر : الجزيرة