حكومة منع الأفلام!

تصميم فني - حكومة منع الأفلام!

* أمير العمري

يعكس تدخل رئيس الحكومة المصرية بنفسه في عمل جهاز "الرقابة على المصنفات الفنية" وإصدار قرار بوقف عرض فيلم "حلاوة روح"، تخبط الدولة المصرية وارتباكها الذي لا يخفى على متابع جيد.

فهذا الفيلم ليس أسوأ من كثير من الأفلام غيره، ولا أكثرها "جرأة" في عرض بعض التفاصيل التي لا يرضى عنها البعض، بل سبقته أفلام كثيرة ربما كانت أكثر اجتراء، ولكنها كانت تغلف جرأتها المزعومة في غلاف النقد السياسي-الاجتماعي الذي يراه البعض تعبيرا عن موقف "منفتح" في السينما!

لقد سمح الرقيب الذي يدين بمنصبه للحكومة بعرض "حلاوة روح" -بطولة هيفاء وهبي وإخراج سامح عبد العزيز وإنتاج شركة أفلام السبكي-، فهو لم يجد فيه ما يتعارض مع قواعد الرقابة التي يعمل طبقا لها. لكن ضجة كبيرة أثيرت في أجهزة الإعلام بدعوى أن الفيلم يساهم في "إثارة الشباب والتحريض على الرذيلة".. إلى آخر تلك الأوصاف المألوفة التي ربما تكون مناسبة من وجهة نظر القائلين بها.

وعلى الفور تدخل رئيس الحكومة المصرية وأصدر قرارا بوقف عرض الفيلم، وتشكلت لجنة خاصة لمراجعته، كان من المقرر أن تصدر رأيها بشأن الموقف من عرض الفيلم بالسماح أو بالمنع يوم 9 مايو/أيار الجاري، لكن اللجنة قررت تأجيل إصدار القرار. وتردد أن تدخل رئيس الحكومة إبراهيم محلب جاء بعد اتهامات مباشرة وجهت إلى مدير الرقابة تتهمه بالسماح بعرض الفيلم نتيجة مصالح شخصية تربطه بمنتجه السبكي، مما دفع الرجل إلى الاستقالة من منصبه.

غياب المبدأ والمعايير
والمشكلة ليست في قرار الرقابة، ولا في تدخل رئيس الحكومة الذي بدا كما لو كان يريد أن يبدو حاميا للأخلاق الرفيعة في المجتمع بعد أن بدا الفيلم يمكن أن يتخذ مادة للتشهير بالسلطة الجديدة في مصر، على غرار ما حدث قبل سنوات عند منع رواية "وليمة لأعشاب البحر" من جانب وزارة الثقافة برئاسة فاروق حسني، مع فارق الظروف والملابسات بالطبع.

تكمن المشكلة الأساسية في غياب مبدأ محدد يتم به التعامل مع الفنون: هل هو مبدأ الفوضى بدعوى حرية الرأي والإبداع دون أي تعريف حقيقي لماهية "الإبداع"؟ أم أنه دفاع عن "الصناعة" أيا كان مستواها؟

تكمن المشكلة الأساسية في غياب مبدأ محدد يتم به التعامل مع الفنون: أهو مبدأ الفوضى بدعوى حرية الرأي والإبداع دون أي تعريف حقيقي لماهية "الإبداع"؟ أم هو دفاع عن "الصناعة" أيا كان مستواها؟ ومن الذي يحدد ماهية الإبداع؟ وما دور المثقفين والمفكرين؟ ولماذا لا ترفض السيناريوهات الرديئة من المنبع أي قبل أن تتحول إلى أفلام؟ وما حدود تدخل الدولة؟ وهل تنتهي المسألة بمنع الفيلم؟ أم أنها أعمق من ذلك؟

إن ظهور الأعمال السينمائية الرديئة المتدنية التي تسعى لتحقيق الكسب المادي على حساب كل القيم الفنية (والاجتماعية أيضا) هو مبدأ سائد في صناعة الفنون في مصر منذ سنوات بعيدة، والسبب يعود ليس فقط إلى رداءة فكر الكثير من صناع الأفلام والمسرحيات والأغاني، بل إلى كون "الرداءة"، أساسا، نتاجا لنظام تعليم فاشل يتجاهل تماما تعليم الفنون الرفيعة من خلال أساتذة متخصصين، كما كان الأمر في الماضي، ونظام إعلام -عام وخاص- لا يهتم سوى بالترويج لظاهرة "النجومية" السطحية على كل المستويات، وبما تنتجه من أعمال متدنية في مستواها ومضامينها ومغزاها، بل وفي الأسماء التي تطلق عليها، وطريقة الإعلان عنها والترويج لها، بهدف إشغال الناس عن قضاياهم الحقيقية.

نعم.. نحن ضد التدخل الإداري من طرف الدولة للمنع أو للحجب أو للوقف، كمسألة مبدأ عام في الفنون والآداب، فالمنع قد يمتد مستقبلا إلى كل ما لا ترضى عنه السلطة، خاصة أننا نشهد ترويجا لنشيد واحد موحد يسعى لإقناع الناس بقبول أي قرارات استثنائية -حالية أو قادمة- بدعوى الخطر الذي يهدد الأمة!

ولكن في الوقت نفسه، كيف نفسر ذلك التخبط الذي وقع أخيرا ثم أدى إلى تلك المواجهة في قضية فيلم "حلاوة روح"، بين الحكومة من ناحية ممثلة في رئيسها، وذراعها الرقابي (الذي يفترض أن يكون موثوقا به من ناحية أخرى)؟

هل يتعلق الأمر بفساد ضرب جهاز الرقابة منذ سنوات بعيدة دون أن يجرؤ أحد على التصدي لوقفه أو حتى كشفه، كما لو كان الأمر مقصودا به "رشوة" الرقيب" أو مكافأته من جانب الدولة عن طريق التغاضي عن تجاوزاته، مقابل أن ينفذ بدقة ما يصل إليه من "تعليمات" علوية كثيرا ما تكون هي التي تتحكم فيما يعرض وما لا يعرض، وليست تلك القواعد المكتوبة والصادرة بقانون التي تحكم عمل الرقابة.

التدني في السينما ما هو في النهاية سوى انعكاس للتدني العام في قيم التذوق الفني في المجتمع

ولماذا يحال مدير الرقابة المستقيل الآن إلى التحقيق بدعوى أنه في قراره بالسماح بعرض "حلاوة روح" كان يحقق مصلحة خاصة من خلال علاقة "خاصة" -حسبما نشر في الصحف- تربط بينه وبين منتج الفيلم محمد السبكي؟!

وكما بات مؤكدا، لن تكون مسألة "حلاوة روح" هي الأخيرة في الظروف الراهنة التي تشي بالتخبط على كل الأصعدة، فسوف تظهر أعمال أخرى كثيرة، سواء في المسرح أو في السينما أو في الغناء، لا تروق للكثيرين، وربما يعدونها -من وجهة نظرهم- أعمالا "متجاوزة لكل الأعراف والحدود"، فهل سيكون المنع هو الحل؟ والتدخل الحكومي على أعلى مستوى هو الضمان لوقف تلك الموجة من الأعمال الهابطة التي تغازل أسوأ ما لدى الجمهور من غرائز؟!

أغلب الظن أن مثل هذه الأعمال ستستمر طالما ظل مفهوم الفن في المجتمع (إعلاما وتعليما) يخلط بين ثقافة الكباريه وثقافة الفنون الرفيعة، بين الأدب الرفيع وقصص الإثارة الصحفية الاستهلاكية الرديئة.

والتدني في السينما ما هو في النهاية، سوى انعكاس للتدني العام في قيم التذوق الفني في المجتمع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقد سينمائي مصري

المصدر : الجزيرة