محفوظ روائي لا يقبل المساومة

المتحدثان فيصل دراج - يمين- والياس فركوح

المتحدثان فيصل دراج (يمين) وإلياس فركوح في الاحتفال بمئوية محفوظ (الجزيرة)

توفيق عابد-عمان


نظمت دارة الفنون التابعة لمؤسسة خالد شومان بعمان مساء الثلاثاء أمسية ثقافية بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ ضمن نشاطها الشهري حضرها نخبة من المثقفين والمهتمين ورجال الصحافة.


وفي بداية الأمسية رأى الناقد فيصل دراج أن روايات محفوظ بها موقف حاسم مفاده أن العدل حلم إنساني قديم لا ينتصر مثلما أن الحالمين بالعدل لا يسلّمون بالهزيمة.


وقال دراج في مداخلته "الشر والسلطة في رواية نجيب محفوظ" إن هناك سببين أعطياه مكانة خاصة، الأول دوره الحاسم في إعادة تأسيس الرواية العربية وتأكيدها جنسا أدبيا مستقلا بذاته يتفوق على الشعر ولا يقل شأنا عن التاريخ والفلسفة.


أما السبب الثاني فيعود لمساهمته المستمرة في تجديد الشكل الروائي وتنويع العناصر الفكرية والفنية كالقصص التاريخية والملاحم الشعبية والحكايات المستقاة من التراث العربي.


جانب من الحضور في الأمسية (الجزيرة)
جانب من الحضور في الأمسية (الجزيرة)

نقد الواقع
ولفت إلى أن محفوظ برهن في مساره الروائي عن شغف بالتجديد ومرونة الشكل الروائي الذي يذيب داخله عناصر تنتمي لأجناس المعرفة المختلفة، فالرواية عنده حوار مع التاريخ وتحريض واستنهاض ونقد للواقع المعيش واستبداله بواقع آخر أكثر عدلا وديمقراطية.


ووصف دراج الروائي المصري الراحل بالوطني الليبرالي الذي جعل من السلطات السياسية المتواترة في مصر موضوعا أساسيا لروايته وقال إن الكتابة الروائية في وعي محفوظ تدعو لحداثة اجتماعية شاملة مفرداتها الديمقراطية والاعتراف المتبادل بين البشر وإدراك معنى التقدم العلمي وقراءة الماضي بمفاهيم جديدة.


وواصل القول، لهذا أعلنت رواية محفوظ عن فلسفته بضرورة معرفة التاريخ ورفضه بحثا عن زمن إنساني قوامه الحرية، مشيرا لحرصه على تقديم رأي في معنى الحكم الراشد الذي يقوم على توازن دقيق حده الأول ولاء الشعب والثاني حفاظ الحاكم على مصلحة الشعب واحترام حقوقه "الحاكم العادل لا يستبد بشعبه".


وختم بأن محفوظ زاوج بين التاريخ الاجتماعي وزمن الروح الإنسانية المتمحور حول المعاناة والغربة والصعود والتداعي كما أقام وحدة عضوية بين الرواية والسياسة منصبا الديمقراطية مرجعا أساسيا للعمل الروائي.


خليل وصف تراث محفوظ بأنه أصيل ومبتكر (الجزيرة)
خليل وصف تراث محفوظ بأنه أصيل ومبتكر (الجزيرة)

تجريدي مسرحي
بدوره، رأى الروائي إلياس فركوح في مداخلته "نجيب محفوظ.. أستعيده بالمحبة وأطرح سؤالي" أنه حين التدقيق الموضوعي بمشروعه الكتابي نجد أنه وفّر له فضاء متحديا خاضه بإيمان وطيد ومثابر رغم شتى صعابه.

وقال فركوح إن مشروع محفوظ الكتابي بالمنظور الاجتماعي والسياسي والقيمي وشروط المراحل امتحان عسير لقدرته على المراوغة واستبدال المرايا دون أن يبدل من موقفه ورؤيته للعالم ولم يكن مستعدا أو قابلا لمبدأ التنازل أو المساومة.

وقال إن هزيمة يونيو/حزيران عملت على تحويل طبيعة وبناء النص السردي المحفوظي -نسبة لمحفوظ- على هيئة قفزة بلا مقدمات لتقوده باتجاه ما أراه تجريبا وعلى نحو تجريدي مسرحي بائن، واصفا محفوظ بالقامة الأدبية الكبيرة والكاتب المحترف الذي يتروى ويقلب الأمور وصاحب الخبرة الطويلة والدراية العميقة في كيفية إنضاج مادته وإخراجها على نحوها اللائق بها وبه.


وأوضح أن ريادة محفوظ للرواية ككتابة حديثة ذات اعتبار راق تخترق ثقافة المجتمع المحافظة، كما أنها طرق متواصل وتحفيز للقارئ لأن يحفر في منطقة المحظور السياسي والقيمي.. منطقة مسيّجة بالإظلام والتنويم القهري جاءها ناقدا من منطقة الكلمة والسرد الروائي الآخذ بالترسخ فنا كسر عزلته النخبوية.


محفوظ والمرأة
وردا على سؤال للجزيرة نت، قال الناقد إبراهيم خليل إن نجيب محفوظ ظل كأي أديب أصيل لا تطفو آراؤه السياسية على السطح وفيا لالتزامه الاجتماعي وقيمه الفكرية الذي عرضه لمحاولات بعضها للاغتيال السياسي والآخر ثقافي وأدبي وكان يلح على إنصاف المرأة باعتبارها ذات طموحات مشروعة ينبغي النظر إليها بإنصاف لا عبر الهراوة والنبوت.


ليلى الأطرش: الحارة هي الخصوصية والتفرد التي أوصلت محفوظ للعالمية (الجزيرة)
ليلى الأطرش: الحارة هي الخصوصية والتفرد التي أوصلت محفوظ للعالمية (الجزيرة)

ووصف الأكاديمي بالجامعة الأردنية تراث الروائي الراحل بأنه أصيل ومبتكر لم تساعد على ظهوره المواقف الرسمية أو المجاملات النقدية أو الجوائز الني تمنح لغير المستحقين وسلط الأضواء على الفساد السياسي والاجتماعي، وانتقد ثورة 1952 وكشف انتهازية الزعماء والقادة المصريين.


حارة محفوظ
وبشأن ما يقال بأن روايات محفوظ انحسرت داخل الحارة، أوضحت الروائية ليلى الأطرش أن الحارة هي الخصوصية والتفرد التي أوصلت محفوظ للعالمية.

وقالت للجزيرة نت إن حارة محفوظ ليست زقاقا محدودا بل هي إنسان ومجتمع مصر بأكمله فمن يقرأ رواياته كأنما يقرأ تاريخ القاهرة الاجتماعي في القرن العشرين لأنه رسم شخوصا يمثلون شرائح المجتمع المصري المختلفة ورصد التحولات والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والدينية.

المصدر : الجزيرة