مارسيل يكتب بالربابة سيرة العرب

الفنان اللبناني مارسيل خليفة في الدوحة
الفنان اللبناني مارسيل خليفة أنجز كونشيرته الجديد بعد سنة كاملة من العمل (الجزيرة نت)

حسين جلعاد-الدوحة
 
يقدم الفنان اللبناني مارسيل خليفة إبداعه الموسيقي الجديد "كونشيرتو الربابة والأوركسترا" في العاصمة القطرية الدوحة الجمعة. ووصف مارسيل هذا العمل بأنه "سيرة العرب في الرحيل والغناء"، لافتا إلى أن الربابة هي "أم آلة الكمان" الموسيقية، وأن توظيف الربابة في الموسيقى السيمفونية يشبه "الصعود إلى القمر".
 
وقال الفنان اللبناني في تصريح للجزيرة نت إن توظيف الربابة في الموسيقى الحديثة يعد مفاجئا وأمرا صعبا، موضحا أن الصعوبة تتجلى في أكثر من بعد، منها أن المساحة الصوتية لهذه الآلة الوترية محدد، بالإضافة إلى أن استخدامها في أوركسترا مكون من مائة عازف يعد تحديا كبيرا خصوصا عند البحث فيما إذا كانت هذه الآلة لديها المقدرة على التجاوب مع مساحة موسيقية مختلفة عما هو مرتبط بها في التراث والذاكرة.
 
وأضاف مارسيل أن الصعوبة الثالثة كانت في إيجاد عازف مقتدر، وهي المشكلة الحقيقية قياسا إلى أن أي عازف تقليدي يحتاج إلى تأهيل كي يقرأ النوتة الموسيقية ويتعامل مع الأوركسترا.
 
وأشار إلى أنه وجد ضالته في عازف التشيلو المصري حسن المعتز، ووصفه بأنه "شاب موهوب موسيقيا، ومشبع بالتراث الموسيقي العربي، إضافة إلى أنه يعزف الربع صوت بامتياز، ولديه ثقافة موسيقية مزدوجة شرقية وغربية".
 
وقال صاحب "ركوة عرب" إن المشروع تطلب وقتا طويلا من البحث في تراث هذه الآلة وما يحيط بها من مكان وزمان وطبيعة، وأضاف "كان يلزمني هذا البحث في ذاكرة المكان الذي انطلقت منه والزمان وما شاركت به الإنسان من شظف العيش في المنطقة الصحراوية في قراءته للشعر"، لافتا إلى أن الشعر العربي بني على صوت الربابة، وأن العربي كان يغني شعره على إيقاع الربابة.
 


خليفة والعازف المصري حسن المعتز (الجزيرة نت)
خليفة والعازف المصري حسن المعتز (الجزيرة نت)

ثلاث حركات

وأوضح "كان الإنسان العربي يهجر الأماكن بحثا عن الماء، ويترك خلفه كل الأشياء، لكن الربابة كانت الشيء الوحيد الذي يأخذه معه".
 
وبين الفنان اللبناني أنه أنجز الكونشيرتو الجديد منذ شهرين، وأنه يتكون من ثلاث حركات موسيقية، وأضاف أن المفاجأة أن العازفين كانوا منسجمين مع الربابة. واستذكر بداية المشروع بالقول إنه بدأ مثل مزحة كأن تقول "أريد أن أصعد إلى القمر".
 
واعتبر مارسيل أن مراحل التأليف الموسيقي كانت ترويضا للربابة تماما كما تروض الفرس، بالمعنى الإيجابي للترويض، وأضاف "كتبت للربابة والأوركسترا بما غنى العرب في الصحراء، إن العمل الجديد يشبه الغناء الذي كان العرب يؤدونه في الصحراء على مقامات وإيقاعات تخصنا وموجودة في الصحراء العربية جميعها، حتى وصلت إلى الإيقاع السماعي الثقيل".
 
وشبه مارسيل كونشيرتو الربابة بالخيل التي تمس الأرض بأطراف حوافرها، حيث تنقل الفرس المستمع إلى المدى الذي كان عرب الصحراء ينتقلون فيه، فما "بقي من الترحال القديم هو صوت الربابة"، ولخص إبداعه الجديد بالقول إن هذا العمل "سيرة العرب في الرحيل والغناء"، وفيه جنون وجرأة تخترق السائد بحثا عن قيمة كانت موجودة فيما مضى.
 


"
وصف مارسيل الربابة بأنها "أم آلة الكمان" ، وقال إن توظيف الربابة في الموسيقى السيمفونية يشبه "الصعود إلى القمر"
"

أم الكمان

وشدد على أن الربابة يجب ألا تندثر، فكثير من الآلات الموسيقية في العالم تم إحياؤها من جديد، وقال "الربابة هي أم الكمان".
 
وقال "وضعت الربابة على صدري، مثلما أضع العود، محاولا مداعبة أوتارها، اشتغلت طويلا عليها حتى استسلمت لي أخيرا، وكتبت موسيقاي لها".
 
وأكد مارسيل أن موسيقاه الجديدة أخذت سنة كاملة من العمل، وبدا سعيدا وهو يقول "البعض قد يمل من رتابة صوت الربابة، لكن من يعرفها لا يملها، هي تشبه الصحراء التي تشبه بدورها الجسد الإنساني، اعتبرت نفسي أقوم بسفرة طويلة، وكانت رفيقتي، ووصلت إلى مكاني، حين كتبت آخر جملة موسيقية" في هذا العمل.
 
ووعد الفنان اللبناني متابعيه وجمهوره بسماع صوت جديد في الربابة، ومساحة موسيقية جديدة من هذه الآلة التي لها صورة مسبقة في الذاكرة، وقال "هذا هو تحدي المؤلف".
 
يذكر أن مارسيل خليفة من مواليد بلدة عمشيت بجبل لبنان عام 1950، وهو مؤلف موسيقي ومغن وعازف عود لبناني. ويعد أحد أهم الفنانين العرب الملتزمين بقضية فلسطين. وامتازت موسيقاه بالدمج بين الأصالة العربية والآلات الغربية، واشتهر بأغانيه الوطنية الملتزمة خصوصا من أشعار الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
المصدر : الجزيرة