الأمير عبد القادر الجزائري ضيف على الأمم المتحدة بجنيف

تصميم عن عبد القادر الجزائري
 
استضاف المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف معرضا وسلسلة محاضرات حول الأمير عبد القادر الجزائري القائد التاريخي بمقاومة الاحتلال الفرنسي، بأول معرض بقصر الأمم حول حياة أمير وقائد عسكري عربي قاوم الاحتلال، نظمته بعثة الجزائر الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف وشارك بافتتاحه المدير العام للأمم المتحدة بجنيف والمفوضة الأممية لحقوق الإنسان.
 
المعرض قدم مسيرة حياة الأمير الجزائري وكشف للزائرين جوانب متعددة من حياته بصور ووثائق نادرة، منذ ميلاده عام 1807 وطفولته بقرية "القيطنة" بوادي الحمام بالقرب من مدينة وهران مرورا بصباه وشبابه بالمدينة التي تلقى فيها العلم واكتسب كثيرا من العلوم حتى منفاه ثم مثواه الأخير بدمشق عام 1883.
 
وتفيد وثائق المعرض بأن الرحلة التي قام بها في الفترة بين 1825 و1828 كان لها أثر كبير في تعرفه على الحضارة العربية الإسلامية، بزيارته شمال أفريقيا ومصر وبلاد الشام وصولا إلى بغداد ثم أرض الحجاز لأداء فريضة الحج.
 
السلاح والقلم
ولم يكتمل عامه الـ25 إلا وقد تكونت لديه حصيلة من العلوم الشرعية من فقه وحديث وسيرة نبوية وعلوم القرآن وتفسيره وأصول التوحيد والعقيدة، كما تلقى أيضا العلم العقلي من دروس الفلسفة الإغريقية القديمة والإسلامية وعلوم المنطق والكلام، ثم صقلها بالعلوم العسكرية والفروسية، فلم يجد أبناء وهران خيرا منه لتنصيبه أميرا على مدينتهم وما حولها عام 1832 ويصبح إسمه الرسمي الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسيني، ويقود شرف الدفاع عن الجزائر أمام الهجمة الاستعمارية الشرسة.
 
undefinedوفي لوحة أخرى يقدم المعرض الأمير عبد القادر وهو يبدأ تجميع كلمة الجزائريين ويسعى لتوحيد صفوفهم أمام الجيش الفرنسي، ليكون السياسي والقائد العسكري الذي ألحق بالجيش الفرنسي خسائر اضطرته لإبرام اتفاق هدنة عام 1834 لم تستمر طويلا ليخوض 40 معركة أمام جيوش الاحتلال، كان فيها محاربا مثاليا ومفاوضا بارعا.
 
وتؤكد وثائق المعرض أن الأمير عبد القادر الجزائري كان أول من وضع أصول وأسس معاملة المدنيين تحت الاحتلال، وصاغ لوائح معاملة الأسرى باللغتين العربية والفرنسية، التي كانت مثار إعجاب أعدائه لحكمته والحرص الزائد على احترام آدمية الإنسان مهما كان انتماؤه العرقي أو الديني.
 
الأمير وحوار الأديان
إلا أن هذه الفطنة والحكمة لم تزد أعداءه إلا حنقا عليه، فارتفعت ضراوة الحرب ضده حتى استسلم عام 1847, لينقل إلى سجن في مدينة طولون الفرنسية، إلى أن أخرجه نابليون الثالث، ثم نفاه إلى دمشق عام 1856 حيث عاش زاهدا متصوفا متأملا، ينهل من علوم الدين ويعطي دروسه في الجامع الأموي.
 
وبدمشق عرف عن الأمير عبد القادر تسامحه وورعه وتقواه، حتى إن بيته كان ملاذا لأكثر من 15 ألف مسيحي ويهودي احتموا به من شرور الفتنة الطائفية التي شهدتها بلاد الشام عام 1868, وتقول وثائق المعرض إن الواقعة كانت بداية فكره في الحوار بين الأديان والتعايش السلمي للجميع.
 
غير أن المعرض لم يتطرق إلى ما أشيع عن انتمائه إلى الحركة الماسونية، الذي رأى بعض المؤرخين أنه كان عن جهل بحقيقة الحركة مثلما هو الحال مع جمال الدين الأفغاني وعبد الله النديم، بينما يرى آخرون أن انتماءه إلى الماسونية كان سببا في إغداق فرنسا عليه بالأوسمة والمنح المالية السخية التي وفرت له حياة طيبة حتى مماته.
 
وبغض النظر عن تلك المرحلة التي اختلف حولها الباحثون فإن زيارة هذا المعرض تضع الأمير عبد القادر في صورة مجسمة، تجمع الإنسان والمثقف الفيلسوف والزاهد العابد والأمير الفارس والدبلوماسي البارع والأسير الكسير والباحث عن العدالة والحرية من خلال القيم المبادئ النبيلة.

ــــــــــــــــــ
المصدر : الجزيرة