الآثار في العراق بين أيدي لصوص الحضارات


undefined

سيدي محمد *

تقول كاتبة غربية إنه ليس من الممكن أن ترمى قنبلة على العراق دون أن تصيب مكانا أثريا. ولئن صدقت في كلامها فعلينا أن نمسح دموعنا دائما على الموروث الحضاري الكبير خصوصا إذا ما عرفنا أنه في بغداد ينتصب أقدم قوس حجري في العالم والذي يقع قرب المكتب العراقي للطاقة الذرية، كما أن قصور الرئيس العراقي صدام حسين شيدت قريبا من بقايا عروش الأسر الحاكمة القديمة. ويشير الخبراء إلى أن الغالبية العظمى من البقايا الأثرية قد دفنت في وادي الرافدين, وهي الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات.

ويعد العراق من أثرى مناطق العالم أثريا، ففيه بدأت الحضارة قبل حوالي ستة آلاف عام وفيه ظهرت الكتابة المسمارية كما تطورت فيه الرياضيات وعلم الفلك وتم اختراع العجلة.

وفي منطقة "أور" الجنوبية ولد النبي إبراهيم عليه السلام وشيدت أولى الأحجار هناك, كما وضعت في بقايا عاصمة الإمبراطورية البابلية على يد ملوك مثل نبوخذ نصر وحمورابي أولى القوانين بالإضافة إلى أن الآشوريين والسومريين والأكديين تركوا بصماتهم في تلك المنطقة.

لقد قام جيسون ماكجير -وهو عالم آثار من جامعة شيكاغو- منذ وقت قريب بإطلاع القادة العسكريين الأميركيين على الأهمية التاريخية للعراق, كما أبلغ العلماء أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ستعمل على تشكيل مجموعة عمل لدراسة مشكلة التعرض المحتمل لهذه الآثار للتدمير.

لكن خبراء الآثار أصيبوا بالقلق حينما وجدوا أن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تصدقا على معاهدة لاهاي لعام 1953 التي تلزم الأطراف الموقعة عدم مهاجمة المناطق الحضارية أثناء الحروب إلا إذا كان هناك وجود لمنشآت عسكرية.

وتناثرت بعد حرب الخليج الثانية القطع الأثرية العراقية في جميع أنحاء العالم -آلاف القطع الصغيرة التي يصعب تتبع أصلها- وتجمعت عند جامع آثار نرويجي, وكذلك وصلت إلى تجار الأنتيكات في لندن ونيويورك وزيورخ آلاف من الأدوات القديمة والتماثيل البازلتية. وبسبب عدم معرفة مكان العثور على هذه القطع من الصعب تتبع منشئها أو المكان الذي سرقت منه.

وبما أن تجارة الآثار المسروقة مربحة جدا, فإن لصوص الآثار من أوروبا الغربية وأميركا جالوا أثناء القصف عام 1991 في المناطق الأثرية لسرقة ما يمكن سرقته حيث يذكر تقرير رسمي أنه تمت سرقة وتهريب نحو أربعة آلاف قطعة أثرية.

ويستغل هؤلاء اللصوص ضعف الحماية الحكومية للمواقع الأثرية للقيام بأعمال النسف وتقطيع تماثيل ضخمة ونقلها بيسر, وهو ما يفسر تعرض تلال أثرية لعمليات نسف بالديناميت في كل من مواقع أور بمحافظة ذي قار ونفر بمحافظة القادسية وبابل بالمحافظة التي تقع جنوب العاصمة.

لكن أهم عمليات السطو التي تعرضت لها المواقع الأثرية في العراق تتمثل في هجوم قام به 200 مسلح بمدافع رشاشة على مدينة نمرود الأثرية ومتحفها في نينوى شمال بغداد ونهب محتوياتها وتقطيع تمثال ثور ذي جناحين في موقع شورباك بالمحافظة ذاتها.

ومن بين القطع الأثرية المنهوبة التي يجري البحث عنها تماثيل لملوك حكموا البلاد في فترات تاريخية متعاقبة وألواح حجرية منقوش عليها كتابات مسمارية ومسبحات وقلائد تعود إلى عهود السومريين والبابليين والأكديين, ويؤكد خبراء أنه قد يكون هناك ما يصل إلى 25 ألف موقع أثري في مختلف المناطق منها بعض المتاحف كانت على مقربة من مواقع لها أهمية عسكرية إستراتيجية.

ورغم تحذيرات عدة جهات من نقابات ومؤسسات من أن وضع الآثار العراقية لا يسر في حالة الحرب ومطالبتهم بحمايتها خاصة من قبل اليونسكو التي أصدرت بيانا في بداية العمليات العسكرية طالب فيه أمينها العام بالمحافظة على المواقع الأثرية من التدمير والنهب فإننا شاهدنا متحف بغداد الأثري تصله أيدي لصوص الحضارات والتاريخ.

ـــــــــــ
* الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة