شعار قسم ميدان

مارادونا ورونالدو وبيليه يسألون وميسي يجيب

ميدان - ميسي ورونالدو وبيليه ومارادونا

– ليو.. جاهز؟

– نعم.. أعتقد ذلك.

– 5..4..3..2..1.. عمتم مساء! لقد حان أخيرا موعد المفاجأة التي تم الإعلان عنها صباح اليوم، وقبل أي شيء سنطلب منكم أن تنظروا حولنا.. هل يبدو المكان مألوفا؟ نعم، نحن الآن في منزل ميسّي، الرجل الذي يبدو أن الجميع يريد النيل منه في الأيام الأخيرة، وكان لا بد أن نتحدث معه ونحصل على تعليقه!

       

زاوية الكاميرا تتسع ليظهر ميسّي جالسا كالروبوت على أقصى يسار الأريكة، الجلسة نفسها التي ظهرت في فيلم "Take the ball"، محاوره يمُط نهايات الكلمات ويتحدث بهذه الطريقة العصبية البلهاء التي تُذكّرك بإعلانات التسوق التلفزيونية المدبلجة، ميسّي يبتسم ابتسامته الميكانيكية المعتادة التي تُشعرك بأنه يُجري هذ اللقاء رغما عنه. (1)

  

– مرحبا ليو.. كيف حالك؟

– أهلا بك أليخاندرو وبكل المشاهدين.

– مباراة رائعة ضد إسبانيول أليس كذلك؟

– آ.. كانت مباراة جميلة.. لقد استمتعت بها حقا.. أداؤنا كان رائعا.

– هدفان رائعان أيضا!

– ههه.. نعم، لقد حاولت أن أسجل لنفوز بالمباراة ولكن آآ.. كان علي أن أغيّر الزاوية في الهدف الثاني.

– ولكنهما كانا بقدمك اليسرى للأسف.. لماذا لم تفكر في تسجيل أحدهما برأسك؟

– ههه.. هذا مستحيل.. ههه.

       

– ليو، بصراحة.. كيف تلقّيت تصريحات بيليه؟ (2)

– أنا أعتقد أن لكل شخص الحق في التعبير عن وجهة نظره و.. آآ.. أنا أحترم بيليه.. هو أسطورة حقيقية و.. آ أنا أحترم رأيه.

– هل تريد أن تخبرني أنها لم تضايقك إطلاقا؟

– كما قلت لك، لكل شخص الحق في التعبير عن وجهة نظره.. آ أنا أفضل التركيز في الملعب، وفي كل الأحوال فإن كرة القدم لعبة جماعية و أنا لم أكن لأحقق أي شيء دون مساعدة زملائي.. هذا ما أقوله دائما.

– لكن الأمر لم يتوقف عند هذا فقط.. بل إن غاتّي أيضا أضاف لتصريحات بيليه!

undefined

– آ..عذرا؟

– هوغو غاتّي حارس الأرجنتين الأسبق قال بأنك لو أتيت في عصر بيليه لكان مصيرك مقاعد الاحتياط! (3)

–  آ.. حقيقة لا أعلم.. كرة القدم تغيرت كثيرا.. لقد تغيرت كثيرا عما كانت حينما كنت في لاماسيا.. أعتقد أنه لا سبيل لمعرفة ذلك ههه.

– ولكنه يقول إن بمقارنة شعبيتك في الأرجنتين بشعبيته فإن عليك تلميع حذائه!

– (يهز رأسه ويضحك).. كما قلت لك.. من حق أي شخص أن يقول ما يشاء، أنا لا أولي هذه الأمور الكثير من الاهتمام، أفضل التركيز على برشلونة والمباراة القادمة.

– ولكن لا بد أن هناك سببا لكل ذلك.

     

– لا أفهم قصدك.

– أعني.. في البداية كان حديث مارادونا.. وبعدها بيليه ثم تبعه غاتّي.. وأخيرا كريستيانو تحدث عنك في لاغازيتّا.. وقبل أن نبدأ التسجيل مباشرة بلغنا أن هناك صحفيا مصريا اسمه.. اسمه.. آآ شاوخي.. شاوكي خامد.. الأستاذ خامد يقول إنك لا تحتاج إلى أن تأتي في عصر بيليه ومارادونا لتجلس على مقاعد الاحتياط كما يقول غاتّي.. بل إنك ستجلس على مقاعد الاحتياط في هذا العصر أيضا في حال تعاقد برشلونة مع مو صلاح! (4) (5)
  

– صلاح لاعب رائع، لقد شاهدت الكثير من الأهداف له في الموسم الماضي وأنا أُقدّره كثيرا.

– نعم نعم، ولكن ماذا عن تصريحات كريستيانو ومارادونا وخامد؟

– ماذا عنها؟

–  لماذا تعتقد أن الجميع قرر إطلاق تصريحات سلبية بشأنك في اللحظة نفسها؟ هل هي مصادفة؟

– ههه لا أعلم حقيقة.

–  أعني أن ما توقعته هو أن تنال قسطا كبيرا من الدعم العالمي بعد حصولك على المركز الخامس في تصنيف البالون دور.. ما يحدث الآن هو العكس. (6)

       

– أنا أنظر للبالون دور على أنها تتويج لمجهود الفريق، لم أكن لأحصل عليها سابقا لولا مساعـ..

– (يقاطعه بصبر نافد) نعم نعم، لم تكن لتحصل عليها لولا مساعدة زملائك وكرة القدم لعبة جماعية وهذا هو ما تقوله دائما وكل ذلك.. هذه هي المشكلة؛ أن هذا هو ما تقوله دائما.. ليو.. ما أسألك عنه هو أمر آخر.. أنا لا أريد محاصرتك ولكنني أريد الحصول على إجابات حقيقية.. جمهورك يريد إجابات حقيقية.. السؤال هو: لماذا لا ترد على كل هؤلاء؟ أين ردة فعلك؟

    

يظهر على وجه ميسّي تعبير حقيقي للمرة الأولى منذ بداية المقابلة، هذه سابقة لم تحدث من قبل، المحاور اللعين يصر على تحويلها إلى حرب.. اللعنة.. لماذا وافق على إجراء المقابلة على الهواء مباشرة؟

  undefined

– اسمع.. ماذا تريدني أن أقول؟ أنا لا أحب الصدام.. بعض الناس يعتبرون ذلك ضعفا.. لقد كنت محظوظا للغاية طيلة حياتي.. لقد احتضنني برشلونة وحظيت ببدايات رائعة مع زملائي.. رونالدينيو كان يساعدني وينصحني طيلة الوقت وهذا هو ما أحاول فعله الآن مع الوافدين الجدد على الفريق.

 

عقل أليخاندرو يعمل بسرعة قياسية الآن.. ميسّي لم يقل شيئا ذا قيمة عمليا ولكنه يشعر أن الحاجز الأول قد انهار، هذا هو ما يفسر ارتباكه.

– ولكن الصدام جزء من اللعبة ليو.

– نعم هو جزء من اللعبة، لا أحد يستطيع نفي ذلك، ولكنه ليس الجزء الأفضل.

  

  الروبوت يتحدث أخيرا، يدرك أليخاندرو أن عليه تهدئة إيقاع الحوار حتى يحصل على ما يريده.

– ماذا تعني بأنه ليس الجزء الأفضل؟

– أعني أن الكثيرين يخلطون بين الصدام والصراع.. الصراع هو أن أحاول التسجيل في مرماك وأن تحاول منعي ثم تنتهي المباراة وننسى كل شيء ونتصافح ونتبادل القمصان ويذهب كل منا إلى منزله.. الصدام هو أن أخرج بعد المباراة لأنتقد أداءك أو أقول شيئا على غرار إن التسجيل في مرماك كان من أسهل ما يمكن.. هذا ليس جيدا.. هذا ليس صراعا ولا علاقة له بكرة القدم.. هذه محاولة للتقليل منك.. هذه قلة احترام.. أمر آخر مختلف تماما عن الصراع.. يفترض بالصراع أن يقوم على الاحترام المتبادل أصلا.

  

– ولكن الكثير من جمهور كرة القدم يستمتع بهذه الأمور.

– أنا لا أحكم على أحد.. كل شخص حر في اختياراتـ..

– ولكنك لا تُفضّل الصدام مع أي أحد مهما حاول التقليل منك؟

– بالضبط.. هذه حرب خاسرة.. لن يفوز فيها أحد.

– أوضح من فضلك.

   

undefined

– الأمر بسيط.. تخيل مثلا أن هناك منصبا شاغرا في وكالتكم الصحفية.. وتقدمت أنا وعدة أشخاص آخرين ثم فزت بالوظيفة، فخرجت بعدها لأخبر الجميع أنني أفضل منهم وأن عليهم أن يبحثوا عن مجال عمل آخر، وأنهم لن يكونوا جيدين أبدا ما دمت أنا على قيد الحياة.. كيف ستشعر حيال ذلك؟

– عذرا.. ولكنني سأشعر أنك وغد متعالٍ.

– إذن لماذا يجب أن يكون الأمر مختلفا في كرة القدم؟

– لأن الجماهير تعتبره كذلك.

– بالعكس، إن كان هناك سبب أكبر لنبذ هذه التصرفات في كرة القدم فهو الجماهير.

– ماذا تعني؟

– أعني أن فوزي بالوظيفة الشاغرة هو خبر لن يتصدّر الصحف ولن يعلم به أحد سوى من تقدموا لها.. وجود الجماهير كشاهد على كل ذلك لا يجعل هذه التصرفات أقل قبحا بل العكس.

– هذا الكلام يصدر ممن رفع قميصه في وجه جماهير البرنابيو بعد أن سجل في مرماهم؟

– ماذا تعني؟

– أقصد أنني كنت لأتقبل كل هذا لو صدر من ميسّي قبل 2016.. بعدها بدا وكأن ثمة تغييرات قد طرأت على شخصيتك.. صرت تصرخ بوجه الحكام وتحتفل ببعض الأهداف بطريقة قد يعتبرها البعض استفزازية، بل وخضت عددا من الصدامات مع خصوم لك في الملعب.. أشهرهم حارس إسبانيول الذي شاهدك العالم كله تنعته بالأحمق! (7) (8) (9) (10) (11)

  

– هذا أمر مختلف.. لقد تعمد دهس قدمي بلا داع.

– ما الفارق بين أن يدهس أحدهم قدمك في الملعب وبين أن يقول آخر إن عليك تلميع حذائه؟ لماذا تشتبك في الأولى ولا تفعل في الثانية؟

– لأن الأولى وقعت في الملعب.. في الملعب يمكنني أن أسجل في مرماه، ولكنني لا أستطيع إجبار أحد على تلميع حذائي.. وحتى لو استطعت لما استفدت شيئا.

 

لحظة من الصمت.. صراحة مطلقة.. أليخاندرو يدرك أنه لو لملم أوراقه ورحل الآن فسيكون الرجل الذي أجرى أعظم مقابلة في تاريخ ميسّي على الإطلاق، ولكنه يقرر الاستمرار .

  

undefined

– إذن أنت لست مثاليا كما تدّعي؟

– لم أدّع هذا أبدا.

– ولكن العالم ينظر إليك هذه النظرة.

– لكل منّا عيوبه.. فقط أنا لا أُفضّل هذه المواقف تحديدا.. أحاول أن أسيطر على نفسي قدر الإمكان.. بالطبع أفشل أحيانا ولكنني لا أعتقد أن حب الصدام من طباعي، ربما هذا هو ما يمنحكم هذا الانطباع عني.

 

الحواجز تنهار واحدا تلو الآخر بسرعة قياسية، للمرة الأولى يشعر أليخاندرو بشيء من الأريحية.

– أتعلم ليو.. عندما أفكر في الأمر لا يسعني سوى أن أتذكر كم المعارك التي مرت عليك ولم تخضها.. روماريو وصفك بالمتوحد، وزلاتان نعتك بالقزم الثرثار ذات مرة ولكنك لم تشتبك معه أيضا.. هل يضايقك أن الكثيرين اعتبروا ذلك من قبيل الجبن؟ ربما لأنك لن تستطيع هزيمة زلاتان في حرب إعلامية؟ (12) (13)

– ربما.. هذا صحيح رغم كل شيء.. لن أستطيع الفوز على زلاتان في حرب إعلامية، لا أعتقد أن هناك من يستطيع ذلك (يضحك).

– إذن هل الأمر صحيح؟

– أي أمر؟

– أنك تتجنب هذه المواقف لأنك تخشاها؟

– اسمع.. بصراحة أنا لا أعلم كيف أصف هذا الشعور.. أنا فقط لا أحبها ولم أحاول أن أضع تعريفا للأمر من قبل.. ربما يكون من قبيل الجبن فعلا.. لا أعلم.. ما أعلمه هو أنني أحب كرة القدم مثل كل اللاعبين حول العالم، وأرى أن هذه الأمور ليست من كرة القدم في شيء، قد تثير الجميع لفترة من الزمن وحتما ستصنع العناوين، ولكنني أؤمن بأن الجميع سينساها لاحقا.. لا يوجد جمهور يتذكر لاعب فقط لأنه كان عدائيا.

  

– جوي بارتون.. جيوكوتشيا.. جنتيلي.. العالم كله عرف هؤلاء لسبب وحيد هو ميولهم العدائية وتصريحاتهم المثيرة.

– لا أعتقد أن هذا صحيح.. العالم عرف جيوكوتشيا وجنتيلي عندما تقاطعت عدوانتيهم مع نجم أسطوري مثل مارادونا، بالتالي مارادونا هو البطل في هذه القصص، هذا يُثبت وجهة نظري.

– ولكن مارادونا نفسه كانت له الكثير من التصريحات المشابهة.. آخرها ما قاله بشأن دخولك دورة المياه 20 مرة قبل أي مباراة كبيرة، ومن فضلك لا تقل لي إنه حر في اختياراته ووجهة نظره، نحن لا نحتاج إلى هذه المقابلة لندرك ذلك. (4)

– هو كذلك فعلا! ماذا تريدني أن أقول؟ لو كنت مكانه لما قلت هذه التصريحات ولكنه هو وأنا أنا.. أعتقد أن هذه التصريحات لا تفعل شيئا سوى زيادة الضغط على قائلها.

– أنت لا تحب الضغط؟

– من يحبه؟

– رونالدو واقع في غرام الضغط على ما يبدو.

– رونالدو شخص مختلف.. الناس مختلفون.. كل منا يستخدم طريقة معينة في تحفيز نفسه.

  

undefined

  
– هل تقصد أن رونالدو يُفضّل أن يكرهه الناس؟ هل هذا هو ما يدفعه لتسجيل المزيد من الأهداف؟ حتى يثبت لهم أنهم مخطئون؟

– لا أعلم.. عليك أن تسأله.

– ولكن إجابتك تحمل هذا المعنى.

– ما أعلمه هو أنني أُفضّل أن يحبني الناس على أن يكرهونني.

– أهذا هو أحد أسباب فشلك مع الأرجنتين؟ أنك شعرت بالضغط أكثر من أي شيء آخر؟ أن الناس هناك لم يحبوك مثلما أحبّوك في برشلونة؟
   

ميسّي يصمت وقد أُسقط في يديه.. هذا هو آخر سؤال يرغب في الإجابة عنه، هذا الأليخاندرو يصر على استفزازه، لو توقف قلبه الآن أو انقطعت الكهرباء فجأة أو ضرب نيزك رأس هذا المحاور اللعين لكان هذا مثاليا.

– ربما.

– هل يشعرك ذلك بالغُبن؟ هل تشعر أنك تدفع ثمن رحيلك إلى برشلونة في سن صغيرة؟

   

المقابلة تتحول إلى واحد من حوارات منى الشاذلي التي تنتهي دائما ببكاء الضيف، الفارق الوحيد هنا أن بكاء ميسّي سيكون منطقيا.

     

– انظر.. ربما يكون كل ذلك صحيحا وربما لا.. ما أحب أن أتذكّره هو أننا حاولنا.. وأن كل ذلك لم يكن ليحدث لو سجلنا هدفا إضافيا في واحدة من هذه النهائيات.. بضعة ميلليمترات على وجه قدم أي منّا كانت كفيلة بتغيير مسار الحوار الآن.. هذه هي كرة القدم.. هذه هي الحياة، لا يمكننا فعل شيء الآن.

– ولكن هناكـ..

– لقد كنا قريبين للغاية.. لم أحزن على شيء في حياتي بقدر فشلي في التتويج مع الأرجنتين بأي لقب.

– هل تشعر بأن هذا هو ما منح الفرصة لخصومك للنيل منك؟ وفقا لآرائهم فأنت متوحد، طفل بلاتر المدلل، صنيعة تشافي وإنييستا، جبان، لا تملك نصف شعبية تيفيز في الأرجنتين، وظيفتك الأنسب هي تلميع حذاء غاتّي، تدخل دورة المياه 20 مرة قبل أي مباراة كبيرة، قزم، لا تملك إلا مهارة واحدة، متخاذل، بكّاء، تخشى التحدي، تحتاج إلى رونالدو أكثر مما يحتاج إليك، لا تجيد التعامل مع الضغط، تقتات على مدافعي الليغا البائسين وتختفي في المباريات الحاسمة، لا تستحق الترشح للبالون دور أصلا، وفيما يبدو أن مو صلاح قادر على إلزامك مقاعد الاحتياط في برشلونة، على الأقل طبقا لميستر خامد.

 

ليو يشعر بأن أحدهم قد ألقاه من قمة إيفيريست، يحاول استجماع قواه لاستيعاب كل هذه الإهانات، ولكنه يدرك ما يحاول أليخاندرو فعله، هو يدفعه للانفجار. في مكان ما في مصر تتابع منى الشاذلي الحوار وتُدوّن ملاحظاتها.

  undefined

– هل قالوا كل ذلك فعلا؟

– يمكنني أن أزوّدك بالمصادر إن أردت.

– ولكن.. آ.. ماذا كان سؤالك؟

– هل تشعر بأن هذا هو ما منح خصومك الفرصة للنيل منك؟

– عن ماذا تتحدث؟ ما الذي منح الفرصة لخصومي للنيل مني بالضبط؟

– فشلك مع الأرجنتين.

    

– ربما.. لا أعلم.

– ولكنك استمررت رغم كل ذلك، رغم كل ما قالوه عنك.

– أحب أن أُصدّق ذلك.

– هل يعني هذا أنك تجيد التعامل مع الضغط على عكس ما يقال؟ هل يعني أن نظرتك لنفسك قد لا تكون صحيحة أصلا؟ على الأقل في بعض المواقف؟

– هل لديك ما يُثبت ذلك؟ (يضحك).

– هناك بعض المواقف.. دعك من أدائك أمام إسبانيول في الكورنيا، ربما لو كانت هذه المباراة في كامب نو لما عَنَت الكثير ولكن لنتجاهلها على أي حال، شخصيا، أعتقد أن أداءك في التصفيات كان أسطوريا، خاصة بعد تعقد الموقف واحتمالية عدم تأهل المنتخب لكأس العالم من الأساس، هذه كمية من الضغط يصعب على الكثيرين التعامل معها مثلما فعلت، كذلك العرض الباهر الذي قدمته في نهائي الأبطال 2009 عندما كانت المنافسة بينك وبين كريستيانو على أشدها بعد حصوله على البالون دور، بالإضافة لما تقدمه في أغلب مباريات الكلاسيكو.

  

– لا أعلم.. حقيقة أنا لا أُفكر في الأمور بهذه الطريقة، أحيانا أقرأ بعض الأشياء التي تستفزني ويؤثر هذا على أدائي، لكني أحاول أن أتفادى هذه المواقف حتى لو كان تأثيرها إيجابيا، ربما لأنني لا أحب هذه المساحة من اللعبة، لا أحب أن أصدق أن استمتاعي باللعبة مهدد بما يقوله الآخرون عني.. لا تعجبني هذه الاحتمالية لأن هناك حقيقة مؤكدة هي أنك لن تستجيب للضغط بالكيفية نفسها في كل مرة أيا كان اسمك.

– فلنعد إلى مارادونا.. قلت سابقا إنه لاعبك المفضل أو نجمك المفضل.. شيئا من هذا القبيل؟ لماذا أشعر أنك لم تكن صادقا؟ (14)

undefined

  
– أعتقد أنك أنت من تملك إجابة هذا السؤال.

– حسنا.. دعني أخبرك إذن.. أنا ببساطة لا أُصدّق أنك قد تكون معجبا بالشخص الذي تسبب في هذا الشرخ بينك وبين أهل بلدك، الشخص الذي كان السبب في كل هذا الضغط منذ بدأت رحلتك مع الأرجنتين في 2007.

– لقد كنت صغيرا وقتها، بالإضافة إلى أن مارادونا لم يكن سببا في أي من ذلك.. لقد حاولنا وفشلنا، هذا هو ما حدث.

– ألم يتلاعب بالجماهير في رأيك؟ في مرات كان يمنحك الدعم وأخرى كان يسخر منك؟

– أعتقد أنك تسأل الشخص الخطأ.. عليك أن تسأل مارادونا نفسه.

– ولكن ألم تشعر أن جماهير الأرجنتين ظلمتك حينما طالبتك بأن تكون نسخة منه؟ بل ربما ما هو أكثر.. لقد طالبوك بأن تتفادى كل سقطاته وفي الوقت نفسه تنجز كل ما أنجزه.

– ربما.. الزمن اختلف كثيرا.. لقد تركت روزاريو وأنا طفل بسبب ظروفي التي يعلمها الجميع، ولكن بصراحة لم أكن لأصبح مارادونا حتى لو بقيت.

  

– ماذا تقصد؟

– أقصد أن مارادونا هو مارادونا.. أنا لست مثله، هو شخص مختلف، هو البطل الذي كان يحتاج إليه الأرجنتينيون حتى على مستويات أخرى غير كرة القدم.. أنا لست هذا الشخص.. الزمن مختلف أيضا، لا أعلم ما كان سيحدث لو كنت موجودا في زمن دييغو.

– هل تحتاج إلى أن تكون هذا الشخص لتصبح أسطورة في الأرجنتين؟

– لا أعلم.. يبدو الأمر كذلك. (15)

– ولكن تيفيز وريكيلمي وأيمار وغيرهم لم يلتحموا مع الأرجنتينيين على المستويات نفسها.. رغم ذلك يعتبرهم الكثيرون أكثر شعبية منك هناك.

– الوضع مختلف هنا، كل هؤلاء صنعوا أمجادا في الأرجنتين للبوكا والريفير.

  

– هل تعتقد أن عدم لعبك لأي من الكبيرين حرمك من ظهير شعبي كان ليسعفك في مثل هذه المواقف؟

– ربما.. أنا لا أحب التفكير في هذه الأمور، ماذا سيفيدني من كل ذلك؟

– ماذا سيضرك؟

– سأشعر بأنني لست جيدا بما يكفي.. لا أحد يحب هذا الشعور.

– في برشلونة تشعر بأنك جيد بما يكفي؟

– أعتقد ذلك.

– ما السبب في رأيك؟

  

undefined

– انظر أليخاندرو.. أعلم ما تحاول الوصول إليه، لذا سأختصر عليك الطريق.. لقد بدأت اللعب أساسيا في برشلونة بفترة صعبة نوعا ما.. موسمان صفريان متتاليان بعد عامين من الروعة مع رايكارد، الجميع كان متحمسا لما يمكنني تقديمه للفريق، رونالدينيو كان يعتبرني أفضل لاعب رغم أنني لم أكن قد حققت ربع ما حققه وسأظل مدينا له للأبد لهذا السبب، في الفترة نفسها كان ريكيلمي يصفني بالقزم في المنتخب وكنت ألقى معاملة سيئة من كبار الفريق، (16) هذا شعور لا أتمناه لأي شخص، من هناك تطورت الأمور في مسارها الطبيعي.. أصبحت علاقة الأرجنتينيين بي نفعية بحتة، وأصبح تشجيعهم لي مقصورا على أمر واحد فقط هو التتويج بكأس العالم، لا أعتقد أن هناك لاعبا في تاريخ اللعبة كلها حظي بعلاقة مشابهة مع منتخب بلاده، القصة أشبه بعلاقة بدأت بترحيب بارد وانطباع خاطئ لم يتم تصحيحه أبدا، لأن تصحيحه كان مقرونا بلقب المونديال.

  

– ألا يُثبت ذلك أن الأرجنتينيين يقدّرونك؟ أنهم شعروا أنك قادر على تكرار إنجاز مارادونا؟

– هذه هي المشكلة في تكرار الإنجازات، عندما تحدث لأول مرة تكون مفاجأة، لا يصاحبها الضغط نفسه، عندما فزنا بمونديال 1986 لم يكن الوضع مشابها، لم يكن الجميع يعامل مارادونا على أن التتويج هو النجاح الوحيد الذي سيعترفون به، بل إن التوقعات كانت متواضعة نوعا ما بعد مونديال مخيب في 1982.. مارادونا أصبح مارادونا بعد 1986 لا قبلها.. هذا عكس ما حدث معنا تقريبا.

 

ميسّي قد تعرّى تماما الآن، يتحدث وكأنه يخاطب نفسه دون أي اعتبار للكاميرا أو حقيقة أن مئات الملايين تشاهده، أليخاندرو يكاد يجزم أنه لم يصرح بهذا من قبل حتى لأنتونيلّا.

  

– اعذرني ليو لكن علي أن أسأل.. هل يعني ذلك أن كلام كريستيانو صحيح؟ أنك فضّلت البقاء في إسبانيا على الرحيل لأي بلد آخر حتى لا تخوض التجربة نفسها؟ حتى لا يطالبك مشجعو تشيلسي أو السيتي أو إنتر الإتيان بالمعجزات في كل مباراة؟

– لا يوجد لاعب يستطيع الفوز بمفرده.. لا أنا أستطيع ولا كريستيانو ولا حتى مارادونا.

– هذه ليست إجابة.

– الإجابة هي أنني ببساطة لا أريد اللعب في مكان لا أنال فيه التقدير، لا أريد الوجود في نادٍ يعتبرني مشجعوه عبئا لو لم أراوغ جميع لاعبي الخصم وأحرز هدفا، صدقني هذا مستوى آخر تماما من الضغط لا يستطيع أحد تحمله، على الأقل من وجهة نظري.

  undefined

– ولكنك كنت على وشك الانتقال لتشيلسي في مناسبة، وللسيتي في مناسبة أخرى. (17) (18)

– صحيح، لا أُنكر ذلك.

– كنت على استعداد لخوض تجربة جديدة بضغوط جديدة؟ ما الذي تغير؟

– لم يتغير شيء، فقط أنا فضّلت البقاء في برشلونة، شعرت بأنني رغبت في الانتقال فقط لأُثبت العكس لمن يرددون هذا الكلام، وحينها أدركت أنه سيكون السبب الخطأ للعب كرة القدم، من الممكن أن تستطيع فعل ذلك لفترة ما ولكن من المستحيل أن تعيش عمرك كله بالطريقة نفسها.

– ما الذي يمكنك أن تفعله لفترة ما؟

– أن تُثبت شيئا ما لمنتقديك.. الحرب شر لا بد منه أحيانا ولكن لا يمكن أن تكون أسلوب حياة، هذا ليس طبيعيا وسيترتب عليه تغييرات كبيرة في شخصيتك سواء انتصرت في هذه الحروب أو هُزمت.. في جميع الأحوال أنت الخاسر الأول.. في بعض الأحيان عليك أن تترك الناس تتكلم، لأنهم في جميع الأحوال سيجدون ما يقولونه مهما فعلت.

   

– ماذا تعني بأنك ستكون الخاسر الأول حتى لو انتصرت؟

– أعني أن مع كل انتصار سيزداد هوسك بنفسك، ستعتقد أنك غير قابل للهزيمة، وإن حدث العكس فستكون الخسارة أكبر مما يمكن احتماله.. الحياة أبسط من ذلك.

– هذا ليس منطقيا.. يبدو كلامك وكأنه دعوة للتوقف عن المحاولة.  

– بالعكس.. ولكن لا أحد يحصل على كل شيء.. إن أدركت حتمية هذه الحقيقة فلقد أدركت نصف سلامك النفسي.. النصف الآخر يأتي من معاندة الحقيقة نفسها.. أن تحاول رغم كل شيء.. وأنا أعتقد صدقا أنني قد حاولت، وربما سأحاول مجددا، لا أحد يعلم.. الحقيقة المهمة هنا أنني لو انتبهت لكل ما يقوله بيليه ومارادونا وكريستيانو وغاتّي وخامد لما أنجزت شيئا. أنا لست مثاليا.. أنتونيلّا ستؤكد لك ذلك.. أنا فقط زاهد في إقناعك أو إقناعهم بأي شيء، ليس لأنني لا أحب نفسي وليس لأن هذه التصريحات لا تستفزني.. بل لأن القصة كلها عبثية.. لا طائل منها.

 undefined

– كيف تكون عبثية ونحن نتحدث عن مجموعة من أفضل لاعبي التاريخ وحارس أرجنتيني سابق وصحفي مصري يبدو أنه متخصص في الكرة الأوروبية مثل ميستر خامد؟
    

– ليس هذا ما قصدته.. ما أقصده هو أن أمامي خيارين.. الأول أن أسعى لإثبات خطأ كل ما يقال عني، وهذا سيجعلني أسيرا لهذه الأفكار للأبد، سأذهب إلى إنجلترا حتى لا يُقال إن ميسي جبان صنعته برشلونة، وسأحاول الفوز بكأس العالم فقط لأسدد دين مارادونا.. لعب الكرة بهذه الطريقة مستحيل.. ليس مستحيلا فقط بل عديم الفائدة أيضا، لأن أحدا لن يغير رأيه.. إن كان من اعتبروا مالديني أفضل مدافع في التاريخ رغم بقائه مع ميلان طيلة مسيرته، ومن اعتبروا فيرغسون أعظم المدربين رغم أنه لم يدرب في إيطاليا ولا إسبانيا، هم أنفسهم من اعتبروني جبانا لأنني لم أغادر برشلونة، فلا سبيل لتغيير رأيهم.. كل ما سأفعله فقط هو أنني سألعب كرة القدم وسأسجل أهدافا وسأفوز ببطولات أو أخسرها للسبب الخطأ.. لكي أقنعهم.. الخيار الثاني أن أتجاهل كل ذلك.. أي ما كنت أفعله قبل أن نجري هذه المقابلة.

  

– ..

– هل هناك أسئلة أخرى؟

– لا أعلم، فقط أشعر أن ثمة شيئا ناقصا، الجميع يتوقع منك أكثر من ذلك.

– لماذا؟

– لأنك ميسّي.. لأن أنصارك -عذرا- صدّعوا رؤوس العالم لسنوات عن كونك من كوكب آخر.. لأننا صدّقنا ذلك أحيانا رغم سخافة الفكرة.

– حسنا.. أنا لست من كوكب آخر.. أنا من روزاريو.. أتمنى ألا أكون قد فاجئتك (يضحك).

– (يضحك) ولكنك تفعل أشياء تُشعرنا بذلك أحيانا.

  

– أنا أحاول أن أُقدّم أفضل ما عندي، وأحيانا أفشل في ذلك مثل أي لاعب آخر، فقط أحاول أن أبقى إيجابيا ولا أتذكر مثل هذه المباريات، لكن هذا لا يعني أنها لم تحدث.

– لماذا يتملّكنا هذا الشعور إذن؟

– لا أعلم.. ولكن شكرا على أي حال (يضحك).

– لقد نفد ما عندي.. وأعلم أن هذا ما تسمعه عادة بعد أي مقابلة، ولكننا استمتعنا بهذا الحوار للغاية.. حقيقة.

– شكرا أليخاندرو.. سأفكر ألف مرة قبل أن أُجري معك مقابلة أخرى، خاصة لو كانت على الهواء مباشرة (يضحك).

    

تنويه: الحوار كله تخيّلي باستثناء ما تم إحالته للمصادر.

المصدر : الجزيرة