شعار قسم ميدان

أقلام بوزن الذهب.. كيف يمكن لرواية أن تجعلك مليارديرا؟

midan - J.K. Rowling

من المعلوم أن لكل ثري في العالم دجاجته الخاصة التي تبيض له ذهبا. هناك من وصل إلى ثروة فاحشة من وراء اختراع ما، وهناك آخر وصل إلى الثراء من وراء تطويره لتطبيق ذكي مميز على الهاتف، وهناك ثالث استطاع أن يؤسس لشركة رياديـة تقدم منتجات أو خدمات استثنائية ساعدته بأن يحصد أرباحا هائلة جعلته ينال المجد والشهرة والثروة.

  

وهناك ذلك الثـري الذي تكون دجاجته ذات البيض الذهبي هي مجرد قلم يمسكه في يده يخطّ به سطورا على الورق ليجسّد رواية بديعة أو كتابا مُحكما يعود عليه بالحُسنيين: الشهـرة والمال. الكثير من أدباء العالم المعاصرين استطاعوا تحقيق ثـروة هائلة بمئات الملايين من الدولارات من وراء كتاباتهم التي طافت العالم كله بلغات عدّة، وتحوّل معظم إنتاجهم إلى أفلام مرئية لتزداد شهــرتهم، وطبعا لتزداد ثروتهم أيضا.

      

جي. كي. رولينغ.. هاري بوتر يقود إلى ثروة طائلة

undefined

      

على الرغم أنها قضت الثلاثين عاما الأولى من حياتها بشكل عادي تماما، بل وربما مأسـاوي إلى حد ما، فإن جوان رولينغ تحوّلت حيـاتها تماما عندما جلست للمـرة الأولى في أحد القطارات متوجّهــة إلى منزل أختها تكتب روايتها الأولى في منتصف التسعينيات، والتي أطلقت عليها اسما عجيبا وقتها "هاري بوتـر وحجر الفيلسوف".

  

كانت جوان رولينغ فتاة بريطانية عادية تماما، عملت كسكـرتيرة في الأمم المتحدة ثم سافرت من بريطانيا إلى البرتغال لتتزوج هناك ثم تخوض أزمات عائلية عنيفة، جعلتها تعود إلى وطنها لتقضي وقتا طويلا كعاطلة عن العمـل برفقة ابنتها الوحيدة، لتبدأ في تلك الفتـرة الصعبة من حياتها في كتابة أولى رواياتها المُغـرقة في الخيال بشكل كبير. وعندما انتهت من رواياتها، ذهبت بها إلى 12 دور نشر، رفضت جميعا أن تطبع وتنشر الرواية بحجـة أنها رواية ضعيفة للغاية!

 

أخيرا، وافقت دار نشر بلومزبري لندن بنشـر روايتها الأولى مقابل مبلغ ضئيل حصلت عليه لا يتجاوز الـ 1500 جنيه إسترليني، ونشـرت 1000 نسخة فقط من الرواية في طبعتها الأولى عام 1997، لتبدأ الرواية في الانتشار بشكل مذهـل بين الأطفال والمراهقين والشباب، لتنهـال عروض الشراء عليها وتُترجم إلى عدة لغات حول العالم.  

  

لاحقا، بدأت جي. كي. رولينغ في تحويل الرواية إلى سلسلة روايات هاري بوتر، لتصدر عددا كبيرا من روايات السلسلة، ومن ثم بيع حقوقها للسينما، فتحوّلت جميعها إلى أفـلام سينمـائية شديدة الشهــرة أدرّت مليارات الدولارات لتعتبر ظاهـرة سينمـائية في العقد الأول من الألفية الجديدة (2000-2010)، مما جعل الكاتبة تتحول من أم فقيـرة عاطلة إلى صاحبة لقب "أغنى مؤلفة كتب في التاريخ" بثــروة تُقدر بنحو مليـار دولار.

 

تعيش جي كي رولينغ الآن في قلعـة فاخـرة مبنية في القرن التاسع عشر، وتُقدّر ثـروتها بنحو مليار دولار بمبيعات لكتبها تُقدّر بأكثر من 500 مليون نسخة حول العالم مترجمة بكل اللغات، فضلا عن مكاسب سنوية قدّرتها الفوربس في عام 2017 بنحو 95 مليون دولار سنويا، وهي بذلك تُعدّ الكاتبـة الأكثر أجرا سنويا في العالم. (1، 2، 3، 4)

 

ستيفن كينغ.. ملك الرعـب

undefined

   

في الغالب، عندما يُذكـر الرعب لا بد أن يقفز إلى الذهن فورا اسم الأديب الأميـركي الأشهر "ستيفن كينج" الذي يُطلق عليه عادة اسم "ملك الرعب". الأديب المخضـرم في عالم الرعب النفسي يعتبر من أفضل كُتّاب الرعب في العالم، وأفضـل كاتب في أدب الرعب في الوقت الحالي بدون شك، بمبيعـات لأعماله تجـاوزت الـ 350 مليون نسخة حول العالم، وحصوله على أكثر من 50 جائزة أدبيـة عالميـة.

  

شهـرة ستيفن كينج لم تأتِ فقط من خلال رواياته المدهشة في أدب الرعب، وإنما جاءت بشكل أساسي من تحويل معظم رواياته إلى أفـلام ومسلسلات ذائعة الصيت، وهو الذي جعل مجرد ذكـر اسمه كمؤلف لقصة الفيلم -أي فيلم- تحظى باهتمام هائل من الجمهور والنقاد. من أشهـر رواياته التي تحوّلت إلى أفـلام رواية "الشيء" (It) التي تحوّلت إلى فيلم صدر في عام 2017 وصُنّف بأنه "أفضـل فيلم في تاريخ الرعب على الإطلاق" من حيث الإيرادات التي حققها التي تجاوزت المليار دولار.

 

بدأ كينج كتابة روايته الأولى عام 1967 وهو في سن العشرين عاما، وعلى مدار سنوات طويلة أنتج مجموعة من أشهر قصص الرعب مثل "بؤس" (Misery)، و"الغرفة 1408″، و"الشيء" (It)، و"البريق" (The Shining)، و"كاري" (Carrie)، و"السديم" (The Mist)، وغيرها من الروايات ذائعة الصيت التي تحوّلت جميعا إلى أفلام ومسلسلات بلغت نحو 39 فيلما و21 مسلسلا تلفزيونيا، وحقق معظمها إيرادات هائلة.

  

وعلى الرغم أن ثـروة ستيفن كينج غير مُعلنة بشكل رسمي فمن المتوقع أنها تُقدّر بنحو 400-450 مليون دولار، وهو بذلك يعتبر من أثرى الكُتّاب والمؤلفين حول العالم. وبحسب فوربس في عام 2016، فإنه تقاضى في هذا العام فقط نحو 15 مليون دولار نظير بيع حقوق أعماله كروايات وأفلام وأعمال فنية متعددة. (5، 6، 7)

    

جيمس باترسون.. الإغراق في الخيال يجذب الكثير من الأصفار

undefined

    

على الرغم من أنه وُلد في العام نفسه الذي وُلد فيه الكاتب ستيفن كينج (عام 1947)، فإنه تأخر قليلا في إصدار روايته الأولى التي جاءت وهو في سن الثامنة والعشـرين في عام 1976 بعنـوان "رقم توماس بيريمان" (The Thomas Berryman Number). ومع ذلك، كان دخوله المتأخر نسبيا إلى عالم الأدب على ما يبدو دافعا له لكتابة عدد هائل من الروايات، اعتُبر من خلالها من أكثر الأدباء الأميـركيين غزارة في الإنتاج.

  

في الطواف ما بين الأدب الخيالي البحت، والأدب الذي يركز على الإثارة والتشويق، نشر جيمس باترسون أكثر من 147 رواية بيع منها أكثر من 300 مليون نسخة، ووصل 114 رواية منها إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعا التي تصدرها صحيفة النيويورك تايمز. كما احتل اسمه مكانا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية باعتباره الكاتب الذي استطاع بيع مليون نسخة إلكتـرونية من أعماله.

  

اعتُبر جيمس باترسون واحدا من أكثر أدباء العالم ثراء بعد نشـره لعدد هائل من الروايات ربما أشهـرها في أميـركا سلسلة الروايات البوليسية أليكس كروس، ونادي قتل النساء، والجولة القصـوى، وغيرها من الروايات التي حازت شهـرة هائلة وتُرجمت إلى العديد من اللغات، فضلا عن تحويل عدد كبير من رواياته إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية.

  

تُقدِّر بعض المواقع المتخصصة القيمة الإجمالية لثروة باترسون مابين 300 إلى 490 مليون دولار، كما يحجز مكانا متقدما دائما في قائمة الفوربس لأعلى الكُتّاب والأدباء أجرا، آخرها كان المركز الثاني في القائمة التي صدرت في عام 2017 بأجر 87 مليون دولار في هذا العام، قادما بعد جي كي رولينغ مباشرة التي تبوأت المركز الأول في القائمة باعتبارها الكاتبة الأعلى أجرا في العالم لعدة سنوات متتالية. (2، 8، 9، 10)

      

جورج آر مارتن.. ملايين لعبــة العـروش

undefined       

على الرغم أن جورج آر مارتن بدأ رحلته الأدبية متأخرا نسبيا في منتصف السبعينيات (هو من مواليد 1948)، أي وهو على مشارف الثلاثينيات، فإنه مع ذلك لم يبدُ كاتبا استثنائيا. يمكن بالإجمال وصف رحلته الأدبية أنها كانت رحلة أدبية عادية للغاية. كاتب آخر تقليدي يكتب قصصا قصيرة وروايات تعج بالخيال، وإن باءت بعضها بفشل ذريع أيضا في بداية الثمانينيات، وهو الأمـر الذي جعله لا يعوّل كثيرا على العمل كروائي أو قاصّ، ويتجه لكتابة المسلسلات السريعة التي كانت تعرض في تلك الفتـرة.

      

في بداية التسعينيات، عاد مرة أخرى جورج مارتن لكتابة الروايات، حيث بدأ في عام 1991 كتابة سلسلة من سبعـة أجزاء، نُشـر الجزء الأول من السلسلة التي أطلق عليها اسم "أغنيـة من ثلج ونار" (A song of ice and fire) عام 1996 بعنوان "لعبـة العـروش" التي حققت نجاحا هائلا، أتبعها بنشـر الجزء الثاني من السلسلة عام 1998 بعنوان "صـراع الملوك" (Clash of kings) ثم استمر في طرح بقيـة أجزاء السلسلة في السنوات اللاحقة.

     

ومع الشهـرة الهائلة التي حققتها الرواية بما تحمله من خيال جامح غير مسبوق يجمع بين الفانتازيا والإثارة والملاحم، تُرجمت الرواية إلى معظم لغات العالم، وتحوّلت إلى مسلسل شديد الشهـرة عالميا بدأ في بثه الأول عام 2011 لصالح قناة "HBO"، وصدر منه حتى الآن سبعة مواسم بإجمالي 67 حلقـة، ويعتبر من أشهر المسلسلات وأكثرها متابعة حول العالم.

      

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام محددة بخصوص الثروة التي جمعها جورج آر مارتن من وراء كتاباته، فمن المؤكد أنها تضخمت بشكل هائل في السنوات الأخيـرة -سنوات إطـلاق المسلسل ذائع الصيت- حتى يُقدّر أنها أصبحت توازي نحو 65 مليون دولار، فضلا عن احتلال اسمه لقوائم أعلى الكتّاب أجرا التي تصدرها فوربس سنويا، حيث قُدّر أجره في عام 2016 بنحو 10 ملايين دولار. (11، 12، 13، 14، 15)

     

دان براون.. ملك الرموز المشفّــرة

undefined

   

منذ صدور روايته "شيفــرة دافنشي" في عام 2003، أصبح اسم دان براون على كل لسان. الرواية ذائعة الصيت التي اعتُبرت من أكثر الروايات مبيعا حول العالم والتي تُرجمت إلى معظم اللغات، وتحوّلت إلى فيلم ناجح في عام 2006 من بطـولة النجم الأميـركي توم هانكس والذي أثار لغطا واسعا بين الجماهير والنقاد. ومع ذلك، لم يبدأ براون رحلته الأدبية بهذه الرواية، وسبقها بعدة روايات شهيـرة أيضا وإن التفت لها جمهـور أكثر بعد نجاح روايته "شيفرة دافنشي".

  

براون يتميز أسلوبه الروائي بالميل إلى الغموض ودائما هناك رموز ما في القصة. من الصعب جدا أن تخلو روايات براون من رموز وشيفـرات مخلوطة بإسقاطات دينية تاريخية، فضلا عن بداية الرواية إما بارتكاب جريمة وإما انتحار. وهي ثيمة استخدمها في معظم قصصه حتى لا تكاد تخلو أي رواية منها. هذا القالب المعتاد استخدمه في رواياته الأشهر كـ "ملائكة وشياطين" و"حقيقة الخديعة" و"الرمز المفقـود" و"الجحيم" و"الأصل".

  

هذه الشهـرة الواسعة لروايات دان براون عالميا جعلته من أكثر الأدباء أصحاب الثروات؛ ففي عام 2014 قدّرت فوربس ثـروة براون بنحو 28 مليون دولار، وهو الرقم الذي تضخم كثيرا بالتأكيد في السنوات اللاحقة. في عام 2017، وُضع اسم دان براون في المركز الرابع لأعلى الكُتّاب أجرا لهذا العام بمبلغ 20 مليون دولار، وهو ما يجعله من الخمسة الأوائل في القائمة برفقة جي كي رولينغ وستيفن كينج وجيمس باترسون وجيف كيني. (2، 16، 17، 18)

    

دانييل ستيل.. الرومانسية تحصد أكثر من ربع مليار

undefined    

في العام نفسه الذي وُلد فيه ستيفن كينج وجيمس باترسون -يبدو أنه عام ميلاد الأدباء الكبـار-، عام 1947، وُلدت الكاتبة الروائية الأميـركية دانييل ستيل، واحدة من أهم الأديبات الأميـركيات على الإطلاق من حيث الشهـرة وغزارة الأعمال في النصف الأخير من القرن العشـرين وبداية الألفية. ويبدو أن طفولتها التي قضتها في فرنسا وزواجها المبكـر قد أثّرا بشكل كبير في شخصيتها على نحو رومانسي للغاية، استغلته دانييل لاحقا عندما قررت دخول عالم الأدب بنشر روايتها الأولى "العودة للوطن" (Going Home) بعد شهـور من طلاقها عام 1972.

  

كانت هذه الرواية هي مدخل دانييل ستيل لنشـر عدد هائل من الروايات بشكل مدهش، حيث قامت بكتابة 165 كتابا من بينها 141 رواية جميعها تدخل في نطاق الرومانسية، وتم تحويل 28 رواية منها إلى أفلام سينمـائية ومسلسلات تلفزيونية. بشكل إجمالي باعت أعمال دانييل ستيل أكثر من 800 مليون نسخة، وتُرجمت إلى معظم لغات العالم لدرجة أنها أُدرجت في عام 1989 في موسوعة غينيس للأرقام القياسية بسبب استمرار روايتها على قائمة الكتب الأكثر مبيعا صحيفة نيويورك تايمز لمدة 381 أسبوعا على التوالي.

  

كانت هذه الروايات الرومانسية التي عادة ما تحتوي على ثيمات معتادة مثل الانتحار والسجن والفضائح والغش والخداع، كانت سببا في تحقيق دانييل ستيل ثـروة هائلة كواحدة من أثرى أديبات العالم، حيث تقدر ثروتها بنحو 350 مليون دولار على الأقل بحسب تقدير فوربس الأخير لإجمالي ثروتها. (19، 20، 21)

               

undefined

     

في النهاية، هذه النماذج من الأدباء والأديبات الذين استطاعوا تحقيق ثـروة طائلة من وراء كتاباتهم تُثبت أن الطريق الذي يأتي من خلاله المال ليس واحدا، وأن البعض يصل إلى تحقيق الثراء من خلال قلمه كما يصل الآخرون من خلال شركاتهم وأعمـالهم. ربما الشيء الوحيد الأساسي الذي من الضـروري أن يسعى له كل فرد هو أن يحدد دجاجته الخاصة التي تلد بيضة الذهب له هو تحديدا، وألا يعتمد على دجاجات الآخرين!