إيران بعد تعيين بولتون وبومبيو.. إلى أين؟

كومبو يجمع الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأميركي دونالد ترمب

لم يجد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، في سياق التعليق على تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي الأميركي؛ سوى قوله: "يسعى الأميركيون لسياسات أشد تجاه (إيران)، ونحتاج إلى تعزيز نظرتنا نحو الشرق خاصة الصين وروسيا". وأضاف أن "استخدام عناصر متشددة معادية يؤكد أن الأميركيين يسعون لمزيد من الضغط على إيران".

بوسع بعض القادة في إيران أن يهوّنوا من دلالات تعيين بولتون، وقبله تعيين مايك بومبيو وزيرا للخارجية -وهما من ذات اللون- بجانب آخرين؛ لكن واقع الحال هو أن طهران لا يمكنها تجاهل ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات عليها، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الذي كان بمثابة نافذة انتظر الشعب الإيراني منها الفرج، بعد سنوات حصار ذاق خلالها الأمرين.

ما حدث لإيران -وما يمكن أن يحدث لاحقا- لم يكن سوى نتاج أحلام التمدد التي تلبست عقل المرشد والمجموعة الصغيرة التي أحاطت به خلال العقدين الأخيرين، وهي أحلام لا صلة لها بالواقعية السياسية ولا بموازين القوى الدولية والإقليمية. فليس ثمة منطق ولا عقل يقول إن المحيط العربي والإسلامي سيقبل بهيمنة إيران على عدد من العواصم العربية

من يتابع الجدل الداخلي الإيراني -كما تعكسه مواقع إصلاحية ومحافظة- يدرك أن أسئلة القادم تُلقي بظلالها على السياسة الإيرانية.

فحين يضطر مركز الدراسات الإستراتيجية -التابع للرئيس حسن روحاني– إلى إنتاج فيديو عن سقوط الطائرات ومسؤولية قائد الطائرة حين لا يستمع لنصائح المساعدين، في رسالة واضحة للمرشد علي خامنئي؛ ويبادر آخرون إلى تحميله المسؤولية مباشرة ودون مواربة، كما في رسائل أخرى لمحمود أحمدي نجاد وتياره وآخرين؛ فهذا يعني شعورا حقيقيا بالخطر القادم.

ما ذكره بروجردي هو جزء من مسار طبيعي في الرد على الجنون الأميركي، وهو متوقع وطبيعي على كل حال وسيجد ترحيبا من الصين وروسيا، لا سيما أن كلتيهما مستهدف بذلك الجنون على تفاوت في الاستهداف بينهما وبين إيران؛ لكن ذلك لا يبدو كافيا للجم الخطر القادم.

والذي ينبغي أن يُقال ابتداءً هو أن ما حدث لإيران -وما يمكن أن يحدث لاحقا- لم يكن سوى نتاج أحلام التمدد التي تلبست عقل المرشد والمجموعة الصغيرة التي أحاطت به خلال العقدين الأخيرين، وهي أحلام لا صلة لها بالواقعية السياسية ولا بموازين القوى الدولية والإقليمية.

فليس ثمة منطق ولا عقل يقول إن المحيط العربي والإسلامي سيقبل بهيمنة إيران على عدد من العواصم العربية، مع اعتبار الشيعة فيما تبقى من الدولة بمثابة جاليات إيرانية تحرّكها طهران متى تشاء وفي الاتجاه الذي تشاء، كما أن الوضع الدولي لن يقبل بتحوّل إيران -تبعا لذلك- إلى قوة دولية، تتحكم في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.

أوهام التمدد هي التي دفعت نحو استثمار عشرات المليارات من الدولارات في المشروع النووي؛ فتوزعت بين كلفة بناء المشروع والعقوبات التي ترتبت عليه. وذات الأوهام هي التي أفضت إلى التنازل عنه بعد تصاعد كلفة التدخل في سوريا على نحو رهيب، حيث بلغت عشرات المليارات أيضا.

وهي -قبل ذلك وبعده- التي دفعت إلى تدمير العراق فجعلته يتوسل المعونات رغم ثرواته الهائلة، وذلك حين دفع خامنئي نوري المالكي إلى لعبة طائفية فجّرت الأوضاع، فضلا عن دعم نخبة سياسية مارست أكبر عملية نهب في التاريخ، بينما كان بوسع إيران أن تقبل بهيمنة شيعية نسبية على البلد، من دون الحاجة إلى إلغاء الآخرين وخاصة العرب السنّة.

واكتمل المشهد بخوض مغامرة مجنونة في اليمن أيضا، أكدت بشكل قاطع حالة العداء الإيراني مع غالبية المسلمين في العالم وفي المنطقة أيضا، ولن يعلن أحد الحرب على غالبية الأمة ثم يكسب الحرب، ولو امتدت مئة عام.

لكن البعد الأهم في ذلك كله هو ما أفضى إليه على صعيد الداخل الإيراني؛ فحين هتف الناس في أحداث عام 2009 (الحركة الخضراء) عقب إعلان فوز نجاد بانتخابات الرئاسة: "لا غزة ولا لبنان.. كلنا فداء إيران"، وكرروا ذلك في الهبّة الجماهيرية قبل شهور؛ فهم إنما كانوا يعبّرون عن رفضهم لتبديد ثروات بلادهم في مغامرات خارجية، وتركهم أسرى للفقر والبطالة.

أفضت أوهام التمدد الإيراني إلى استنزاف مقدرات الشعب الإيراني، ومقدرات شعوب المنطقة، وتوشك أن تضع الحبَّ صافيا في طاحونة الصهاينة وأميركا والغرب، وإن استفادت روسيا أيضا بهذا القدر أو ذاك. لا حل لهذه المتوالية الشيطانية إلا بتفاهم قوى الإقليم الثلاث (العرب وتركيا وإيران) على كلمة سواء، تفضي إلى حلٍّ يوقف هذا النزيف

الجانب الآخر الذي يعنينا هنا هو أن جنون التمدد هذا هو ما دفع بعض العرب إلى الاستنجاد بأميركا، وإلى دفع كلفة باهظة لقاء ذلك.

نفتح قوسا هنا كي نشر إلى أن استنجاد بعض العرب بأميركا ودفع الاستحقاقات لها، لا يتعلق فقط بإيران ومواجهتها، وإنما له صلة أيضا بخلل أولوياتهم وتركيزهم على كسب شرعية في مواجهة الداخل، مع تركيزهم على مواجهة ما يسمى "الإسلام السياسي"، الذي يتلخص في وعيهم في مطالب الإصلاح والتعددية.

والحال أن موقف واشنطن من إيران لا صلة له بهواجس أولئك العرب، إلا بقدر صلته بأحلام بنيامين نتنياهو باستثمار الحريق الراهن في المنطقة، عبر فرض معادلة جديدة على إيران عنوانُها مشروع الصواريخ البالستية، ومعها تغيير منظومة الخطاب المتعلق بالقضية الفلسطينية.

وسيفضي ذلك إلى ضرب كل ما له صلة بمنطق المقاومة والممانعة، حتى ولو كانت بمجرد الكلام؛ هذا فضلا عن أنه سيفضي إلى دعم بعض قوى المقاومة الفلسطينية بجانب حزب الله في لبنان، وإن أصبح سلاحه مخصصا للداخل بعد ترتيبات حرب يوليو/تموز 2006.

هكذا أفضت أوهام التمدد الإيراني إلى استنزاف مقدرات الشعب الإيراني، ومقدرات شعوب المنطقة، وتوشك أن تضع الحبَّ صافيا في طاحونة الصهاينة وأميركا والغرب، وإن استفادت روسيا أيضا بهذا القدر أو ذاك.

لا حل لهذه المتوالية الشيطانية إلا بتفاهم قوى الإقليم الثلاث (العرب وتركيا وإيران) على كلمة سواء، تفضي إلى حلٍّ يوقف هذا النزيف، ويوقف أيضا التدخلات الخارجية، ولن يحدث ذلك من دون تفاهم على النقاط المشتعلة، وخاصة سوريا واليمن (مع العراق ولبنان).

ولن يحدث ذلك من دون أن يتجاوز خامنئي أوهام التمدد واستعادة ثارات التاريخ. وإلا فستطول الحروب ومعها تستمر المعاناة والموت والدمار من دون أن يصل هو إلى النتيجة التي يريدها، وسيقبل في النهاية بما رفضه في فترات سابقة. إنه غرور القوة المدمّر.

لكن ذلك لا يعني بالطبع موافقةً على سياسات من يواجهون إيران، والذين يمكن الحديث طويلا عن أخطائهم، وفي مقدمتها اعتبار أحلام الشعوب في الحرية والديمقراطية كابوسا ينبغي أن يُحارب بأي ثمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.