الحركة الخضراء الإيرانية.. "ثورة" شعبية لم تكتمل

Women walk past a picture of then presidential candidate Mir Hossein Mousavi (R) and former President Mohammad Khatami in Tehran in this May 26, 2009 file photo. To match IRAN-ELECTION/OPPOSITION-INSIGHT REUTERS/Raheb Homavandi/Files
"الحركة الخضراء" أخذت اسمها من لون شعارات حملة زعيمها المرشح الرئاسي موسوي (يمين) الذي حظي بدعم الرئيس السابق خاتمي (رويترز)

الحركة الخضراء احتجاجات قوية شهدتها إيران على مدى شهور؛ اندلعت إثر إعلان فشل مرشح قوى المعارضة مير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية عام 2009، فواجهت قمعا أمنيا شديدا أدى لمقتل العشرات واعتقال المئات، وفرض الإقامة على قادة المعارضة البارزين. وقد شكلت الاحتجاجات أكبر أزمة داخلية تشهدها البلاد منذ نجاح الثورة الإيرانية 1979.

شرارة الانطلاقة
إثر إعلان فوز الرئيس آنذاك محمود أحمدي نجاد -في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية يوم 12 يونيو/حزيران 2009- بولاية ثانية على حساب المرشح موسوي؛ حشدت المعارضة في شوارع العاصمة طهران قرابة خمسة ملايين متظاهر رفعوا "الشعارات الخضراء" (ومن هنا جاء وصف حركتهم) من تلوين الكف إلى ربطة العنق وأسورة السواعد والرايات، وهتفوا بشعاريْ: "أين صوتي؟" و"من سرق صوتي أيها الدكتاتور؟"، متهمين السلطات بتزوير الانتخابات لصالح نجاد.

ردت السلطات الإيرانية بنفي تهمة التزوير، ودشنت حملة اعتقالات واسعة شملت في بدايتها مائة من قيادات الحركة الإصلاحية، بينهم صحفيون ونشطاء ومحامون وسياسيون مؤيدون للإصلاح، بمن فيهم محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي وزهراء إشراقي حفيدة الخميني.

كما أصدرت قرارا يحظر على الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية نشر أسماء وصور وأخبار قادة الحركة الخضراء، ومنعت وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الغربية من تغطية الأحداث.

وإثر تطورات خروج الشارع والاشتباكات التي وقعت بين المحتجين -الذين أحسنوا توظيف مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) في تحفيز الشارع- وقوات حماية الثورة المعروفة بـ"الباسيج" وأدت إلى مقتل حوالي 70 متظاهرا؛ بدأت تبرز سيطرة السلطة المركزية الواقعة أصلا في قبضة المرشد الأعلى علي خامنئي بموجب الدستور والهيمنة الفعلية.

ففي 3 سبتمبر/أيلول 2009؛ صرح مساعد الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد يد الله جواني بأن البلاد "دخلت فعلا ساحة الحرب الناعمة"، مشيرا لما وصفه بـ"الدعم الأميركي والإسرائيلي السافر لموسوي" بعد الانتخابات.

وأكد جواني أن "الحرس الثوري لن يسمح لأي تيار أو مجموعة بتجاوز مبادئ الثورة". كما هدد قائدُ الشرطة إسماعيل أحمدي أنصارَ موسوي بـ"معاملة قاسية إذا شاركوا في مسيرات غير شرعية".

وإلى جانب موسوي؛ تصدر قيادة صفوف الحركة الخضراء مهدي كروبي القادم من صفوف اليسار الإسلامي، والذي مثّل خط الإصلاح -الذي انتهجه الرئيس السابق خاتمي- وجرّ وراءه معظم جماهير الإصلاح، فضلا عن منحه الحركة بُعدا دينية مهمّا باعتباره رجل دين معمما ومقربا من مؤسس "الجمهورية الإسلامية" روح الله الخميني، الذي اختاره 1989 ضمن لجنة مراجعة الدستور.

ورغم فرض الإقامة الجبرية المنزلية على موسوي -الذي كان يوما وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)- وكروبي منذ فبراير/شباط 2011؛ فإنهما لم يقدما للمحاكمة رسميا أو حتى توجه إليهما تهم واضحة ومحددة. وفي أغسطس/آب 2016 رفض موسوي عرضا بإطلاق سراحه مشروطا بعدم ممارسته أي نشاط سياسي مدة سنوات.

مطالب ومبادئ
تـُتهم الحركة الخضراء بأنها لم تقدم أفكارا واضحة كما تفعل عادة الحركات السياسية الاحتجاجية الناضجة، بل رفعت مطالبها قبل أن تُبلور أفكارها بشكل منظم حيث تلخصت -في البداية- في مطلبين رئيسيين، هما:
– إعادة النظر في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009.
– ضرورة البقاء في الشارع حتى تحقيق هذا المطلب.

ومع مرور الوقت فهم موسوي وكروبي وجمهور الحركة الخضراء أن لا فائدة من التمسك بمثل هذه المطالب، فأحمدي نجاد تُوِّج رئيسًا لولاية ثانية بمباركة المرشد الأعلى خامنئي ومؤسسات النظام كافة العسكرية منها والدستورية.

وفي هذه اللحظة الفارقة وُلدت أفكار الحركة الحقيقية الأكثر تأثيرا والتي تعرضت لتأويل كبير حتى تخلّى عنها زعماء إصلاحيين كبار، من أمثال الرئيس السابق خاتمي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام آنذاك هاشمي رفسنجاني اللذين اعترفا ضمنيا بنتائج انتخابات 2009.

ويمكن تلخيص أفكار الحركة الخضراء التي ظلت تنادي بها في مبادئ ثلاثة:

1- مبدأ "إيران أولاً": ومن هذا المبدأ وُلد الشعار الشهير الذي صدحت به حناجر المتظاهرين في ساحات إيران: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران"، والذي نجح في جذب فئات مهمة كطلاب الجامعات وبعض النخب العلمية والفكرية والاقتصادية، واستطاع التغلغل بسرعة في ذهنية وعقلية الإيرانيين حتى غدا المرجعية الأساسية لشعارات المحتجين.

وعبر هذا المبدأ -الذي يتعارض مع فكرة "تصدير الثورة الإسلامية" إلى دول الإقليم- طالب موسوي -ومن خلفه الشيخ كروبي بدرجة أقل- برفع السرية عن ملفات حساسة تعتبر أحد أسرار إيران الإقليمية، كملف العلاقة مع حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والموازنة بين دعم هذه المنظمات واحتياجات البلاد الاقتصادية.

2- مبدأ إعادة النظر في صلاحيات ولاية الفقيه المطلقة: شكّل هذا المبدأ أخطر ما جاءت به الحركة الخضراء واستفز النظام بشكل مباشر، فكانت لذلك تداعيات كبيرة جدا على قيادات الحركة وجمهورها، لأن "مبدأ الفتنة" -كما سماه النظام- وضع الحركة الخضراء في مواجهة مفتوحة مع السلطات التي قررت التعامل معها بوصفها "تيار فتنة" يجب اجتثاثه من المجتمع ومؤسسات النظام.

ومما زاد استفزاز النظام أن الحركة طالبت أيضا بمراجعة نظرية "ولاية الفقيه" كنظرية سياسية صالحة للحكم، فضلا عن دعوتها إلى زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب. وقد أعاد هذا المبدأ -وبشكل مباشر- فرز الجمهور الإيراني بين مؤيد بالكامل لموسوي ومطالبه ومعارض له، فتم رفع الغطاء السياسي عنه لتتلقى الحركة ضربة موجعة.

3- مبدأ العلاقات مع الخارج: طالبت الحركة بمواصلة سياسة الإصلاحيين (خلال عهد رئاسة خاتمي) في إدارة علاقات إيران مع محيطها العربي والإسلامي، ورسم حدود العلاقة مع بقية دول العالم بعيدا عن الأيديولوجيا والترجمة الحرفية لفكرة تصدير مبادئ الثورة الإسلامية.

وبما أن موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية بقي -حتى في أيام حكم الإصلاحيين- في يد المرشد دون غيره لكونه صاحب القرار النهائي في تعيين سقف التقارب بين طهران وواشنطن؛ فقد حاولت قيادات الحركة الخضراء وتحديدا موسوي سحب هذا الاختصاص من يد المرشد، وهو ما اعُتبر تدخلا مباشرا في صلاحيات المرشد الأعلى.

تراجع التأثير
ترك تغييب قادة الحركة الخضراء بالاحتجاز -دون إعطائهم أي وضع قانوني- آثارا سلبية عميقة على وضعها شعبيا وسياسيا، من أوضحها:

– بقاء الحركة بلا قيادة في مرحلة حساسة من كفاحها أدخل الحركة وجمهورها في حالة تخبط، غدت معه الحركة عاجزة عن تجديد أو إنتاج قيادات جديدة منسجمة مع مرحلة هي في أمسّ الحاجة فيها إلى زعيم ذي تجربة يعرف ما يريد.

– غياب أو تغييب القيادة بصفيها الأول والثاني جمّد الخطاب الفكري والسياسي للحركة التي بقيت لوقت طويل تطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية لعام 2009، وهذا بدوره أدخل اللاواقعية إلى منطق الحركة وفكرها.

– التعامل الأمني المتشدد مع موسوي وكروبي وهما من أبناء النظام أدى إلى فرار الناشطين المؤثرين إلى خارج البلاد، وهو ما ترك الحركة تقريبا بلا قيادات ميدانية واضحة.

– غياب الزعماء أدى ببعض رجالات الحركة إلى الاستعانة بالخارج ماليا وإعلاميا وحتى سياسيا، وبذلك قدموا للسلطات فرصة ذهبية لتتهمهم بالعمالة وخيانة الثورة والجمهورية.

وهكذا خضع الخطاب السياسي للحركة الخضراء بشقيه الشعبي والنخبوي لما يمكن تسميته بـ"موسمية الأحداث"، فكانت الحركة تنتظر حدثًا ما لتعيد تقديم نفسها وتقييم حجمها في الشارع. وبمرور الزمن فقدت الحركة حيوية الحضور الدائم والقدرة على المبادرة والخروج من مصيدة ردة الفعل.

ويعزو بعض المراقبين للشأن الإيراني حالة الشلل التي تعيشها الحركة الخضراء إلى جملة أسباب من بينها:
– عدم وجود أي إنجاز حقيقي وملموس للحركة الخضراء خلال سنوات كفاحها يغري الجماهير بالإصغاء لها.

– نجاح النظام في اجتثاث أفكار الحركة ورجالها من مؤسسات النظام من خلال اعتماد سياسة عدم التساهل واللجوء إلى أشد أنواع التعامل الأمني, وهذا أفقد الحركة قدرة التأثير من داخل بنية النظام نفسه.

– تركيز الحركة فعالياتها وأنشطتها في العاصمة طهران وبعض المدن الكبيرة حرم الحركة من تأييد الأرياف والقرى النائية.

ويرى المراقبون أن الحركة الخضراء دخلت -منذ غَيّب النظام زعيمها موسوي بفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله عام 2011- في حالة أشبه بالغيبوبة، فلم تعد بسبب ذلك قادرة على التواصل مع زعيمها ولا إنتاج قيادة جيدة تتجاوز موسوي وتؤسس لمرحلة جديدة. ويؤكدون أن هذا التردد مثّـّل أهم نقاط ضعف الحركة الخضراء داخل إيران. 

المصدر : الجزيرة