وهم الإصلاح عند بوتين

A picture made available on 19 May 2016 shows Russian President Vladimir Putin gesturing as he speaks at a meeting with Indonesian President Joko Widodo (unseen) in Sochi, Russia, 18 May 2016. Putin hosted leaders of several nations of Southeast Asia for a Russia-ASEAN (Association of Southeast Asian Nation) summit.

عندما أشعل الفنان بيوتر بافلنسكي النار (نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) في الباب الرئيسي للوبيانكا في موسكو (مقر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي)، ومقر جهاز أمن الاتحاد السوفيتي (KGB) سابقا؛ اتهمته الدولة بتدمير "تراثها الثقافي".

ويبدو أن الاستجواب الوحشي للفنانين المشهورين على المستوى العالمي، بدءا من الشاعر أوسيب ماندلستام وحتى مدير المسرح فسيفولود هولد، هو بمثابة تراث يستحق أقوى حماية من الدولة.

وبطبيعة الحال، فإن الواقع هو أن لوبيانكا كانت أداة تدمير للتراث الثقافي الروسي؛ ولكن في عهد الرئيس فلاديمير بوتين -وهو أيضا من خريجي KGB- لم تكن الحكومة الروسية مهتمة بالواقع. إنها تفضل الازدواجية الأورويلية، والتي تعتمد على نظام مهارات الدعاية، وهي أكثر انحرافا حتى من تلك التي كانت تمارس في زمن الاتحاد السوفياتي، وتولد تفكيرا مرعبا بين المواطنين الروس.

وفي عهد جوزيف ستالين، تم تحقيق إنجازات حقيقية في المعركة الأيديولوجية ضد الرأسمالية، والتي تضمنت التصنيع والانتصار في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، لقي ماندلستام وهولد وملايين آخرون حتفهم على أيدي الشرطة السرية؛ لكن بوتين يفتقر لأي من هذه الانتصارات، باستثناء الانتصار الأجوف الذي حققه بضم شبه جزيرة القرم، في حين تضاءلت شعبيته بالمقارنة مع أعظم مآثر أسلافه، حتى اضطر لتشويه صارخ للحقائق، مدعيا أن الغرب تعمد إعاقة تقدم روسيا.

 

إن نجاح بوتين في إقناع الرأي العام الروسي بجميع مهاراته الخاصة من لعب الهوكي على الجليد إلى وجود مؤامرات غربية معادية لروسيا يعكس موهبته الحقيقية؛ فهو سيد المظاهر، تماما مثل أي ناشط جيد في جهاز أمن الاتحاد السوفياتي. وبما أن الكرملين يسيطر على جميع مصادر الأخبار الرئيسية، فالروس يستمعون لرواية الأحداث التي يريدهم بوتين أن يسمعوها، سواء كانت حول الثورة في أوكرانيا، أو احتجاجات المعارضة في موسكو، أو الحملة العسكرية في سوريا.

وحتى التحركات التي تبدو متعارضة مع أهداف بوتين – تحديدا، إبقاء الإنترنت مفتوحا- تصب لمصلحته، ومن خلال استخدام ازدواجيته المميزة في التفكير، نجح بوتين إلى حد كبير في موازنة النقد وترك استخدام الانترنت من قبل الروس كدليل على أنه مصلح.

وقصد تلميع صورته كمصلح قرر بوتين مؤخرا إعادة أليكسي كودرين وزير المالية السابق المعروف بآرائه الليبرالية، والذي كان يدعم التحديث ونقد الرئيس العرضي. ومع تعيين كودرين مسؤولا عن المركز الروسي لتطورات البحوث الإستراتيجية، قال بوتين إنه مستعد لقيادة جهود التحديث الاقتصادي التي تحتاجها روسيا بشدة. وبطبيعة الحال، فإن حكومة بوتين بمساعدة المجمع الصناعي العسكري، هي التي قامت بخنق الاقتصاد الروسي.

وبالنظر إلى هذا التناقض الصارخ، قد يتساءل المرء لماذا لا تنهار واجهة القيادة الرشيدة والفعالة لبوتين؟ يمكن العثور على تفسير لذلك على لوحة توجد على طريق روبليفسكي السريع الذي يؤدي إلى إقامة بوتين الريفية، حيث كتب عليها: "روسيا هي قوة من أجل السلام، وأمل الله الأخير على الأرض."
وتبين هذه اللوحة تحالف بوتين مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المحافظة، وتمكنه من إشعال فتيل العقيدة الدينية وحب الوطن والثقة العمياء في الدولة، بالإضافة لتوق الشركات الخاصة لكسب الود، والذي يشكل أساس قيادة بوتين.

ويحاول بوتين الآن استخدام نفس التكتيكات مع بقية العالم، كما أن عودة كودرين لها علاقة بإقناع الغرب برفع العقوبات المفروضة على روسيا في أعقاب ضمه شبه جزيرة القرم، وليس بحشد دعم الشعب الروسي الذي تؤيد غالبيته العظمى حكومة بوتين.

يجب أن يدرك قادة الغرب بدءا من الموجودين في أوروبا والذين بدأوا بالفعل بتخفيف العقوبات أن الهدف من وراء عودة كودرين هو الحفاظ على الوضع الراهن للكرملين ليس إلا؛ حيث يعتبر كودرين ركيزة مهمة يتمثل دوره في تعزيز صورة بوتين وإعطاء الانطباع بأنه "القوي المصلح".. إنه مثل "الشرطي الصالح" لبوتين، الذي يهدف إلى إقناع الغرب بأن روسيا يمكن الوثوق بها، وعلى الغرب ألا يقع في هذا الروتين المتعب.

وسيكون تحطيم واجهة بوتين داخل روسيا صعبا للغاية، فواقع الحياة هناك في تأزم صارخ؛ وبالإضافة إلى تراجع الاقتصاد، تعرض معارضو بوتين للاعتقال والسجن، وحتى الاغتيال كما جرى للصحفية بوليتكوفسكايا والسياسي بوريس نيمتسوف؛ وقد وقعت هناك هجمات متكررة على نحو متزايد على المواطنين العاديين (اقتحام المنازل، وإتلاف الممتلكات، وحتى أحكام بالسجن) لانتقاد بوتين، أو لمناهضة الكرملين، أو بسبب رسوم كاريكاتورية أو مواقع إلكترونية مناهضة للكنيسة.

ولكن في تحرك بارع لجهاز الأمن بأسلوب الاتحاد السوفياتي، يستعين بوتين بالقمع والليبرالية، حتى يبقى فوق الخلافات. تتم عمليات القمع من قبل المتطوعين الأيديولوجيين الذين نفذوا سنة 1960 هجمات على التفكير الحر للمدرسين والعلماء والفنانين والطلاب. أما الجانب الليبرالي فينهض به أمثال كودرين. وفي النهاية، لم يتغير أي شيء؛ فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2018، ستبقى صورة بوتين ماثلة، باعتباره رجلا قويا مصلحا تحتاجه روسيا على حالها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.