11 نوفمبر المصري.. إلى أين يتجه التغيير؟

جانب من احتجاجات الطلاب بجامعة الأزهر العام الدراسي الماضى

نصائح جمال الدين
الدولة العميقة من جديد
هل هناك تغيير متوقع؟

يبدو أن كثيرا من المصريين قد عزموا على المشاركة في الاحتجاجات الجديدة التي اختير الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي موعدا لها، فإضافة إلى الثوار التقليديين الذين استمروا في معارضة النظام منذ انقلاب يوليو/تمو 2013، هناك جموع ثورية أخرى متنوعة راجعت مواقفها وأعلنت مشاركتها ومعارضتها الصريحة للنظام مع تباين مواقفها من عودة نظام الرئيس محمد مرسي، ومع هؤلاء وهؤلاء جموع جماهيرية أخرى بلا انتماءات سياسية محددة تعاني من غلاء المعيشة وكارثية أداء النظام في الداخل خاصة.

نصائح جمال الدين
حين يرى إنسان كرة ضخمة من الثلج تتدحرج متجهة نحوه، فمن الطبيعي أن ينأى بنفسه عن طريقها، أو يتخذ إجراء ما يتجنب به ضررها، وأما حين يصر على البقاء في مواقعه بالرغم من معاينته للخطر، بل يساعد على تضخم هذه الكرة أكثر، فإن الأمر يكون فيه شيء غامض!

هل يراهن النظام -وفي يده العصا الغليظة- على إفشال تجمعات الجمعة القادمة بصورة أو بأخرى مع بلوغها أقصى حد ممكن لها، وفتور الناس وفقدهم الأمل في عقبها؛ فترك الناس حتى يصلوا إلى ذروة الغضب بدون طائل يجنونه، لن يورثهم -كما قد يتصور النظام- إلا الاستكانة واليأس؟

هذه تقريبا هي صورة المشهد المصري الحالي، فعلى الرغم من ترقب كثيرين لما ستأتي به تظاهرات الجمعة (11/ 11)، فقد اتخذ النظام مجموعة من الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي تزيد الاحتقان، وترفع درجة الغضب الشعبي؛ مثل قرار تعويم الجنيه، ورفع أسعار الوقود التي تؤثر بالسلب على جميع قطاعات الشعب المصري تقريبا؛ وكأنه بهذا يشجع على المشاركة في التظاهرات وتوسيع مداها.

وقد نقل أحمد جمال الدين المستشار الأمني للسيسي إليه منتصف أكتوبر/تشرين أول الماضي ملخص تقرير مهم أعدته الجهات الأمنية العليا في الدولة، وتضمن نصائح بعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تزيد السخط في الشارع المصري؛ خاصة ما يتعلق برفع الأسعار وتعويم الجنيه، بل طالب التقرير باتخاذ تدابير لتهدئة الشارع الغاضب أصلا؛ مثل القيام بتعديل وزاري مصحوب بدعاية إعلامية لتلميع صورة النظام التي اهترأت كثيرا بسبب أدائه السلبي في إدارة الدولة على مختلف الصُّعد.

ومع هذا مضى النظام في طريقه، واتخذ القرارات الصعبة، وتلوح في الأفق قرارات أخرى من هذا النوع؛ مثل رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق الذي ينقل حوالي مليوني راكب يوميا داخل أنحاء القاهرة الكبرى، وتسريح أكثر من مليون موظف حكومي. ومجرد تردد أخبار من هذا النوع مع عدم نفي الحكومة لها كاف لرفع درجة السخط الشعبي على النظام برمته.

فهل هو زمن الفرص المتاحة؟ لقد اعتبرت السياسة الدولية الظروف التي أتاحتها تطورات العقد الحالي فرصة وسط الفوضى للتدخل في الشأن العربي والمضي قدما في كثير من الخطط والخطوات المؤجلة أو التي كانت تنتظر الفرصة المواتية، فهل قاس النظام المصري حاله على حال المجتمع الدولي، واعتبر أن الحضور السهل والمعتاد هذه الأيام للجيش والقوات الأمنية في شوارع مصر كاف لردع أي احتجاجات ضده، وأن الذي تغلب على عشرات الآلاف من المحتجين في حشود عام 2013 لن يعجز عن مواجهة غيرها؟

لكن التحذيرات التي ترد إلى مكتب رئيس الجمهورية أشد تشاؤما من هذا، فهي تؤكد تقلص شعبية رأس النظام بصورة مخيفة، وأن الاحتجاج هذه المرة لن يكون سياسيا فقط، بل تدفع إليه ظروف الاقتصاد التي تدفع الناس إلى الشارع دفع اليائس، مع شعور المواطن بأنه لا فرق بين أن يبقى في بيته تقتله الأزمات وبين أن يموت برصاص الشرطة والجيش.

ما يتردد عن صراع أجنحة في داخل النظام قد يكون له نصيب من الصحة، إلا أن "صراع الدولتين" قد يكون أصدق في التعبير عن هذه الحالة؛ إذ إن من حملوا السيسي إلى سدة الحكم فعلوا ذلك لاستعادة نفوذهم الذي ذرته الرياح الثورية الطارئة

فهل يراهن النظام -وفي يده العصا الغليظة- على إفشال تجمعات الجمعة القادمة بصورة أو بأخرى مع بلوغها أقصى حد ممكن لها، وفتور الناس وفقدهم الأمل في عقبها؛ إذ إن ترك الناس حتى يصلوا إلى ذروة الغضب بدون طائل يجنونه، لن يورثهم -كما قد يتصور النظام- إلا الاستكانة واليأس؟

والنظام في هذا لا ينسى أن كل المشاهد الثورية السابقة -حتى يوم تنحية مبارك في 2 من فبراير/شباط 2011- كان الجيش فيها هو صاحب اليد العليا، ولولا أن مصلحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدت حينئذ في تنحية مبارك والقضاء على فكرة توريث الحكم لابنه، لارتكبت قواته مذبحة "رابعة العدوية" في ميدان التحرير قبل موعدها بعام ونصف.

الدولة العميقة من جديد
ثمة احتمال آخر لا يمكن استبعاده لفهم ما يجري في مصر، وهو أن نكون قد عدنا من جديد إلى صراع الدولة الظاهرة والدولة العميقة حيث لا تتمايز الخطوط، ويختلط من يعمل لصالح بقاء السيسي مع من يعمل ضده، ويقدم له النصائح من يريد توريطه فيما يؤدي إلى رفضه شعبيا بصورة لا يمكن معها بقاؤه في السلطة.

إن الخطوط التي تتحرك فيها السياسة المصرية الآن لا تبدو على توافق، فالإعلام يثني على النظام في وقت وينتقده في آخر، وبعض الشخصيات تبرز فجأة من الداخل أو الخارج وبصورة سينمائية – مثل الدكتور محمد البرادعي في تغريداته الأخيرة على تويتر– لتوجيه انتقاداتها اللاذعة لدولة 3 يوليو، وهناك محاولة لتلميع وجوه أو أخرى بصورة تبدو موجهة ومقصودة، مثل المستشار هشام جنينة.

وما يتردد عن صراع أجنحة في داخل النظام قد يكون له نصيب من الصحة، إلا أن "صراع الدولتين" قد يكون أصدق في التعبير عن هذه الحالة؛ إذ إن من حملوا السيسي إلى سدة الحكم من رجال الأعمال وقيادات الحزب الوطني والبيروقراطية المصرية فعلوا ذلك لاستعادة نفوذهم الذي ذرته الرياح الثورية الطارئة؛ وذلك بالعودة من جديد إلى كراسي البرلمان وتحقيق مصالحهم الاقتصادية والسياسية.

ومشكلة السيسي مع هؤلاء هي أنه يريد تركيز الدولة برمتها في يد الجيش، فمسئولو المؤسسات ومستشارو الهيئات الحكومية والمحافظون ورؤساء مجالس المدن أكثرهم من العسكريين، والنفوذ الاقتصادي للجيش لا ينافسه نفوذ، ويزحف من وقت إلى آخر على الفرص المتاحة للمدنيين من رجال الأعمال.

 

مما يزيد خيوط اللعبة تعقيدا أن الذين ينفقون على الإعلام غير الحكومي هم رجال الأعمال، والذين يحددون مسار الرسالة الإعلامية ومضمونها هم جهات أمنية وعسكرية متعددة مثل: الشؤون المعنوية للجيش، والأمن الوطني، وهذا التداخل هو صانع الارتباك الحاصل في المشهد المصري

ومن جهة أخرى فإن مما يزيد خيوط اللعبة تعقيدا أن الذين ينفقون على الإعلام غير الحكومي هم رجال الأعمال، والذين يحددون مسار الرسالة الإعلامية ومضمونها هم جهات أمنية وعسكرية متعددة مثل: الشؤون المعنوية للجيش، والأمن الوطني، وهذا التداخل هو صانع الارتباك الحاصل في المشهد المصري.

هل هناك تغيير متوقع؟
يبدو أن كل اللاعبين الحاليين في المشهد المصري يريدون التغيير، فالنظام الذي يطارده تاريخه القمعي وفشله السياسي والاقتصادي يريد تغييرا محدودا يجدد به صورته؛ إذ إن الدعاية الإعلامية الزائفة لم تعد كافية للخداع، إلا أن هذا لن يكون له تأثير إيجابي -حتى على المدى القريب- إلا بأن يتحقق إنجاز على الأرض يرضي الخصوم والغرماء.

ومن جهة أخرى تسعى أطراف من النظام نفسه والدولة العميقة إلى تغيير الوجوه الأبرز في الدولة واستبدال أخرى بها تطوي صفحة الثورات، وتكون أكثر قدرة على تحقيق معادلات لتسكين الوضع في مصر؛ وذلك بترك المواطن يعيش على حافة الفقر دون أن يموت صريعا له، وبصناعة معارضة أو شبه معارضة تتجاذب مع النظام أطراف العملية السياسية دون أن تحدث فيها تغييرا حقيقيا، وبتخفيف القبضة الأمنية والإفراج عن كثير من سجناء الرأي مقابل صفقة سياسية تستنسخ عهد حسني مبارك.

ومن جهتهم فإن الثوار -على اختلاف مشاربهم- يريدون دولة جديدة يعيش فيها المواطن حرا، بقطع النظر عن تبايناتهم في شكل الدولة التي يحلمون بها. ويؤخَذ على هؤلاء أمران: الأول تشرذمهم وعدم قدرتهم على الاتفاق على مبدأ الحرية الجامع، والثاني أن التنظير للمستقبل ضعيف لديهم ضعفا مضحكا، لدرجة أن كل شيء يأتيهم فجأة، فيبدؤون في البحث عن حل له تحت أرجلهم.

وأما المواطن العادي، فمع أنه قوة ضخمة ورقم لا يُستهان به، إلا أن طبيعة الشعوب عامة تجعل نظرها مركزا على مصالحها الآنية والمعيشية قبل كل شيء، وحين تجد قناعتها في قضية ما تتجه إليها بكل تضحية، وهنا تكمن مهمة من يفهم طبائع الشعوب والمجتمعات من الشرائح الاجتماعية الأكثر وعيا؛ أعني أن يوجهوا بوصلة الجماهير إلى حماية شتى حقوقها، وعدم الاكتفاء بالفتات الذي تلقيه إليها الحكومات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.