عاصمة عربية رابعة بيد إيران.. ماذا بعد؟

Yemeni Shiite Huthi anti-government rebels celebrate near a banner they hanged on a pole at an army base which they captured without resistance just hours before the signing a UN-brokered peace agreement on September 22, 2014 in the Yemeni capital, Sanaa. The hard-won deal, signed the day before by the president and all the main political parties, is intended to end a week of deadly fighting in Sanaa between the rebels and their opponents, and put the country's troubled transition back on track. The banner reads in Arabic: "God is the greatest... Death to America, death to Israel, cursed be the Jews, victory for Islam". AFP
الفرنسية


فيما يشبه الاحتفال بسقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين، قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي إن "ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية"، وإن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي باتت في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية. ولم يمض يوم على تصريحات الرجل حتى التحقت صنعاء بالفعل بشقيقاتها الثلاث.

كان واضحا منذ شهور أن قدرا كبيرا من التواطؤ يجري من أجل الوصول إلى هذه النتيجة التي تابعها العرب بكثير من الأسى يوم الأحد (21 سبتمبر/أيلول).

وفيما كان المساء يُختتم باتفاق بين أطراف العملية السياسية في اليمن من أجل تسوية مع الحوثيين، لم يوافق الطرف الأخير على الملحق الأمني من الاتفاق، ولم يكتف مقاتلوه بذلك، بل راحوا يمارسون البلطجة واللصوصية بحق خصومهم السياسيين، لا سيما الجهات والمؤسسات، بل حتى المنازل الخاصة التابعة لآل الأحمر، وللرموز التابعة للتجمع اليمني للإصلاح.

ما جرى يؤكد أن احتلالا خارجيا قد وقع للعاصمة اليمنية، فالاحتفالات التي أطلقها الحوثيون، وعمليات البلطجة، ورفض الانسحاب من العاصمة، كل ذلك أكد أنها أقرب إلى حالة احتلال منها إلى ثورة

لا حاجة لكثير فلسفة، فما جرى كان بتواطؤ من الرئيس شخصيا، لكنه كان نتاج ترتيب مع رعاة المبادرة الخليجية الأساسيين، والذين يعتبرون أولويتهم مطاردة الثورات والإسلام السياسي السنّي، بل وتلقين الشعوب درسا بليغا حتى لا تفكر في الثورة من جديد.

وللمفارقة فهم أنفسهم من أرسلوا الجنرال حفتر إلى ليبيا، وها إنه يتركها نهب الفوضى والدمار، من دون أن يتمكن من حسم الموقف، بل ولا حتى الاقتراب من ذلك في الأمد القريب، إذ مدَّ مهلة الشهر لإنجاز المهمة إلى ثلاثة شهور، فكان أن انتهت أيضا، وها إنه يمددها لستة شهور دون أفق حقيقي للحسم.

ما جرى لصنعاء في التاريخ المذكور واليوم الذي يليه كان يؤكد أن احتلالا خارجيا قد وقع للعاصمة اليمنية، فالاحتفالات التي أطلقها الحوثيون، وعمليات البلطجة، ورفض الانسحاب من العاصمة، كل ذلك أكد أنها أقرب إلى حالة احتلال منها إلى ثورة، والخطاب الإيراني هنا يثير الغثيان إذ يتحدث عن إرادة الشعب اليمني، الذي يدرك الجميع أن الحوثيين يقفون ضد غالبيته.

كان طموح إيران في تحريك الحوثيين هو الأمل في مقايضة الوضع هناك بإعادة تأهيل بشار الأسد، وهو ما كشف عنه الرئيس اليمني شخصيا، قبل أن يقبل عمليا بالصفقة التي تحجّم تيار الإصلاح، فتُرضي رعاة المبادرة الخليجية الذين اكتفوا بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، في ذات الوقت الذي ترضي طموحه في البقاء في الرئاسة بعد إضعاف القوة الرئيسة ممثلة في تجمع الإصلاح، ولا شك أن هذا الهدف هو الأكبر بالنسبة لرعاة المبادرة إياها، وبالضرورة لحليف الحوثيين الأكبر وهو علي عبد الله صالح وفلوله.

ذلك المخلوع الذي منحته المبادرة الخليجية فرصة المضي في برنامج العبث باليمن من كل ركن فيه، لكن تصريحات وزير الخارجية الإيراني -عقب لقائه سعود الفيصل في نيويورك وقوله إن "صفحة جديدة قد فتحت بين البلدين"- ما لبثت أن طرحت شكوكا حول تفاهم بين الطرفين على ما جرى على اليمن، وتساؤلا حول ما إذا كان سيشمل سوريا لاحقا أم لا؟

على أن ذلك كله لا يعني أن الحكاية قد انتهت، والأرجح أن من وقفوا خلف ما جرى لصنعاء يدركون ذلك، فالقاعدة تبدأ التحرك في اليوم التالي لاحتلال صنعاء، وتفجر أولى مفخخاتها في تجمع للحوثيين، بينما تختطف مجموعة منهم في الجنوب، ويبدو أنه وضع القاعدة في اليمن سيكرر ذات سيناريو القاعدة وتنظيم الدولة في العراق وسوريا، فكما أدت طائفية المالكي إلى إعادة الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة، فسيؤدي عدوان الحوثيين إلى منح حاضنة مشابهة للقاعدة في اليمن، وفي الحالين ضمن حرب مذهبية مدمرة.

أنظمة الثورة المضادة تفقد عقلها إذ تجعل أولويتها مطاردة الثورات والإسلاميين بأي ثمن، بينما تفقد إيران عقلها ورشدها، وتغامر بمصالحها، وتدمِّر التعايش في كل المنطقة بدعمها للعدوان في العراق وسوريا، والآن في اليمن

وكما وقفت إيران خلف سياسات المالكي الطائفية، ودفعت نحو المعارك الدائرة هناك، وكما وقفت خلف بشار وألقت بالعلويين في أتون حرب بلا أفق، صنعت في كل بيت من بيوتهم مأتما، ها هي تكرر ذلك في اليمن بتوريط الحوثيين في حرب سيدفعون ثمنها باهظا، وإن كان الثمن على كل اليمن وأهله.

أنظمة الثورة المضادة تفقد عقلها إذ تجعل أولويتها مطاردة الثورات والإسلاميين بأي ثمن، بينما تفقد إيران عقلها ورشدها، وتغامر بمصالحها، وتدمِّر التعايش في كل المنطقة بدعمها للعدوان في العراق وسوريا، والآن في اليمن، فضلا عن تغوّل حزب الله في سوريا.

إنه ربيع العرب الذي وقع بين مطرقة أنظمة الثورة المضادة، وبين سندان إيران التي وصفه مرشدها الأعلى بأنه "صحوة إسلامية"، وما لبث أن تحوّل بعد أن وصل سوريا إلى مؤامرة "صهيوأميركية"، وهو ما أدى إلى هذا النزيف البشع الذي لم يلتهم سوريا ويستنزف إيران وحزب الله وتركيا وربيع العرب فقط، بل استنزف الأمة جمعاء، ودمَّر التعايش بين أبنائها، لا سيما حين ذهبت غالبية الشيعة العرب نحو تأييد الموقف الإيراني، وأكرر غالبية، لأن هناك من لم يفعلوا ذلك.

هي معركة طويلة ومكلفة، لكنها فُرضت على هذه الأمة، وليس أمامها غير خوضها حتى النهاية، إلى أن تعود إيران إلى رشدها وتقبل بحجمها الطبيعي في المنطقة، وحتى تعود تلك الأنظمة العربية إلى رشدها أيضا وتتصالح مع شعوبها التي عرفت طريق الحرية، ولن تتراجع عنه أبدا.

وفي العموم فالثورات تمر دائما بتعرجات وانعطافات، وقد تمر بانتكاسات أحيانا، لكنها ما تلبث أن تعاود الكرة مرة إثر مرة حتى تحقق أهدافها، ولا شك أن حساسية هذه المنطقة لمصالح العالم أجمع، بوجود موارد الطاقة والكيان الصهيوني سيجعل المعركة أصعب وأطول وأكثر دموية، لكن النهاية لن تكون غير فرض الشعوب لإرادتها مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.