فرضيات إسقاط الطائرة الأردنية

بقايا الطائرة الأردنية التي اسقطها تنظيم الدولة في مدينة الرقة

الفرضية الأولى
الفرضية الثانية
الفرضية الثالثة
الفرضية الرابعة
الفرضية الخامسة

اتسمت العلاقة الأردنية مع التنظيمات الإسلامية المتشددة -وعلى رأسها تنظيم القاعدة- بالعداء المزمن خاصة أن بعض الرموز القيادية في ذلك التنظيم هم أردنيون ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، وكذلك فإن أهم المنظرين البارزين للتنظيم أمثال أبو قتادة وأبو محمد المقدسي وأبو سياف وغيرهم كثر هم أردنيون، ولديهم مواقفهم الرافضة للسياسة الأردنية، لذلك كان الأردن ولا يزال ضمن دائرة استهداف تلك الجماعات.

نجحت تلك التنظيمات بإحداث اختراقات متباينة التأثير على الأمن الوطني الأردني، كان أبرزها حادثة تفجير الفنادق الشهيرة في عمان في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، قابل ذلك الاختراق نجاح الأجهزة الأمنية الأردنية في اختراق تلك التنظيمات المتشددة من خلال تبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية العالمية، مما مكن الأميركيين من الوصول إلى أبو مصعب الزرقاوي وغيره كما ذكرت العديد من التقارير.

ألقت تلك العلاقة بظلالها على الموقف الأردني والسياسة الأردنية تجاه تلك التنظيمات، مما أدى إلى أن يكون الأردن إحدى الدول الفاعلة في بناء التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإحدى الدول المشاركة في الحملة الجوية عليه في سوريا، وضمن القدرات العسكرية المتاحة لها.

استفاق العالم صباح 24 من هذا الشهر على خبر إسقاط إحدى طائرات التحالف بصاروخ حراري أطلقه تنظيم الدولة وأسر قائدها، ليتبين لاحقا أن الطائرة أردنية، وبعد ما يقارب 24 ساعة صرح الناطق العسكري للقيادة المركزية الأميركية بأن تنظيم الدولة لم يسقط الطائرة، ولكنه لم يحدد سبب السقوط، مما يبقي باب التكهنات والتحليلات مفتوحا، وهذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

تتعدد الفرضيات الكامنة وراء سقوط الطائرة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

الصواريخ قصيرة المدى هي صواريخ حرارية تصيب الطائرة غالبا في الجزء الخلفي (منطقة العادم) وتكون الإصابة مباشرة، مما يؤدي إلى تحطم الطائرة وتناثرها إلى قطع صغيرة الحجم، وهو ما يتناقض مع ما شاهدناه من حطام الطائرة والتي انشطرت إلى أجزاء كبيرة

الفرضية الأولى: إسقاط الطائرة بصاروخ حراري قصير المدى (صاروخ ستينغر الأميركي أو صاروخ سام7 أو صاروخ إيغلا السوفياتي الصنع)، وجميعها يمتلكها تنظيم الدولة كما ذكرت العديد من التقارير بعد أن سيطر على مطار الطبقة العسكري السوري ومدينة الموصل العراقية، وعلى قسم كبير من مستودعات الجيش العراقي الواقعة في المحافظات السنية الأربع، ومستودعات الجيش الحر الواقعة على مقربة من الحدود التركية.

نفى الناطق العسكري باسم القيادة المركزية الأميركية بناء على المعلومات المتوفرة لديهم أن الطائرة الأردنية لم تسقطها الدفاعات الجوية لتنظيم الدولة، ولكنه لم ينف امتلاك تنظيم الدولة هذه الصواريخ، علما أن تقارير أميركية سابقة أشارت الى احتمال امتلاك التنظيم هذه الصواريخ.

إضافة إلى تصريح الناطق الأميركي، فإن صواريخ قصيرة المدى هي صواريخ حرارية تصيب الطائرة غالبا في الجزء الخلفي (منطقة العادم) وتكون الإصابة مباشرة، مما يؤدي إلى تحطم الطائرة وتناثرها إلى قطع صغيرة الحجم، وهو ما يتناقض مع ما شاهدناه من حطام الطائرة والتي انشطرت إلى أجزاء كبيرة.

يضاف إلى ذلك أن صواريخ قصيرة المدى لا تعطي الطيار فترة إنذار كافية ليقفز بالمظلة، وهذا ما لم يحدث مع الطيار الكساسبة، كما أن التعليمات الصادرة من قيادة التحالف تمنع الطيارين من الطيران على علو منخفض، وإذا كانت الطائرة على ارتفاع منخفض فإن ذلك يعني ارتكاب خطأ بشري، وهو مخالفة التعليمات، يقود ذلك إلى الاعتقاد أن إعلان تنظيم الدولة ليس أكثر من استغلال حادث سقوط الطائرة الأردنية لأغراض دعائية يعلن من خلالها عن قدرات عسكرية جديدة تجبر دول التحالف على مراجعة إستراتيجيتها العسكرية، وربما إجبار بعض دول التحالف على مراجعة سياستها تجاه تنظيم الدولة وإجبار بعضها على الانسحاب من التحالف الدولي تحت ضغط الشارع الخائف على أبنائه الطيارين، خاصة في الدول الديمقراطية.

الفرضية الثانية: إسقاط الطائرة بصاروخ متوسط المدى أو بعيد المدى (صواريخ رادارية)، وهذه الصواريخ لا يمتلكها تنظيم الدولة، ولكنها متوفرة لدى الجيش السوري، ولو تم إطلاق ذلك الصاروخ لتوفرت معلومات أولية لدى القيادة المركزية الأميركية والتي قد يتم التحقق منها لاحقا بعد إجراء عمليات التحليل المعمق لصور الأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع الأميركية، والتي يفترض أنها تغطي منطقة العمليات على مدار الساعة.

كما أن الصواريخ الرادارية تتشظى إلى آلاف الشظايا التي تصيب جسم الطائرة وتسقطها، كما أنها تترك آثارا واضحة على جسم الطائرة من تلك الشظايا، وهو ما لم نشاهده على قطع حطام الطائرة التي رأيناها على اليوتيوب على الأقل.

الفرضية الثالثة: قد يبدو هذا الافتراض غير واقعي، ولكن التجارب أثبتت إمكانية حدوثه تاريخيا عندما تعمل تشكيلات طيران متعددة في منطقة عمليات واحدة فإن عمليات التنسيق بينها لن تكون فاعلة بدرجة الفاعلية نفسها لتشكيلات الطيران العائدة لدولة واحدة، لأسباب عديدة منها: اختلاف اللغة، واختلاف العقيدة القتالية، وتباين أساليب التدريب، وتباين القدرات القتالية للطائرات والطيارين، والفجوة التقنية بين تلك الطائرات، فبعضها ينتمي للجيل الثاني فيما معظمها ينتمي للجيل الثالث.. إلخ.

وهذا قد يؤدي إلى احتمال حدوث أخطاء في مرحلة اختيار الأهداف وتخصيصها وتوقيت مهاجمتها، مما يفتح مجال الاحتمال أن إحدى الطائرات أطلقت صاروخ جو أرض، فيما كانت الطائرة الأردنية ضمن دائرة الخطر، ونتج عن ذلك إنذار الطيار مباشرة من خلال جهاز الإنذار في الطائرة، مما دفعه للقفز المباشر بالمظلة.

 أجد أن الفرضيات الأكثر احتمالا هما الفرضيتان الرابعة والخامسة: خطأ فني أو خطأ بشري، أو تداخل كلا الخطأين أجبر الطيار على القفز بمظلته محاولا النجاة بنفسه، ولكنه سقط في منطقة تابعة لتنظيم الدولة التي قامت بأسره

الفرضية الرابعة: سقوط الطائرة نتيجة خلل فني، وهذا الافتراض ينقسم إلى قسمين: خلل فني رئيسي كنشوب حريق في المحرك أو توقفه عن العمل بصورة مفاجئة، خاصة أن الطائرة ف16 مزودة بمحرك واحد، وهذا النوع من الأعطال لا يعطي الطيار فرصة القفز بالمظلة غالبا، وهذا ما لم يحدث.
والنوع الآخر من الأعطال الفنية يظهر على شاشة الإنذار، ويخضع لتقييم الطيار ومدى السماح له بإجراء المناورة المطلوبة للخروج من منطقة الخطر، خاصة أنه من المفترض أن منطقة الخطر -وهي المنطقة التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة- معروفة للطيار.

الفرضية الخامسة: وهي تقع في إطار الخطأ البشري، وهذا حدث ولا يزال يحدث مع الطيارين حتى من ذوي الخبرة الطويلة، وهذه الاحتمالية يعرفها الطيارون جيدا ويتم تدريبهم عليها، خاصة أن العديد من أجهزة الطائرة ذات المهام المختلفة تقع بجانب بعضها، وهذا ما يعرفه الطيار الأسير وسيجيب عنه إذا فك أسره.

مما تقدم أجد أن الفرضيات الأكثر احتمالا هما الفرضيتان الرابعة والخامسة (خطأ فني أو خطأ بشري)، أو تداخل كلا الخطأين أجبر الطيار على القفز بمظلته، محاولا النجاة بنفسه ولكنه سقط في منطقة تابعة لتنظيم الدولة التي قامت بأسره.

أعلن الأردن -وعلى لسان الناطق الإعلامي- أن سقوط الطائرة لن يغير في الإستراتيجية الأردنية المتبناة ضد تنظيم الدولة، وأنه سيستمر في محاربة الإرهاب بكافة طاقاته، وهذا الموقف سينسحب على بقية الدول المشاركة في الحملة العسكرية غالبا.

غير أن ذلك يفرض إجراء مراجعة شاملة للإستراتيجية العسكرية لرفع مستوى التنسيق بين الدول المشاركة وآلية تحديد الأهداف لتتناسب والقدرات الفنية للطائرات وتوقيت مهاجمتها، ورفع مستوى جاهزية الطائرات المشاركة وآلية انتقاء الطيارين، وإعداد قائمة جديدة للتحديات المستجدة وتدريب الطيارين على كيفية مواجهتها.

وسيبقى ذلك الحادث في نظر المخططين الإستراتيجيين وصناع القرار حادثا متوقعا حدوثه، ويمكن أن يتكرر مستقبلا دون التأثير على جوهر الإستراتيجية العسكرية المعتمدة لدى دول التحالف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.