ناخبون حذرون في البرازيل

A worker prepares an electronic voting machine at the electoral tribune in Brasilia September 24, 2014. The first round presidential election will take place across Brazil on October 5, 2014. REUTERS/Ueslei Marcelino (BRAZIL - Tags: POLITICS ELECTIONS)
رويترز

كانت البرازيل في دائرة الضوء العالمية هذا العام، ولم يكن ذلك لأسباب صحيحة دوما، ففي أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت في عام 2013 بشأن المبالغ الضخمة المصروفة على بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2014، استمرت الاحتجاجات حتى أثناء البطولة في يونيو/حزيران.

وكانت هناك تكهنات كئيبة -تبين في نهاية المطاف أنها لم تكن في محلها- حول أوضاع فوضوية يعيشها المشاركون في البطولة، ثم بالطبع الأداء الكارثي الذي قدمه الفريق الوطني.

وتأتي تكاليف ذلك المهرجان الكروي في وقت تعاني فيه البلاد من تباطؤ اقتصادي مستمر. وقد استنتج العديد من المحليين أن فقاعة البرازيل قد انفجرت، وأن "دولة المستقبل" المزعومة سوف تظل عالقة في الحاضر.

يؤثر عدم اليقين الاقتصادي بشكل درامي على السياسة البرازيلية، حتى إن الحملة الانتخابية التي كانت ذات يوم هادئة، ويمكن التنبؤ بنتائجها، تحولت إلى حالة من الفوضى بسبب وفاة المرشح الاشتراكي البرازيلي إدواردو كامبوس في أغسطس/آب الماضي

ويؤثر عدم اليقين الاقتصادي أيضا بشكل درامي على السياسة البرازيلية. حتى إن الحملة الانتخابية التي كانت ذات يوم هادئة، بل وحتى يمكن التنبؤ بنتائجها، تحولت إلى حالة من الفوضى بسبب وفاة مرشح الحزب الاشتراكي البرازيلي إدواردو كامبوس في حادث سقوط طائرة في أغسطس/آب الماضي.

وفي محله ترشحت زميلته في الحملة مارينا سيلفا، التي خاضت الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات ببرنامج أخضر ومحافظ اجتماعيا ولكنه مؤيد للديمقراطية بقوة، والتي حصلت على عشرين مليون صوت. والواقع أن ارتباطاتها بالكنائس الإنجيلية الضخمة في البرازيل، وعدم رغبتها في الانفصال عن هذه الكنائس في ما يتصل بقضايا مثل الإجهاض وزواج المثليين وسياسة المخدرات، تدفع العديد من الناخبين إلى الابتعاد عنها. ولكنها رغم هذا تمكنت من التفوق بسرعة على اسيو نيفيس، مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي، لكي تصبح المنافس الرئيسي لديلما روسيف، الرئيسة الحالية ومرشحة حزب العمال.

ويبدو أن الاحتكام إلى جولة إعادة بين السيدتين بعد الجولة الأولى في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول أمر لا مفر منه، حيث لم تحصل أي منهما على نسبة تقرب من 50% من الأصوات في استطلاعات الرأي.

الواقع أن روسيف تواجه برغم كفاءتها وصرامتها نوعا من إجهاد الناخبين بعد 12 عاما من حكم حزب العمال، والذي سيتذكره كثيرون، وربما بشكل غير عادل، بفضائح الفساد وخسارة فريق كرة القدم الوطني بسبعة أهداف مقابل هدف واحد أمام ألمانيا في بطولة كأس العالم لكرة القدم هذا العام. ولكن سجل الحكومة الاقتصادي الكئيب على مدى السنوات الأربع الماضية هو السبب وراء أكبر المشاكل التي تواجه حملة روسيف.

وفي الوقت نفسه، لن تتمكن سيلفا من الفوز بجولة الإعادة في غياب التأييد المتحمس والمقنع من جانب نيفيس والحزب الديموقراطي الاجتماعي البرازيلي. ومن حسن حظ سيلفا أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي ينتقد إدارة حزب العمال بشدة، وخاصة السياسة الخارجية التي انتهجها لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، سلف روسيف. وقد عارض الدبلوماسيون المتحالفون مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي ومسؤولون كبار سابقون بكل قوة دعم حزب العمال للأنظمة الاستبدادية في أميركا اللاتينية (وخاصة في كوبا وفنزويلا)، وإصراره العقيم على الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، واحتضانه المفرط لمواقف عدم الانحياز ومعاداة الإمبريالية.

وانتصار سيلفا من شأنه أن يبشر بتغيير في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء. ولكن لعل التأثير الأكبر لانتصار سيلفا يكون ثقافيا، فبرغم أنها لن تكون أول رئيسة امرأة (كسرت روسيف الحاجز بين الجنسين قبلها) أو الأولى من أصول متواضعة (كسر لولا ذلك الحاجز أيضا من قبل)، فإنها ستكون أول خلاسية ــ أدكن بشرة من الزعماء السياسيين البرازيليين التقليديين ــ تتولى هذا المنصب.

وتماما كما أشار انتخاب لولا في عام 2002 إلى بحر من التغيير في مجتمع حساس طبقيا، فإن انتخاب سيلفا من شأنه أن يزعزع أركان النظام العنصري في البلاد، بل والقارة بأسرها، حيث لم يتم استئصال العنصرية بعد، ففي بلد كان يتفاخر بطبيعته غير العنصرية المفترضة، لم يظهر أي سياسي معتبر من أصل أفريقي برازيلي منذ قرن من الزمان.

رغم أنها لن تكون أول رئيسة امرأة (كسرت روسيف الحاجز بين الجنسين قبلها) أو الأولى من أصول متواضعة (كسر لولا ذلك الحاجز أيضا من قبل)، فإن سيلفا ستكون أول خلاسية تتولى هذا المنصب

ولكن على الرغم من حالة الانفعال التي أثارها ترشحها فإن سيلفا من غير المرجح أن تفوز، فمنذ تحول أميركا اللاتينية إلى الديمقراطية في ثمانينيات القرن العشرين، لم يخسر سوى اثنين من الرؤساء الشاغلين لمناصبهم، دانييل أورتيجا في نيكاراجوا (والذي لم يكن منتخبا حقا في المرة الأولى) وهيبوليتو ميخيا في جمهورية الدومينيكان، في حين فاز أكثر من عشرة رؤساء شاغلين لمناصبهم بولاية ثانية، ديمقراطيا بدرجة أو أخرى.

الواقع أن الميزة التي يتمتع بها شاغل المنصب في أميركا اللاتينية تدين بالكثير للقوانين المتراخية التي تفشل في تقييد استخدام الحكومة لأجهزة الدولة لأغراض الحملات الانتخابية، فبفضل اتساع مجال إساءة استخدام السلطة، والأموال العامة، ووسائل الإعلام، وأغلب مؤسسات الدولة المتاحة لصالح الرئيس الشاغل لمنصبه، يكاد يكون من المستحيل إلحاق الهزيمة بهم في الانتخابات.

لعل الأمر في نهاية المطاف أن البرازيليين على غير يقين من سلامة اختيارهم تسليم السلطة إلى سيلفا، التي تحولت إلى ظاهرة إعلامية ولكنها تظل تشكل كما غير معلوم. والأرجح أن يعاد انتخاب روسيف، ولا يرجع هذا إلى سجلها القوي بقدر ما يرجع إلى خوف الناخبين من غير المألوف.

وهو أمر مؤسف حقا، فأغلب المنافسين السياسيين للحاكم القائم يبدو أنهم غير مؤهلين لهذا المنصب الرفيع إلى أن يثبتوا العكس بعد وصولهم إلى السلطة، ولكن البرازيليين قد يشعرون أنهم كسروا بالفعل ما يكفي من الحواجز والمحرمات السياسية في الأعوام الأخيرة، وأن انتخاب سيلفا ربما يشكل إفراطا في كسر الحواجز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.