سوريا ومقاربة الحظر الجوي

سوريا ومقاربة الحظر الجوي - الكاتب: عبد الجليل زيد المرهون

undefined

أولاً: الحظر الجوي حرب فعلية
ثانياً: غياب مبررات الحظر الجوي
ثالثاً: خطر الانجرار للحرب الإقليمية

في السابع عشر من يونيو/حزيران 2013، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إنه لا يوجد مسوّغ إنساني لإقامة منطقة حظر جوي على أجزاء من سوريا. ورأى أن مقاربة من هذا القبيل من شأنها دفع الأوضاع الإنسانية إلى مزيد من التعقيد.

أولاً: الحظر الجوي حرب فعلية   
إن موقف الرئيس أوباما، واستنتاجاته بشأن منطقة الحظر الجوي، وغياب مبرراتها الإنسانية، يكشف عن إدراك واضح للعواقب السلبية لهذه المقاربة، بما هي شكل من أشكال الحرب الفعلية. ويؤكد هذا الموقف على رؤية حذرة تتحاشى الانجرار إلى خيارات غير محسوبة، قد تنتهي بانفجار أمني واسع في الشرق الأوسط، يتجسد في حرب إقليمية، يصعب التكهن باتجاهاتها.  

وبصورة أكثر تحديداً، يُمكن القول إن الوضع في سوريا الراهنة قد يقود إلى حرب إقليمية بطرق مختلفة، منها تحوّل قضية اللاجئين إلى معضلة خارجة عن نطاق السيطرة، والتدخل العسكري الخارجي المباشر، وإقامة منطقة حظر جوي فوق جزء من ترابنا الوطني.

الوضع في سوريا الراهنة قد يقود إلى حرب إقليمية بطرق مختلفة، منها تحوّل قضية اللاجئين إلى معضلة خارجة عن نطاق السيطرة، والتدخل العسكري الخارجي المباشر، وإقامة منطقة حظر جوي فوق جزء من التراب السوري

إن قضية الحظر الجوي، على وجه التحديد، قد جرى الحديث عنها، في الفترة الأخيرة، في وسائل الإعلام، في صورة تسريبات، نسبت إلى مصادر دبلوماسية، لم تُفصح عن هويتها، حتى جاء النفي الحاسم والنهائي من الرئيس أوباما.

والسؤال هو: لماذا تقود منطقة الحظر الجوي إلى عواقب وخيمة، قد تعبر عن نفسها في صورة حرب إقليمية؟

دعونا بداية نتحدث عن منطقة الحظر الجوي ذاتها.
يقصد بمنطقة الحظر الجوي، من الناحية التقنية، منع تحليق الطائرات والمروحيات في أجواء منطقة جغرافية، يجري تحديدها وفقاً لخطوط الطول والعرض.

ومن الزاوية السياسية، تعني منطقة الحظر الجوي إلغاء، أو تعطيل، السيادة الوطنية لدولة ما على جزء من أراضيها، إذ إن مفهوم السيادة لا يرتبط بسطح الأرض فقط، بل كذلك بباطنها وسمائها.

وعلى الصعيد العسكري، تشير منطقة الحظر الجوي إلى ترتيبات يجري في إطارها نصب  بطاريات صواريخ أرض جو، تستهدف حركة الطائرات والمروحيات في حيز جغرافي محدد.

كما يجري استهداف هذه الحركة من خلال طائرات اعتراضية وطائرات اشتباك جوي. كذلك، تعني منطقة الحظر الجوي، من الزاوية العسكرية، استهداف منظومات الدفاع الجوي، وقصف القوات المعنية بهذا الدفاع، وتدمير القواعد الجوية ذات الصلة، وشل منظومة القيادة والسيطرة، واختراق شبكة الاتصالات، وبث التشويش الإلكتروني. 

وعلى الصعيد القانوني، تشير منطقة الحظر الجوي إلى "حالة حرب"، بين الدولة أو الدول المنفذة، أو الراعية أو الداعمة، للحظر، والدولة المستهدفة، أي تلك التي تعتبر المنطقة المعنية جزءاً من ترابها الوطني. 

ويتمثل الاستثناء القانوني، الذي لا يشير إلى حالة حرب، في مناطق الحظر الجوي المتفق عليها بالتراضي بين الدول. 

في المجمل، هناك نوعان من مناطق الحظر الجوي: الأول، ذلك الذي يجري الاتفاق عليه بين دولتين متجاورتين كجزء من ترتيبات إنهاء الاشتباك، أو فصل القوات، بعد حرب أو نزاع مسلح.

وعادة ما تكون منطقة الحظر في هذه الحالة واقعة بالتساوي على جانبي الحدود، ولا تجري في إطارها عمليات عسكرية، أو حالة تأهب، أو وجود لطرف ثالث يستهدف فرضها بالقوة. وقد تقيم في هذه المنطقة قوات حفظ سلام، تعنى بمراقبة طيف كبير من القضايا الأمنية.

النوع الآخر من مناطق الحظر الجوي، هو ذلك الذي يجري فرضه لإقامة حواضر أو ممرات إنسانية، تعقب حالة نزوح بشري هائل، تخلفها ظروف نزاع عسكري كبير، ولا يكون أمام المدنيين سبيلاً لمغادرة مواقع النزاع إلى مدن أو أحياء، يضمنون فيها عدم تعرضهم للفناء.

وهذا النوّع من مناطق الحظر الجوي يجري تبنيه بعد تشخيص سياسي وأمني، ويفرض بقرار من مجلس الأمن الدولي، وتتولى تنفيذه قوة عسكرية، ذات تفويض واضح، وقواعد اشتباك محددة، تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن دولاً كبرى، أو أحلافاً إقليمية، قد تبادر من تلقاء ذاتها لفرض منطقة حظر جوي على رقعة جغرافية محددة، في دولة خاضت معها نزاعا عسكريا، وتمكنت من هزيمتها. 

ثانياً: غياب مبررات الحظر الجوي
فيما يرتبط بالوضع في بلادنا، كان آخر حديث قد دار حول احتمال فرض منطقة حظر جوي   بالقرب من الحدود الأردنية.

ومثل هذا السيناريو يعني أن الأردن كان سيجد نفسه عملياً في حالة حرب مع سوريا. وهو سيكون كذلك أيضاً بالتعريف القانوني البحت، لكونه شريكا للدول أو الأحلاف التي ستنفذ الحظر، عبر صواريخ مضادة للجو، وطائرات اعتراضية، ومقاتلات اشتباك جوي وقاذفات، سوف تتمركز لهذا الغرض في مواقع محددة داخل أراضيه ومطاراته وقواعده الجوية.

حل معضلة المدنيين لا يرتبط بإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا, أو في أي جزء آخر منها، بل بتعزيز جهود الإغاثة الإنسانية والدعم الحياتي بأشكاله المختلفة

وقبل أكثر من عام، كانت عدة تقارير قد تحدثت عن احتمال فرض حظر جوي على بعض المناطق السورية, وجرت الإشارة على وجه الخصوص إلى منطقة إعزاز. وتعززت التكهنات حينها بوضع حلف شمال الأطلسي (ناتو) صواريخ باتريوت الاعتراضية على الجانب التركي من الحدود. 

إن مبدأ إقامة منطقة حظر جوي على أي من مناطق الوطن يواجه اليوم العديد من التساؤلات، على صعيد الجدوى والمبررات، والثمن الذي يُمكن دفعه.

ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإن إقامة مثل هذه المنطقة كان يمكن أن يجد مبرراته في غياب ملاذ آمن للمدنيين، يبتعدون به عن مسار القتال الطاحن والعنيف. بيد أن هذا ليس هو واقع الحال في سوريا اليوم.

إن غالبية المدنيين من أبناء الشعب السوري, الذين فروا من المعارك الطاحنة في مناطقهم، قد تمكنوا في نهاية المطاف من العثور على أماكن بديلة يقيمون فيها داخل الوطن، كما تمكنت جموع غفيرة منهم من اللجوء إلى الدول المجاورة، ودول أخرى عديدة حول العالم.  

إن القضية لم تكن، في يوم من الأيام، مرتبطة بالعثور على مكان للإقامة في الداخل أو الخارج، بل في توفير متطلبات الإغاثة والرعاية الكافية. هذا هو التحدي الذي ظل يواجه ملايين النازحين داخلياً، كما اللاجئين في دول الجوار.

وحل هذه المعضلة لا يرتبط بإقامة منطقة حظر جوي في شمال البلاد، أو في أي جزء آخر منها، بل بتعزيز جهود الإغاثة الإنسانية والدعم الحياتي بأشكاله المختلفة. وهذه مسؤولية عامة يجب أن يتحملها الجميع، داخل الوطن وخارجه.

إن البيانات الجديدة للأمم المتحدة، التي تم نشرها في يونيو/حزيران من العام 2013، تشير إلى عودة مستمرة للاجئين من دول الجوار إلى مناطقهم الأصلية، أو مناطق أخرى داخل الوطن، بالتزامن مع تناقص معدلات النزوح إلى الخارج. 

وتفيد الأمم المتحدة بأن عدد اللاجئين الذين يغادرون الأردن عائدين إلى الوطن قد ارتفع في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، ووصل إجمالي العائدين إلى ستين ألف لاجئ.

وتشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أسباب عديدة للعودة، منها تحسن الأوضاع الأمنية في عدد من البلدات والممرات الحدودية، والتئام الأسرة مع باقي أفرادها في داخل الوطن.

كذلك، شهدت تركيا عودة طوعية لأسر لاجئة، وخاصة إلى إدلب وريفها. وينطبق الأمر ذاته، على اللاجئين في صحراء الأنبار بالعراق، الذين عاد عدة آلاف منهم إلى دير الزور.

وعليه، لا يُمكن القول بوجود مسوّغ إنساني لإقامة منطقة حظر جوي من وجهة نظر القانون الدولي. وهذا هو البعد الأول في إشكالية المقاربة.

ثالثاً: خطر الانجرار للحرب الإقليمية
البعد الآخر، يتمثل في إمكانية أن تتسبب منطقة الحظر الجوي في اندلاع حرب سافرة بين دمشق والدول المنفذة والميسرة لهذا الحظر. وهي حرب لن تلبث -في حال نشوبها- أن تتحول إلى حرب إقليمية مدمرة، قد يكون شعبنا أول المتضررين منها.

إن الأمر الذي يُمكن الجزم به الآن، هو أن أية حرب تقع سوف تتحول إلى حرب إقليمية، تشترك فيها، بصورة مباشرة، ما بين ست إلى عشر دول، وقد يتورط فيها أيضاً حلف شمال الأطلسي.
وسوف تتسبب هذه الحرب -في حال اندلاعها- بقتل جموع غفيرة من البشر، وتشريد جموع أخرى داخل دولهم وخارجها. 

مختلف السيناريوهات المتوقعة لأي حرب إقليمية، في هذه المنطقة الحساسة، لا تشير في جوهرها سوى إلى حرب عالمية مصغرة، تتورط فيها دول كبرى، بما فيها بلدان أوروبية

وفي هذه الحرب سوف تدمر أجزاء كبيرة من سوريا وإسرائيل والأردن ولبنان، ودول أخرى في المنطقة. وسوف تتساقط القذائف والصواريخ من على بعد آلاف الكيلومترات، وستغلق مضايق وممرات ملاحية مختلفة، وسيدخل العالم في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

إن مختلف السيناريوهات المتوقعة لأي حرب إقليمية، في هذه المنطقة الحساسة، لا تشير في جوهرها سوى إلى حرب عالمية مصغرة، تتورط فيها دول كبرى، بما فيها بلدان أوروبية.

إن هذه الحرب يجب ألا تقع، لأن أحداً لن يكون بوسعه السيطرة على اتجاهاتها. ومن هنا، لا بد من توخي الحذر في مقاربة الأوضاع السائدة، وعدم التورط في خيارات غير محسوبة العواقب، كالتدخل العسكري المباشر، أو إقامة منطقة حظر جوي فوق أي جزء من بلادنا، لأن هذه الخيارات من شأنها أن تجعل من شبح الحرب الإقليمية حقيقة واقعة.

وختاماً، على القوى المختلفة أن تدرك أن هذه المنطقة قد عانت كثيراً من ويلات الحروب المدمرة. وقد آن الأوان للبحث عن مقاربات تضع في طليعة اعتباراتها سلامة الشعوب وأمنها. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.