زوابع صواريخ سكود المفتعلة

زوابع (سكود بي) المفتعلة - علي بدران



تعمية المناخات وإثارة الضباب المصطنع
تكتيك خلط الأوراق

استهداف استقرار لبنان
استرجاع دور الضحية

مرة جديدة، تقرع "إسرائيل" طبول الحرب، وتطلق صيحات الوعيد والترهيب تارة ضد الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، وتارة ضد لبنان، وتارة ضد سوريا. ويترافق هذا الوعيد الإسرائيلي في تواتره الصوتي مع تحركات سياسية أميركية متتالية لإعادة الطرفين الفلسطيني/الإسرائيلي لطاولة المفاوضات، عبر تقديم اقتراحات مستنسخة (قديمة/جديدة) عبر عنها السيناتور جورج ميتشل باقتراحات محددة في زيارته الأخيرة للمنطقة.

ووصلت المواقف الإسرائيلية التوتيرية إلى حدود عالية من التصعيد اللفظي، بل وذهب بعض قادة "إسرائيل" أكثر من ذلك بتهديد سوريا بلغة فاشية متخمة مستعارة من قاموس النازية الهتلرية بعبارة فتاكة بـ (إعادتها إلى العصر الحجري)، وكل ذلك تحت عنوان قيام سوريا بتوريد صواريخ (سكود ـ بي) إلى حزب الله اللبناني. وهو ما استتبع مواقف سورية واضحة وفصيحة وواثقة، على لسان وزير الخارجية وليد المعلم الذي دعا "إسرائيل" للكف عن التهديدات ولعب دور الزعران في المنطقة.

وعليه، فقد جاءت المعلومات الإسرائيلية الأخيرة المتواترة بشأن الترسانة الصاروخية لحزب الله، وبشأن التوريدات السورية لصواريخ (سكود -بي) في سياقات مدروسة لأغراض سياسية، نتناولها في القراءة التالية.

تعمية المناخات وإثارة الضباب المصطنع
ففي زوبعة جديدة أثارتها الدولة العبرية الصهيونية، دون مقدمات، ودون حيثيات ملموسة، كرت سلسلة الاتهامات الإسرائيلية ومعها الأميركية لسوريا بشأن تزويدها حزب الله اللبناني بصواريخ أرض/أرض من نوع (سكود ـ بي) وعرباتها المتحركة الضخمة التي تقف على عجلات وتدعمها مركبات إسناد روسية الصنع، والتي يبلغ طولها أحد عشر متراً ومداها الأقصى 300 كيلومتر، علماً أن بعض طرازات هذه الصواريخ قد يتجاوز مداه 500 كيلومتر (سكود ـ سي).

"
الاتهامات الإسرائيلية التي طالت سوريا بخصوص توريد صواريخ (سكود ـ بي) إلى حزب الله اللبناني، افترقت هذه المرة عن سابقاتها التي كانت تتحدث عن إرساليات الأسلحة دون التطرق للسلاح الصاروخي المتطور من النوع إياه
"

ولكن الجديد في الأمر أن الاتهامات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت سوريا بخصوص توريد صواريخ (سكود ـ بي) إلى حزب الله اللبناني، افترقت هذه المرة عن سابقاتها التي كانت تتحدث عن إرساليات الأسلحة لحزب الله من إيران وعبر سوريا، دون التطرق للسلاح الصاروخي المتطور من النوع إياه.

وقد عمد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز شخصياً قبل غيره في مقابلة صحفية عشية زيارته إلى باريس في منتصف أبريل/ نيسان إلى اتهام سوريا بالعمل على تغيير قواعد اللعبة في لبنان والمنطقة بتزويد حزب الله بصواريخ (سكود ـ بي)، ولم يترك شمعون بيريز هذا الأمر للمسؤولين في "الجيش الإسرائيلي" أو لأي من القادة أو الناطقين باسم أذرع "الاستخبارات" المعروفة في إسرائيل (شين بيت/الشاباك، الموساد/المخابرات الخارجية، جهاز آمان/المخابرات العسكرية) لتقديم أدلة على هذا الادعاء، بل تفوه بها في سياقات سياسية واضحة وصارخة، سرعان ما تبناها بعض المسؤولين الأميركيين، وبعض وسائل الإعلام الأميركية والغربية المحسوبة على اللوبي الصهيوني.

لكن الوقائع إلى الآن، وتقديرات غالبية المتابعين بمن فيهم العديد من صناع القرار في تل أبيب وواشنطن، تجعلنا نذهب نحو التشكيك بصحة المعلومات المتعلقة بهذا الشأن، كما شكك بذلك الجنرال (ألبرتو أسارتا كوي باس) قائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) صاحب العين الساهرة في مقره الكائن في بلدة رأس الناقورة على النقطة الحدودية الفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة عام 1948، الذي أكد بأن لا صواريخ (سكود ـ بي) في الجنوب اللبناني.

وأكثر من ذلك، إن صواريخ (سكود ـ بي) ليست صواريخ من نوع (كاتيوشا) التي تحمل على الكتف، أو كالصواريخ التي تطلق من منصات صغيرة سهلة التحريك أو النقل من منطقة إلى منطقة كصواريخ (غراد) الروسية المعروفة، بل تحتاج لنقل على عربات طويلة، ويحتاج كل صاروخ منها إلى أكثر من (45) دقيقة لتجهيزه للإطلاق، وبالتالي فإن عملية نقله ليست لعبة بل عملية كبيرة جداً.

ومن هنا، فإن إمكانية نقل صواريخ (سكود ـ بي) إلى لبنان سواء عن طريق سوريا أو غير سوريا مسألة غاية التعقيد والصعوبة، ولا تتناسب أيضا مع جغرافيا لبنان المحدودة المساحة، وهو ما يكذب الادعاءات الإسرائيلية.

عدا أن صواريخ (سكود ـ سي) و (سكود ـ بي) لا يمكن لها أن تغير المعادلة جذرياً عما كانت عليه قبل أربع سنوات على سبيل المثال، ولكنها تعني مجدداً أن بإمكان حزب الله والمقاومة في لبنان استهداف أي مكان داخل مناطق الدولة العبرية على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، كما استهدف العديد من المدن شمال فلسطين المحتلة إبان حرب يوليو/ تموز 2006 بصواريخ أرض/ أرض من طراز مغاير.

تكتيك خلط الأوراق
إن معظم التقديرات والتحليلات تنحو للقول بأن إسرائيل وحكومة نتنياهو تريد الآن من إثارة زوابع توريدات الصواريخ المزعومة تحقيق جملة من الأغراض السياسية، لتعمية المناخات وإثارة الضباب المصطنع، وتوليد تفاعلات مصطنعة في المنطقة في مواجهة تزايد (التضاد والافتراق الدولي) عن مواقفها بصدد العملية السياسية في الشرق الوسط.

"
معظم التقديرات والتحليلات تنحو للقول بأن إسرائيل وحكومة نتنياهو تريد الآن من إثارة زوابع توريدات صواريخ (سكود) المزعومة تحقيق جملة من الأغراض السياسية، لتعمية المناخات وإثارة الضباب المصطنع، وتوليد تفاعلات مصطنعة في المنطقة
"

فحكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي (المعرض للاهتزاز) يريدان الهروب من استحقاقات السلام الحقيقي المستند للشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، ويريدان استعطاف الموقف الأميركي أكثر فأكثر عبر الإيحاء للإدارة الأميركية أن المخاطر تترصد "إسرائيل" في الشمال كما الجنوب، وهو ما يكبح من تحركها نحو التسوية التي تراها الإدارة الأميركية ضرورة للأمن القومي الأميركي على حد تعبير الجنرال ديفد باتراوس. وبذلك فإن لغة الاستعطاف الإسرائيلية أرادت حصد المزيد من المواقف الأميركية الداعمة لإسرائيل، والمؤكدة لأولوية أمنها في كل الظروف والأحوال.

وفي هذا المسار فإن دخول واشنطن على خط (الحديث والتحذير) من مسألة صواريخ (سكود ـ بي) المفترضة لدى حزب الله، وانضمام وسائل إعلام محسوبة على جماعات الضغط اليهودية في ظروف كهذه التي تشهد "أزمة أو شبه أزمة" بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن ضرورة وقف عمليات التهويد والاستيطان، يدل بشكل قاطع على أن الأهداف الإسرائيلية رمت أيضاً لتحويل الموقف الأميركي المتعلق بشأن الاستيطان أو تأجيله أو تناسيه لصالح الحديث عن الصواريخ المفترضة.

وبالطبع، فان إثارة الزوابع المفتعلة بالحديث عن صواريخ (سكود ـ بي) لدى حزب الله تأتي أيضاً في سياق تكتيك إعادة خلط الأوراق والأولويات في المنطقة، للتغطية على الهروب من استحقاقات التسوية المطلوبة على المسار الفلسطيني/الإسرائيلي انطلاقاً من قرارات الشرعية الدولية التي تتعارض مع استمرار عمليات التهويد والاستيطان فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خصوصاً في منطقة القدس، وهو ما أوصل إلى الاختناق والانسداد الحاصل في المسار التفاوضي الفلسطيني/الإسرائيلي، وهو ما وضع الدولة العبرية أمام تساؤلات بدأت تعم رويداً رويداً داخل أروقة صناع القرار في العالم، بما في ذلك عند البعض في الولايات المتحدة.

فإسرائيل تريد حرف الأنظار عن سياساتها وإجراءاتها الاستيطانية والهروب من استحقاقات تتعلق بالتزام متطلبات التسوية سواء على المسار الفلسطيني أو السوري.

استهداف استقرار لبنان
كما تأتي زوابع الإثارة المتولدة عن حكاية صواريخ (سكود ـ بي) لإثارة القلاقل بين مختلف الفرقاء في لبنان، وللتأثير السلبي على المتغيرات الإيجابية التي جرت في لبنان مع الهدوء النسبي الداخلي واستقرار الوضع الحكومي، وحصول انزياحات مؤثرة في خريطة التحالفات السياسية اللبنانية الداخلية، وفي خريطة التحالفات بين دمشق وباقي أقطاب القوى السياسية اللبنانية، وتحديداً مع تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، إضافة لانفراط عقد مجموعة (16 آذار)، وعودة وليد جنبلاط لمواقعه التحالفية التقليدية مع سوريا، وتوطد علاقاته مع حزب الله، وبالتالي عودة بروز الدور السوري المؤثر في المعادلة الداخلية اللبنانية، وهو دور تفرضه وقائع الجغرافية السياسية، كما تفرضه وقائع التاريخ التي لا يمكن القفز عليها أو شطبها بإرادة خارجية.

أما في الجانب المتعلق بالعلاقات السورية الأميركية، فإن حكاية الصواريخ إياها، تأتي أيضا للتأثير على التحولات الإيجابية مؤخراً على صعيد العلاقات الأميركية/السورية، وهي تحولات لم ولن تريح قادة إسرائيل، فشمعون بيريز وفي أكثر من تصريح له تناول إدارة الرئيس باراك أوباما في انفتاحها الدبلوماسي على سوريا، خصوصاً بعد قرار الإدارة الأميركية المتخذ في فبراير/ شباط 2010 والمتضمن تعيين روبرت فورد سفيراً للولايات المتحدة في دمشق، بالرغم من أن هذا التعيين لا يزال ينتظر موافقة مجلس الشيوخ عليه، وإذا حصلت هذه الموافقة فإن فورد سيصبح أول سفير أميركي في سوريا منذ خمس سنوات. وهنا فإن لإسرائيل مصلحة قوية في عرقلة مساعي إنضاج الحوار السوري/ الأميركي بمستواه الثنائي أو الإقليمي.

استرجاع دور الضحية

"
الدولة العبرية الصهيونية، وكما كانت على الدوام بحاجة دوماً حتى لاختراع الأعداء، فإنها الآن تعمل على تثمير موضوع الملف المفتعل لصواريخ (سكود ـ بي) من أجل تحقيق حزمة من الأغراض والأهداف السياسية
"

وفي ظروف كهذه التي تلف عملية التسوية المختنقة، مع غيرها من العوامل، فإن "إسرائيل" بافتعالها حالة (الهلع والرعب المصطنع) والخوف على وجودها وأمنها من صواريخ حزب الله المفترضة، تسعى للعودة إلى دور الضحية في المنطقة بعد تراجع منسوب التعاطف الدولي عقب عدوانها الفاشي على قطاع غزة أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009، وصدور العديد من قرارات الإدانة الدولية بحقها كتقرير غولدستون الشهير الذي مازال يلاحقها ويعرض العشرات من قادتها العسكريين والأمنيين وحتى السياسيين للملاحقة الدولية.

وزاد من خسارتها فضيحة انكشاف دورها في تزوير الوثائق الأوروبية وجوازات السفر لأكثر من سبع دول غربية، وقيام جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد) بتجنيد أبناء تلك الدول للعمل في صفوفه، والوصول إلى تزوير بطاقات الائتمان لدى العديد من المصارف في تلك الدول وتجيير ذلك في خدمة جهازها الأمني.

فإسرائيل تريد الآن وعلى جدول أعمالها العاجل إعادة استرجاع (عين العطف الدولية) وتحديداً الغربية منها، حيث خسرت جزءاً هاماً من قطاعات الشارع والناس والمؤسسات المجتمعية وحتى الحزبية داخل العديد من بلدان غرب أوروبا، وداخل بعض الدول الإقليمية الهامة كتركيا على سبيل المثال.

وتعمل وعلى التوازي مع (مساعيها الواردة أعلاه) على الشحن والتحريض على إيران باعتبارها داعمة ومساندة لحزب الله، ومنبعاً رئيسياً لتوريدات السلاح الصاروخي المفترضة إليه، وتحديداً في ظل الصراع التفاوضي السياسي الذي تخوضه إيران مع دول مجموعة (5 + 1) بشأن ملفها النووي، بالرغم من تباين المواقف داخل هذه المجموعة.

وعليه، فإن الدولة العبرية الصهيونية، وكما كانت على الدوام بحاجة دوماً حتى لاختراع الأعداء، من أجل الحفاظ على مواقفها المعروفة الرافضة لمنطق السلام والتسوية القائمة على أساس الشرعية الدولية قولاً وعملاً، فإنها الآن تعمل على تثمير موضوع الملف المفتعل لصواريخ (سكود ـ بي) من أجل تحقيق حزمة من الأغراض والأهداف السياسية.

هذه باختصار حكاية صواريخ (سكود ـ بي) المقدمة الإسرائيلية، كما كانت قبلها حكاية الترسانة الصاروخية وحتى النووية العراقية المقدمة أميركياً، ليتبين بعد دمار العراق أن المسألة لم تكن سوى سيناريو أعد بدقة لتدمير بلد بأكمله، وإعادة رسم خريطة جديدة وواقع سياسي جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.