ماذا استخلص العرب من حرب 73؟

ماذا استخلص العرب من حرب 73؟



انهيار أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
العرب وحتمية التزود بالسلاح النووي
تحدي صعود اليمين واليمين الديني
العرب والبُعبُع الإيراني

التسوية وأسباب القوة

كيان أوشك على الانهيار، هذا هو الانطباع الذي يتوصل إليه كل من اطلع على ما جاء في بروتوكولات اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال حرب 1973 التي سُمح بالكشف عنها مؤخراً عشية حلول الذكرى السابعة والثلاثين للحرب، والكتب التي صدرت عشية حلول المناسبة لتسليط الضوء على كثير من التفاصيل التي كُشف عنها لأول مرة.

ويستدل من خلال الجدل الذي دار بين وزراء حكومة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير وجنرالاتها في الأيام الأولى للحرب أن النخبة الحاكمة في هذا الكيان وقعت في صدمة حقيقية بسبب جرأة الجيشين المصري والسوري على مهاجمة إسرائيل.

فقد انهار وزير الحرب الإسرائيلي خلال الحرب الجنرال موشيه ديان الذي كان يوصف في إسرائيل والعالم بأنه "أسطورة في الإبداع العسكري" الجنرال الذي بلغ به الاستخفاف بالعرب عشية حرب عام 1956 بأن قام برسم خطة الهجوم على مصر على سطح علبة سجائره، كما فكرت غولدا مائير نفسها بالانتحار أكثر من مرة خلال الحرب بعد أن خشيت نجاح العرب في اجتياح الكيان الصهيوني، كما كشف ذلك شلومو نكديمون الذي أرّخ للحرب، وهي التي كانت تجاهر باحتقارها للعرب، وأبت التعاطي بجدية مع مشاريع التسوية التي قدمها الوسطاء الدوليون قبيل الحرب لتسوية الصراع.

انهيار أسطورة الجيش الذي لا يُقهر

"
كبار القادة الإسرائيليين الذين أدلوا بشهادات أمام لجنة غرانات أكدوا أن المفاجأة الكبرى خلال حرب أكتوبر كانت بلا شك جدارة الجندي العربي واستعداده للقتال، وأن كل عربي لا يمكنه إلا أن يشعر بالفخر
"

لقد قيل الكثير عن مسار حرب 73، لكن عندما يطلع المرء على ما جاء على ألسنة صناع القرار في إسرائيل، كما وثقتها بروتوكولات اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب وشهادات النخب السياسية والعسكرية أمام لجنة "غرانات" التي حققت في أسباب فشل إسرائيل في الحرب، فإن كل عربي لا يمكنه إلا أن يشعر بالفخر، لأن الجندي العربي قام لأول مرة بلسع وعي النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية المتغطرسة التي أسكرها الانتصار المدوي في حرب 1967.

فكبار القادة الإسرائيليين الذين أدلوا بشهادات أمام لجنة "غرانات" أكدوا أن المفاجأة الكبرى خلال الحرب كانت بلا شك جدارة الجندي العربي واستعداده للقتال، ولعل ما قاله ديان أمام لجنة "غرانات" يحمل أكثر من دلالة، عندما قال إن أداء الجندي المصري جاء بخلاف كل الانطباعات التي تبلورت لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وقال ديان بالحرف الواحد "لم نقدر الوضع بصورة صحيحة، وأسأنا تقدير فعالية آلة الحرب العربية كماً ونوعاً، وأسأنا تقدير الجاهزية الشخصية لدى العرب في خوض القتال" في حين أن نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي خلال الحرب قال إن الجيش الإسرائيلي قد خاض الحرب وقد عشعش في ذهنه انطباع بأن معنويات الجندي المصري قد انهارت للأبد.

ويستدل من المداولات أن 2600 جندي إسرائيلي قد قتلوا خلال الحرب وهم لم يعوا بأن الحرب قد بدأت بالفعل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حجم الصدمة التي كانت تعيشها إسرائيل.

ويؤكد الجنرال المتقاعد يوسي بن آرييه الذي تولى مناصب عليا في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية أن ما غذى الشعور بالغطرسة لديه ولدى زملائه هو نتائج بحث أجرته الاستخبارات الإسرائيلية على عدد كبير من الضباط المصريين الذين أسروا خلال حرب عام 67، حيث وسمت نتائج البحث الضباط المصريين بـ "البدائية" و"عدم المسؤولية" و"اللاواقعية"، لكنه يقر أن أداء الجيش المصري خلال حرب 73 قلب الموازين ونسف صدقية الأبحاث التي استندت إسرائيل إلى نتائجها في التعاطي مع العنصر البشري العربي.

العرب وحتمية التزود بالسلاح النووي
لعل أبرز العبر التي يتوجب على العرب استخلاصها من الحرب الأخيرة بعدما تم الكشف عن بروتوكولات اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب والكتب التي صدرت بالمناسبة تتمثل في أن أي مواجهة عسكرية شاملة مستقبلية مع إسرائيل يجب أن يسبقها نجاح العرب في تطوير سلاح نووي، بعد أن تبين أن المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل خلال الحرب بحث إمكانية استخدام السلاح النووي لضرب كل من مصر وسوريا لوقف تقدم جيشيهما.

وفي كتابه الذي صدر عشية حلول ذكرى الحرب أوضح مؤرخ البرنامج النووي الإسرائيلي الدكتور أفنير كوهين أن القيادة الإسرائيلية أمرت بإخراج صواريخ "يريحو" القادرة على حمل رؤوس نووية لاستخدامها في ضرب مصر وسوريا، وأن الذي حدا بإسرائيل للتراجع عن خططها هو قرار الإدارة الأميركية بتسيير جسر جوي لنقل العتاد العسكري المتقدم لإسرائيل لمساعدتها في إحداث انعطافة في مسار الحرب.

"
سنيه:
في حال طور العرب سلاحاً نووياً فإنهم لا يحتاجون أن يستخدموه ضدنا حتى ننهار، فمجرد أن يعرف مواطنونا أنه قد أصبح للعرب سلاح نووي فإن أكثر من ثلثهم سيغادرون إسرائيل على الفور
"

واستند كوهين في روايته إلى شهادة قدمها له الجنرال يعكوف نئمان الذي كان مسؤول الملف النووي الإسرائيلي والذي شغل في الماضي أيضاً منصباً رفيعاً في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

إذن يتضح إن إسرائيل كادت أن تستخدم السلاح النووي في الرد على استخدام الجيوش العربية سلاحا تقليديا أقل تطوراً من السلاح التقليدي الذي بحوزة إسرائيل. ومن الواضح أنه في حال استخدمت إسرائيل السلاح النووي لأحدثت ضرراً هائلاً لكل من مصر وسوريا، قد يتطلب التعافي من آثاره عشرات السنين.

إن ما تقدم يدلل بشكل لا يقبل التأويل على أن أبسط مستويات المسؤولية يحتم على أي دولة عربية، أو دول عربية تأخذ بالحسبان إمكانية اندلاع مواجهة مسلحة مع إسرائيل في المستقبل، تطوير سلاح نووي، وأن يتم وضع تحقيق هذا الهدف على رأس أولوياتها.

إن إسرائيل تحرص على منع العرب من تطوير سلاح نووي لأنها تدرك أن تمكن العرب من إنتاج مثل هذا السلاح سيؤدي إلى تفكك إسرائيل حتى بدون أن يستخدمه العرب ضدها.

ففي معرض حديثه عن خطورة امتلاك العرب سلاحا نوويا، قال الجنرال إفرايم سنيه نائب وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق "في حال طور العرب سلاحاً نووياً فإنهم لا يحتاجون أن يستخدموه ضدنا حتى ننهار، فمجرد أن يعرف مواطنونا أنه قد أصبح للعرب سلاح نووي فإن أكثر من ثلثهم سيغادرون إسرائيل على الفور".

تحدي صعود اليمين واليمين الديني
إن كانت إسرائيل تحت قيادة حزب العمل الذي يمثل يسار الوسط قد أوشكت عام 1973 على استخدام السلاح النووي لضرب مصر وسوريا، فكيف ستتصرف إذن في ظل حكم اليمين واليمين الديني، فلقد دعا وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي أفيغدور ليبرمان إلى إلقاء قنبلة نووية على مدينة غزة خلال الحرب الأخيرة على القطاع أواخر عام 2008 لوضع حد لإطلاق القذائف الصاروخية محلية الصنع على المستوطنات اليهودية المحيطة بالقطاع.

لقد كان جميع جنرالات إسرائيل خلال حرب 73 من العلمانيين، أما الآن فإن حوالي 60% من الضباط في الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي هم من أتباع التيار الديني الصهيوني، أي أنه في غضون فترة قصيرة سيسيطر المتدينون على هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وسيتولى هؤلاء الجنرالات المتأثرون بالإرث الديني اليهودي العنصري مهمة بلورة التقديرات الإستراتيجية للكيان الصهيوني، وضمن ذلك خطط العمل العسكرية لمواجهة العرب.

ويجزم المفكر اليهودي إسرائيل شاحاك أنه في حال زاد تأثير أتباع التيار الديني على دائرة صنع القرار في إسرائيل فإن استخدام السلاح النووي من قبل إسرائيل في حروبها القادمة سيكون حتمياً.

العرب والبُعبُع الإيراني

"
من الأهمية بمكان أن يقتفي العرب أثر إيران في محاولاتها مراكمة أسباب القوة، عبر مشروع نهضوي عربي شامل يضمن تطوير القدرات الحربية العربية بشكل يردع إسرائيل ويجبرها على شطب خيار استخدام السلاح النووي
"

أن تعامي قادة الأنظمة العربية عن هذه المعطيات وغرس رؤوسهم في الرمال واستخفافهم بأسباب النصر والتمكين لن يدفع إسرائيل إلا لمزيد من التغول والاستخفاف بهذه الأمة.

إن تفكير إسرائيل باستخدام السلاح النووي خلال حرب 73 يفضح زيف مزاعم الغرب بأن إسرائيل "ديمقراطية مسؤولة" وأنه تبعاً لذلك يتوجب عدم طرح ملفها النووي للنقاش، ويكشف فداحة الخطأ الذي يقع فيه الكثير من العرب الذين يفضلون معالجة ما يعتبرونه "التهديد النووي الإيراني" الذي لم يولد، ويبدون لامبالاة تثير للاستفزاز إزاء البرنامج النووي الإسرائيلي.

فإسرائيل هي التي أوشكت على محو القاهرة ودمشق من الخارطة خلال حرب 73 وليس طهران، وهذا يحتم على الأنظمة العربية بلورة مقاربة مغايرة تماماً إن كانت حقاً يعنيها مصالح شعوبها الإستراتيجية والوجودية، فبدلاً من محاولات التودد للغرب وإسرائيل عبر التحذير من "مخاطر" النووي الإيراني والانخراط في المحاولات لتقليم أظفار إيران، يتوجب على العرب أن يوظفوا كل إمكانياتهم من أجل تقليص هامش المناورة أمام إسرائيل وطرح ملفها النووي بقوة وبدون أي تردد في المحافل الدولية، وأن يحرصوا على فضح ازدواجية معايير النظام العالمي وعدم التسليم بها.

وفي نفس الوقت من الأهمية بمكان أن يقتفي العرب أثر إيران في محاولاتها مراكمة أسباب القوة، عبر مشروع نهضوي عربي شامل يضمن تطوير القدرات الحربية العربية بشكل يردع إسرائيل ويجبرها على شطب خيار استخدام السلاح النووي في مواجهة العرب من قائمة الخيارات المتاحة لديها، علاوة على أنه بدون مثل هذا المشروع فلا مجال مطلقاً للحديث عن تحسين مكانة العرب في الصراع مع إسرائيل.

التسوية وأسباب القوة
لم تبد النخب الإسرائيلية الحاكمة الاستعداد للانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 إلا بعد ما تعرضت له إسرائيل من صدمة خلال حرب 73. لقد كان ديان يحرص حتى حرب 73 على القول عندما يسأل عن موقفه من السلام مع مصر: أنه يفضل الاحتفاظ بشرم الشيخ بدون السلام، على السلام بدون شرم الشيخ، لكنه تحول بعد الحرب لأكثر المتحمسين للتسوية مع مصر بعدما أدرك محدودية الرهان على خيار القوة العارية وحده، ولعب دوراً حاسماً في التمهيد لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

إن ما يعرف بـ "معسكر السلام" الإسرائيلي لم يتبلور إلا بعد حرب 73، حيث كان رموز هذا المعسكر يستندون إلى نتائج حرب 73 للتحذير من مغبة مواصلة اعتماد إسرائيل على القوة العسكرية. لم يحدث أن أظهر المجتمع الإسرائيلي مؤشرات الاعتدال إلا بعدما أظهر العرب عزماً وتصميماً على مواجهة إسرائيل وإصراراً على مقاومة احتلالها.

إن نشاط حركة "السلام الآن" الإسرائيلية لم يتعاظم إلا خلال الانتفاضة الأولى عندما أثبت الشعب الفلسطيني أنه لا يمكن أن يتعايش مع الاحتلال، ولم تتشكل منظمة "الأمهات الأربع" الإسرائيلية التي خاضت نضالاً جماهيرياً من أجل إقناع الحكومات الإسرائيلية بسحب جيش الاحتلال من جنوب لبنان إلا بعد أن كبدت المقاومة اللبنانية إسرائيل خسائر كبيرة.

"
لم تبد النخب الإسرائيلية الحاكمة الاستعداد للانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 إلا بعد ما تعرضت إسرائيل لصدمة خلال حرب 73
"

إن ما تقدم يدلل على حجم الخطيئة التي ترتكبها قيادة السلطة الفلسطينية التي تواصل الرهان على خيار التسوية، في الوقت الذي تتخلى فيه عن كل صور المقاومة الحقيقية الفاعلة في مواجهة الاحتلال، ولا تعلن حرباً شعواء على المقاومين فقط، بل تتوغل في التعاون الأمني مع الاحتلال ليصبح هذا الاحتلال أقل كلفة لإسرائيل التي ترد على هذا السلوك التفريطي بمزيد من التعنت، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يطالب قيادة السلطة المتنفذة بالاعتراف بيهودية الدولة مقابل تجميد الاستيطان في الضفة الغربية لمدة شهرين فقط، مع العلم أن اعتراف السلطة بيهودية الدولة يعني ضمن ما يعني التنازل عن حق العودة للاجئين.

قصارى القول: يتوجب على العرب عدم القفز على العبر الواجب استخلاصها من حرب 73، والتصرف على هديها، ويتوجب على الأقل أن نقتفي أثر إسرائيل في استخلاص العبر من تجاربها، وهذا أضعف الإيمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.