انتخابات ماليزيا.. اختبار لوعود بدوي ودرس قاس للمعارضة

undefined

بقلم/ صهيب جاسم

– أسباب انتصار التحالف الحاكم
– التراجع المفاجئ للإسلاميين
– تحطم حزب العدالة الوطني
– المعارضة الصينية لأسلمة الدولة

بعد أقل من خمسة أشهر على استقالة محاضر محمد من منصب رئاسة الوزراء في ماليزيا، دعا خلفه عبد الله أحمد بدوي الماليزيين إلى الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الحادية عشرة يوم 21 مارس/ آذار 2004. وكان الفوز الكاسح للتحالف الوطني الحاكم بقيادة بدوي الذي أدى يمين القسم ثانية كخامس رئيس وزراء للبلاد في اليوم التالي باعتباره رئيسا لحزب المنظمة القومية الملايوية المتحدة العمود الفقري للتحالف المكون من 14 حزبا يمثل جميع القوميات في البلاد. لكن حجم الفوز كان أكثر من المتوقع، حتى إن بعض قادة التحالف الحاكم فوجئوا بنبأ انتصارهم الكاسح. ويمكن اختصار المشهد من خلال المحاور التالية:


ورث بدوي تقدما اقتصاديا يستحق الدعم للاستمرار في تطبيق الخطط ذاتها، فانجذب الماليزيون لخطاب الاستمرارية والاستقرار وليس لخطاب التغيير والإصلاح

أسباب انتصار التحالف الحاكم
لم يكن هناك من يتوقع خسارة التحالف الحاكم لماليزيا منذ استقلالها عام 1957، غير أن حصوله على 198 مقعدا برلمانيا (أو 65% من مجموع الأصوات) من مجموع 219 مقعدا في ديوان الشعب الفدرالي (البرلمان) كان مفاجئا حتى بالنسبة لبعض وزراء الحكومة.

وقد تراجع حضور المعارضة في البرلمان من 45 مقعدا إلى 20 فقط، كما عاد التحالف الحاكم ليتغلغل في عمق الولايات ذات الأغلبية الملايوية المسلمة في الشمال والتي كان الإسلاميون قد بدؤوا التغلغل فيها شعبيا بشكل واضح في الأعوام القليلة الماضية، وبصورة جعلت الكثيرين في التحالف يخشون سقوطها بأيدي الإسلاميين هذه المرة.

ويمكن إرجاع هذا الفوز إلى عدة عوامل أهمها:

  • توفر الإمكانات المادية الكبيرة نظرا لكونه التحالف الحاكم، واحتكار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
  • البرنامج الانتخابي للتحالف هو ما يراه المواطن الماليزي من إنجازات كثيرة على أرض الواقع، فبدوي ورث تقدما اقتصاديا يستحق الدعم للاستمرار في تطبيق الخطط ذاتها فانجذب الماليزيون لخطاب الاستمرارية والاستقرار وليس لخطاب التغيير والإصلاح.
  • صيغة التحالف وديناميته التي جمعت مختلف القوميات من مالايويين وصينيين وهنود وقبائل السكان الأصليين، في مقابل غياب تحالف معارض له تشكيلة فسيفسائية مماثلة.
  • صناعة صورة ذهنية لدى الماليزيين عن الإسلام الذي يسعى التحالف إلى إبرازه على أنه "الإسلام التقدمي" أو"الحضاري"، وقد اعتبر بدوي بعد فوزه هذا العامل رئيسيا لأن أكثر من 60% من الناخبين مالايويون مسلمون.
  • تغيير بدوي لنحو 40% من المرشحين الحكوميين واستبدالهم لصالح شخصيات دينية واجتماعية وثقافية حتى لا يرفضها الناخبون.


الملايويون المسلمون محبون للدين، والعلمانية ليست متجذرة في نفوسهم، لكن الخطاب الديني الرسمي التقدمي يجذبهم أكثر من الخطاب الإسلامي المعارض

التراجع المفاجئ للإسلاميين
كان الحزب الإسلامي في حالة ترقب لمد حكمه من ولايتي كالنتان وترينغانو إلى ولايتي قدح وبرليس، وربما كانوا يحلمون بغيرها من الولايات ذات الأغلبية المسلمة، لكن ذلك لم يحصل وكانت النتيجة عكسية:

فقد فقدوا وبشكل مفاجئ ولاية ترينغانو التي حققوا فيها انتصارا كاملا عام 1999 عندما اكتسحوا كل مقاعدها. وتأتي هذه الخسارة رغم أن الغالبية الساحقة من سكان الولاية تناصر الحزب الإسلامي، وهذا ما أثار أحداث مواجهة بين سكان الولاية وأجهزة الأمن بعد ظهور نتائج خسارة الإسلاميين.

وكان فوزهم بولاية كالنتان بأغلبية بسيطة جدا (24 مقعدا من أصل 45) بعدما حكموها مدة 30 عاما على فترتين (1959-1974 و1990-2004)، واستعاد التحالف الوطني قوته فيها من مقعدين سابقا إلى 21 الآن.

والأكثر من ذلك أن الإسلاميين انخفض تمثيلهم من 27 مقعدا في البرلمان الفدرالي السابق (1999-2004) إلى سبعة مقاعد فقط، وهو نفس تمثيلهم في الدورة النيابية (1990-1999) ليفقدوا بذلك زعامة المعارضة البرلمانية. كما تراجع عدد مقاعدهم في مجالس حكم الولايات عموما من 98 مقعدا سابقا إلى 35 فقط.

وعند البحث عن أسباب هذا التراجع تُذكر الكثير من التفسيرات:
• تشتت أصوات الناخبين نظرا لانقسام المعارضة بين تحالف الحزب الإسلامي وحزب العدالة من جهة وحزب العمل الديمقراطي من جهة أخرى، والاختلاف الأيدولوجي الكبير بينهما بل وافتقاد التنسيق في أكثر من 20 دائرة انتخابية، خلافا لتوحدهم في انتخابات 1999.

• عدم سعي المعارضة عمليا لإسقاط حكومة التحالف واقتصار هدفها على الامتداد التدريجي في مجالس حكم الولايات وزيادة نفوذها برلمانيا وحلمها بالوصول إلى السلطة المركزية عام 2009.

• ضعف الدعاية الإعلامية بسبب القيود الرسمية إذ لا يحق للمعارضة سوى أربعة منافذ: صحف أسبوعية، ونشرات حزبية محدودة التوزيع قانونيا، واستخدام الإنترنت بالنسبة للمثقفين وسكان المدن دون سكان الريف الذي يشكلون غالبية الناخبين، وأخيرا الخطابات السياسية الأسبوعية والشهرية التي لم تثبت نجاحا كبيرا في كسب المزيد من التأييد سوى تثبيت دعم أعضاء الحزب أنفسهم.

• حصول الحزب على أكثر من مليون صوت (16%) فيما يبلغ أعضاء الحزب ما بين 700 و 800 ألف، مما يفسره البعض –حسب لغة الأرقام- بعدم قدرة الحزب الإسلامي على كسب تأييد الكثيرين من غير الأعضاء المسجلين، وهذا يعود لأسباب أخرى وعلى رأسها طبيعة ولغة الرسالة التي يوجهها الإسلاميون والتي لم تعد تناسب العصر حسبما يرى محللون إسلاميون ماليزيون.

فلغة الخطاب السياسي الإسلامي الماليزي في نظرهم بحاجة إلى تغيير ليتناسب مع حقائق الواقع المتغير بشكل كبير في المجتمع الماليزي وهذا سبب داخلي مقدم على الأسباب الخارجية، ولن تستطيع المعارضة الإسلامية العودة بقوة مرة أخرى لكسب الشارع وإنجاح مشروعها الإسلامي ما لم تخضع خطابها لعملية تطوير والتحول من لغة الشعارات والبحث عن عيوب الحكومة إلى خطاب سياسي ناضج، وهو ما قامت به حركات وأحزاب إسلامية في دول أخرى لم تستطع كسب الشارع بدون ذلك، فالملايويون المسلمون محبون للدين، والعلمانية ليست متجذرة في نفوسهم، لكن الخطاب الديني الرسمي (التقدمي) يجذبهم أكثر من الخطاب الإسلامي المعارض.

• لوم قادة الحزب الإسلامي أنفسهم لأنظمة الترشيح بل إن بعضهم يتهم التحالف الحاكم بالتزوير ومن ذلك ما سجلته كاميرا الجزيرة وسمعناه من الناخبين أنفسهم من عدم قدرة مئات وقيل آلاف الناخبين على الإدلاء بأصواتهم في مناطق ذات تأييد للمعارضة في ضواحي العاصمة بولاية سالنغور عندما لم يجدوا أسماءهم في سجل الناخبين، وكذلك قول المعارضة بتكرار دخول ناخبين من مناطق أخرى للتصويت في مناطق تؤيد المعارضة، كالرجل الذي وجد عشرات الناخبين من خارج منطقته مسجلين على عنوان منزله الذي يمتلكه منذ 20 عاما، وهذه أسباب تحاول المعارضة إبرازها، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك.

• وجود ما يسمى بين أوساط المعارضة بـ"هندسة الانتخابات"، ومن ذلك أنه عندما أعيد رسم الدوائر الانتخابية وتوزيع الناخبين لهذه الانتخابات تم منح المناطق التي تعد معاقل للتحالف الحاكم المزيد من المقاعد التمثيلية في ديوان الشعب الفدرالي فيما لم تمنح ولايات الشمال أية مقاعد جديدة، وهي معاقل المعارضة، مما يعني أنه حتى لو فاز الإسلاميون بكل المقاعد الفدرالية لولايات الشمال فإن تمثيلهم للأغلبية المسلمة في الشمال ستظل أقل من تمثيل المناطق الأخرى، وهو ما يعني أيضا بقاء القوة السياسية لغير المسلمين في البرلمان دون تراجع رغم تناقص نسبتهم من السكان، فالصينيون تناقصوا عدديا من 35% إلى 27% والهنود تراجعوا عدديا من 11% إلى 7% لكن نصيبهم في البرلمان والحكومة كما هو.

• عدم قدرة المعارضة على إنضاج قضية وطنية ذات بريق إعلامي وشعبي كما حصل في انتخابات عام 1999 حيث كانت عاصفة أنور إبراهيم عاملا رئيسيا وراء تقدمهم، واتضاح ميل الشارع لخطاب "الإسلام الاقتصادي أو الصناعي" كما يسمى رسميا.

• عدم تمثيل المعارضة بشكل جيد للكثير من القوميات كما هو التحالف الحاكم، فمثلا ليس هناك حزب معارض يمثل المعارضين من الهنود أو قوميات ولايات صباح وسرواك.


يُعزى تراجع حزب العدالة الوطني إلى ضعفه إيدولوجيا وإلى انسحاب جناح الإسلاميين وجماعة إصلاح ماليزيا منه، وكذلك انسحاب مجموعة من المثقفين والإصلاحيين

تحطم حزب العدالة الوطني
حزب العدالة الوطني هو أحدث القوى السياسية في الساحة، وقد تأسس على خلفية أزمة زعيمه أنور إبراهيم عام 1998 وخروج الآلاف من حزب رئيس الوزراء السابق محاضر محمد، وقد حصل على خمسة مقاعد برلمانية وأربعة مقاعد في مجالس حكم الولايات في عام 1999، أما هذه المرة فقد تراجع كثيرا لحد حصوله على مقعد واحد في دائرة أنور إبراهيم التي ترشحت زوجته وان عزيزة رئيسة الحزب مكانه.

ويُعزى هذا التراجع إلى ضعف الحزب حسب آراء الكثيرين أيدولوجيا خصوصا وأن رمزه أنور إبراهيم خلف القضبان. وكذلك إلى انسحاب جناح الإسلاميين من حركة الشباب الإسلامي وجماعة إصلاح ماليزيا منه، بالإضافة إلى انسحاب مجموعة من المثقفين والشباب الإصلاحيين وعلى رأسهم المفكر تشندرا مظفر.

ويلعب العامل الأمني الخارجي دوره أيضا في إضعاف الحزب، ففي ظل سجن أنور إبراهيم نفسه حتى عام 2009 سجن أيضا ستة من قادة الحزب أمنيا، ومنعوا من الترشح مع ثلاثة قادة آخرين حوكموا بتهم شبه سياسية أيضا.

كل ذلك أدى إلى تراجع الأصوات التي حصل عليها الحزب إلى نصف مليون صوت أو 8% من مجموع عدد الناخبين، غير أن نقاط الضعف هذه لم تمنع الحزب من اتهام الحكومة بالتزوير والتلاعب بالنتائج لتحطيم تيارهم المعارض.


ما زال بعض الصينيين والهنود يؤيدون حزبا يبني خطابه على تأكيد علمانية الدولة ورفض النموذجين الإسلاميين اللذين يمثلهما كل من التحالف الحاكم والإسلاميين المعارضين

المعارضة الصينية لأسلمة الدولة
هكذا بدت النتائج، فحزب العمل الديمقراطي الذي يمثل المعارضة الصينية أو غير المسلمة حصل على 12 مقعدا مقارنة بعشرة في المرة الماضية، وهو ما سيؤهل زعيمه ليم كيت سيانغ إلى زعامة المعارضة البرلمانية مجددا بعد أن تزعمها لثلاثين عاما (1969-1999) منتزعا هذا المنصب من زعيم الحزب الإسلامي الذي شغل هذه المكانة بين عامي 1999 و2004.

ومع أن هذا الحزب لم يعد قويا كما كان في الثمانينيات والسبعينيات حيث إن غالبية غير المسلمين اليوم تؤيد التحالف الحاكم ولا ترى غضاضة في نموذج الإسلام التقدمي الرسمي، فإن بعض الصينيين والهنود لا يزالون يؤيدون حزبا يبني خطابه على تأكيد علمانية الدولة ورفض النموذجين الإسلاميين اللذين يمثلهما كل من التحالف الحاكم والإسلاميين المعارضين.

وختاما، منح الشعب الماليزي تفويضا لعبد الله بدوي ليواجه اختبار تنفيذ وعوده بالاستمرار في تنفيذ الخطط الاقتصادية، والنهوض بالملايويين دينيا، ورفع مستواهم الاقتصادي والحفاظ على هويتهم الإسلامية في مجتمع متعدد.

وبعيدا عن لوم التحالف الحاكم واتهامه بالتلاعب فإن على المعارضين الإسلاميين والوطنيين مراجعة سجلاتهم وأساليبهم بل وإعادة رسم معالم "معارضتهم" خصوصا وأن البرلمان الحالي يشهد معارضة ضعيفة وهو ما قد يضر بالكثير من القضايا المرتبطة خصوصا بالملايويين المسلمين ما لم يولها رئيس الوزراء بدوي اهتماما خاصا.
ــــــــــــــــــ
صحفي مقيم بماليزيا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.