المقامات الإيغورية الـ12.. لكل مقام مقال

فن المقامات الإيغورية حاضرة في الثقافة الشعبية ولا تزال تعتمد على أدواتها الموسيقية التقليدية
فن المقامات الإيغورية حاضرة في الثقافة الشعبية ولا تزال تعتمد على أدواتها الموسيقية التقليدية (الجزيرة)

رافع أبو رحمة – أورومتشي

 

 

"يا حبيبتي يداي مقرونتان بالأصفاد، فإن لم أرَ وجهك سأموت.. القاتل يحاول انتزاع حياتي، يا حبيبتي إن لم أر وجهكِ سأموت.. يا عيني، وجنتاكِ جميلتان كالزنبق، وفمكِ الصغير مثل الكرز، وقعتُ في حبّكِ منذ أن رأيتكِ.. يا حبيبتي إن لم أرَ وجهك سأموت".

تبدو هذه الكلمات المُغنّاة وكأنها وصف لمزيج من حالة عشقٍ وعذاب، يختلط الأمر على قارئها حتماً وعلى سامعها أحياناً، وذلك بحسب المقام الموسيقي الذي تُؤدّى عليه، فغناؤها على مقام الصبا مثلاً سيشعرك بنهاية حزينة للقصة، في حين سيعطيك مقام الكرد قليلا من الأمل والحماس الذي ينتهي بالحرية وانتصار الحب. أمّا مقام البيات فسيدخلك عالم العشق حتى تجد نفسك أحد أشخاص الأغنية.

تلك الكلمات المغنّاة تعود للشاعر الإيغوري يوسف عاج وهي بعنوان "أليب وسنام" (أسطورة الحب)، وتمثل جزءاً من قصيدة حب تشارك في التركيبة الموسيقية للمقامات الإيغورية الاثنتي عشرة التي تشتهر بها قومية الإيغور في إقليم شنغيانغ ذاتي الحكم، وفي مدينة كاشغر على وجه الخصوص، حيث تشارك في هذه المقامات قطع الأغاني السريعة بإيقاعات مختلفة وتسمى "المشرب"، وتكون من الشعر الشعبي في قصص الحب الشهيرة، ويرافق هذا القسم من المقام أداء راقص.

الرقص التقليدي جزء من ثقافة الإيغور الفنية التي تقوم على فن المقامات الفنائية (الجزيرة)
الرقص التقليدي جزء من ثقافة الإيغور الفنية التي تقوم على فن المقامات الفنائية (الجزيرة)

يمتاز فن المقام الإيغوري بشموليته الموسيقية من خلال تنوع المحتوى وأساليب الرقص، وتدلّ كلمة مقام في اللغة الإيغورية على عدة معان منها "مجموعة موسيقية كبيرة" و"مجموعة قواعد" و"مجموعة ألحان"، لكنها في الأصل لفظة عربية مدلولها الاصطلاحي هو أسلوب من أساليب الأدب العربي يتضمن قصة قصيرة مسجوعة، ثم تحولت إلى اصطلاح موسيقي يمثل 12 سلما أساسياً من الموسيقى العربية الإسلامية، ثم شهدت تطوراً متكرراً خلال فترات تاريخية طويلة، فظهرت لدى الشعوب الإسلامية مقامات متباينة الأنماط.

والمقامات الإيغورية تمثل مجموعات تقليدية من الألحان التي تجمع بين "لحن الغناء"، و"لحن الرقص"، و"لحن الجواب" وهو لحن سريع يأتي غالباً في ختام اللحن الغنائي (الرقة والعشاق والعذال). وتعتبر المقامات الاثنتي عشرة أروع أعمال المقام الإيغوري بألحانها الرائعة وقصائدها الجميلة ورقصاتها المبهرة، ويمكن وصفها بالروائع الفنية النادرة وبالرمز الحقيقي لقومية الإيغور.

وللكشف عن الحد الذي تتشابه فيه المقامات الإيغورية مع المقامات العربية والتركية والفارسية، وعن الجذور الحقيقية لتلك المقامات، التقينا بالفنان والخبير الموسيقي الإيغوري هالي عبد القادر الذي وضّح لنا أنه بعد دراسة المقامات الإيغورية ستجد أنه توجد ستة أنماط مختلفة للمقامات، وهي: كاشغر، إيلي، ختيان، داولانغ، توربان، هامي. وبين تلك الأنماط هناك نقاط تشابه واختلاف طفيفة، بينما يعتبر الفرق ملحوظاً بالمقارنة بينها وبين المقامات العربية والتركية والفارسية، وهذا دليل على التبادل والتأثير بين حضارات الشعوب، وعلى التطور الذي لحق بالفن الإيغوري على مدى التاريخ الطويل.

اللغناء والرقص الإيغوري لا يزال يحتفظ بخصوصيته رغم حملات الصين للتأثير عليه (الجزيرة)
اللغناء والرقص الإيغوري لا يزال يحتفظ بخصوصيته رغم حملات الصين للتأثير عليه (الجزيرة)

يضيف عبد القادر أن وجهات النظر مختلفة في هذا الأمر، حيث يقول الكاتب الأذربيجاني ميرزا يبلاينوف إن المقامات الإيغورية هي أمّ مقامات القوميات ومقامات الدول الأخرى في آسيا"، بينما يرى الكاتب الصيني جو تشينغ باو في كتابه "الثقافات الموسيقية في طريق الحرير" أن "المقامات نتاج الثقافات الإسلامية التركية".

ومن جهته يرى ويد الخبير الأميركي في دراسة الموسيقى الإسلامية أنه "عندما نحلل المقامات من حيث النوع والهيكل واللحن والسلّم الموسيقي والفاصل والإيقاع، نجد أن هناك فروقات ملحوظة بين كل المقامات تميّز المناطق والقوميات المختلفة"، وبالتالي فإن فهم وتوضيح الفروق والاختلافات بين مقامات المناطق المختلفة يحتاج إلى تبنّي نظرية جديدة ليتمكن العامة من معرفة أسرار المقامات.

يتكون كل مقام من المقامات الاثنتي عشرة من ثلاثة أجزاء هي: الألحان وإيقاع الآلات، والقصائد الروائية، والرقصات، وبواقع عشرين إلى ثلاثين أغنية وقطعة موسيقية يستغرق عرضها الكامل حوالي ساعتين، بينما يستغرق عرض جميع المقامات أكثر من عشرين ساعة متواصلة، وتعرف باسم "أم الموسيقى الإيغورية" وتلقّب "بلؤلؤة الموسيقى الشرقية".

معرض لبيع أدوات عزف تقليدية لا تزال مستخدمة في المجتمع الإيغوري (غيتي)
معرض لبيع أدوات عزف تقليدية لا تزال مستخدمة في المجتمع الإيغوري (غيتي)

ورغم الارتباط الاسمي بين تلك المقامات وقومية الإيغور، فإنه لا يُعتبر فناً حصرياً لأبناء تلك القومية، إذ توجد أشكال متنوعة من هذه المقامات في مختلف مناطق شنغيانغ، علاوة على أنها تنتشر في 19 دولة ومنطقة في آسيا الوسطى وشمال أفريقيا. لكن الفضل في شهرة المقامات الإيغورية يعود إلى موقع شنغيانغ الجغرافي على طريق الحرير القديم، وفي هذا الاتجاه يمكن فهم التقارب بين فن المقامات الإيغورية والأداء الموسيقي والاسمي للمقامات العربية والموشحات الأندلسية، حيث ساهم طريق الحرير في تطوير ذلك الفنّ بالاستفادة من التبادل الثقافي بين الشرق والغرب، ليكون بذلك شاهداً تاريخياً على حوار الثقافات الصينية والهندية والعربية الإسلامية واليونانية.

وفي التاريخ الإيغوري الشفوي يذكر أن فن المقامات الإيغورية بشكله العام يدين لامرأة إيغورية تدعى "عمانيشاط مولعة بالموسيقى والشعر، وما إن تزوجت من أحد الملوك بمنطقة شنغيانغ عام 1547، حتى دعت إليها عددا كبيرا من فناني المقام آنذاك، وعملت معهم على جمع روائع هذا الفن وتنظيمها وتوحيدها، وأخذ هذا الفن يتطور بحكم التجارب والتبادلات إلى أن تبلور بالشكل الحالي للمقامات الإيغورية الاثنتي عشرة.

في شنغيانغ أو كما يحلو للبعض تسميته "موطن الغناء والرقص"، يتّسم أبناء كل قومية من القوميات في المنطقة بمهارة الغناء والرقص، بحيث تعكس أغانيهم ورقصاتهم التي تتضمن الشعر والأمثال والسرد الشعبي والحب والتأمل في الحياة؛ التاريخ العريق والحياة المعاصرة للمجتمع الذي يحتاج إلى هذه النافذة الثقافية للتحليق عالياً من وإلى جبال الإيغور البعيدة التي وصلها الإسلام بالكلمة الطيبة والدعوة الحسنة لا بالسيف والقتل. ولأن المقام يستخدم للتعبير عن حالة مزاجية معينة، ولأن لكل مقام مقالا، فما عليك إلا أن تُعدَّ مقالك ليكون متناغماً مع المقامات الإيغورية الاثنتي عشرة قُبيل وصولك إلى أرض شنغيانغ.

المصدر : الجزيرة