الإسلام-الغرب، الإسلام-أوروبا: صدام الحضارات أم تعايش الثقافات؟

undefined

–اسم الكتاب: Islam-Occident, Islam-Europe : choc des civilisations ou coexistence des culture؟
-المؤلف: Abderrahim Lamchichi
-الطبعة: الأولى 2000
عدد الصفحات: 284
-الناشر: : Paris, L’Harmattan, 2000

خدمة كامبردج بوك ريفيوز
"الإسلام-الغرب، الإسلام-أوروبا: صدام الحضارات أم تعايش الثقافات"، محاولة لـ عبد الرحيم لمشيشي، أستاذ في جامعة بيكاردي (شمال فرنسا)، لمعالجة العلاقة بين الإسلام والغرب عموما من خلال تفنيد أطروحة صدام الحضارات وتحليل وضع الإٍسلام في أوروبا اليوم.

يقول الكاتب إن أيديولوجية "صدام الحضارات"، ذات الصدى في بعض الأوساط الأكاديمية، والتي تعتبر الإسلام خطرا على الغرب تحول دون مقاربة سليمة للعالم الإسلامي في تنوعه. فهي نظرة شمولية ومجردة للإسلام. وعليه يقترح عناية شاملة ومعمقة بالأوضاع الاجتماعية،


إن أيديولوجية "صدام الحضارات"، ذات الصدى في بعض الأوساط الأكاديمية، والتي تعتبر الإسلام خطرا على الغرب تحول دون مقاربة سليمة للعالم الإسلامي في تنوعه. فهي نظرة شمولية ومجردة للإسلام.

التاريخية، السياسية والثقافية التي تعبر عن ثراء وتنوع وتعددية العالم الإسلامي.

إسهامات الإسلام في ظهور الحداثة الأوروبية
استهل المؤلف كتابه بالتذكير بالإسهامات الكبيرة والمتعددة للإسلام في ظهور الحداثة الأوروبية في قلب أوروبا نفسها. وفي خضم انتقاداته لهينغتينغتون صاحب أطروحة صدام الحضارات، يقول الكاتب إن هذا الأخير يخلط بين الإسلام والإسلام السياسي، وإن أطروحاته شمولية وعمومية ودون سند، كما تحول دون فهم العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية. ويرى أن لأنصار هذه الأطروحات قراءة خاطئة للتاريخ، فهم يتجاهلون دور الإسلام لا سيما الأندلسي في بناء أوروبا النهضوية. كما أنهم يركزون على بعض المعطيات (انفجار مركز التجارة العالمي بنيويورك عام 1993، الأزمة الجزائرية…) ويغضون النظر في نفس الوقت عن التيارات الفكرية الأخرى التي تقاوم الأصولية وتطالب بعلمنة المؤسسات ودمقرطة الدول وبالتعددية وذلك في ظل احترام إرثها التاريخي والحضاري وبالانفتاح على العالم.

في موازاة هذه الصورة الخاطئة عن الإسلام التي وضعها دعاة صدام الحضارات، يضيف الكاتب، وضع المتشددون الإسلاميون صورة مضادة خاطئة عن اٍلإسلام. فهم يرفضون تعددية مرجعيات الهويات والتعبير عن التنوع الاجتماعي. يريدون إلغاء قرون من التبادل بين الشرق والغرب، بين الإسلام وأوروبا، باسم "الخصوصيات الثقافية"، لكن في نهاية الأمر، ينقلبون على المواطن باسم "ديكتاتورية الحزب الإسلامي الواحد" (إيران، السودان، طالبان) و"حاكمية الله".

يتساءل الكاتب "هل يمكن اعتبار الإسلام السياسي التهديد الإستراتيجي الأساسي بعد الحرب الباردة؟" لا يمكن الإجابة بالإيجاب على حد قوله. ذلك أن الإسلام السياسي متعدد ومتنوع ويشمل حركات لا تسعى دائما لنفس الهدف، ولا تريد استخدام نفس الوسائل للوصول إلى مآربها. وإن كان الكاتب لا يريد التقليل من شأن الإسلاميين كخطر، إلا أنه ينفي وجود أممية إسلامية أو نوع من "كومنترن أخضر"، "إنها أسطورة" على حد قوله، يسعى أصحابها (من أنصار صدام الحضارات وغيرهم) "بأي ثمن لإيجاد عدو يحل محل الشيوعية؛ لكنه لا يصمد أمام التحليل. الإسلام السياسي يندرج ضمن حقائق محلية أو وطنية؛ كما أن غياب هيكلة جيوستراتيجية دولية للحركات الإسلامية، وعجزها عن التكتل واندماجها في إطار الدولة-الأمة المشكَّلة، والتنافس فيما بينها وتعارضها يجعل واقعية فرضية ائتلاف أصولي عالمي ضعيفة".

وضع الإسلام في أوروبا اليوم
ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن وضع الإسلام في أوروبا اليوم، حيث يقول إن هذا الأخير أصبح جزءا من المشهد الأوروبي، بحكم الاستعمار والهجرة. إذ يعيش في أوروبا 12 مليونا من المسلمين. والإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا، كما يثير اليوم جدالا خاصة بعد قضية الحجاب عام 1989، وأزمة الجزائر، ونشاط الجماعات الإسلامية المسلحة. كل هذه الأحداث قوت من نظرة الريبة تجاه الإسلام.

المشكلة تأتي حسب الكاتب من الخلط بين إسلام فرنسا وأوروبا وتوترات الإسلام السياسي المتشدد على المستوى الدولي. إذ أصبح أي تعبير أو سلوك إسلامي أو مطلب في سبيل الاعتراف بهذه الديانة في المجال العام ينظر إليه كتطرف أصولي. ويرى الكاتب أن بعض السلوكيات التي توصف بالمتشددة أو الأصولية، والتي تبقى قليلة، هي في واقع الأمر ردود فعل احتجاجية ضد التهميش والعنصرية، أما الأغلبية الكاسحة من المسلمين فتسعى للاندماج في المجتمعات الأوروبية، وتتبنى قيمها وسلوكاتها، كما لا تتردد كثيرا على المساجد وتطبق في نمط عيشها (زواج، نسل، استهلاك) نموذج جل الفرنسيين والأوروبيين. الممارسات غير التسامحية لأقلية من المتطرفين لن تؤثر على تطور لا مفر منه نحو التعارف والاعتراف المتبادل، وهذا هو الشرط الأساسي للتعايش في سلام.


العلاقة بين أوروبا والإسلام لا تنسحب فقط على مكانة هذا الأخير في أراضيها بل أيضا على علاقتها مع جنوب المتوسط. السياسة الطموحة التي أُعلن عنها عبر مشروع الشراكة الأوروبية-المتوسطية تشكل مثالا مشجعا، بشرط أن يركز الأوروبيون جهودهم على تضييق هوة ظروف المعيشة ومستويات النمو بين شعوب الضفتين

في رأيه، فإن المسلمين في أغلبيتهم الساحقة يبدون قبولا باللعبة الديمقراطية والدفاع عن قيم العلمانية، لكن على الدول الأوروبية من جانبها أن تعتبر الإسلام ديانة لها مكانتها في المجال العام والمسلمين مواطنين حقيقيين. وعلى فرنسا أن تكون النموذج في هذا المجال لكون الإسلام هو الديانة الثانية في هذا البلد الذي يواجه فيه المسلمون صعوبات في تأدية عباداتهم. الخلط في فرنسا بين الإسلام والإسلام السياسي المتشدد أدى إلى الأحكام المسبقة رغم أن ولوج الإسلام المجال العام لم يضع أسس الدولة العلمانية في خطر. ويتحدث الكاتب عن "أورَبة الإسلام" على غرار ما يعرف في فرنسا بـ "فرنسة الإسلام"، بمعنى جعل الإسلام أوروبيا، يتناسق وينسجم مع القيم الأوروبية بقطع الأوصال مع الدول الأصلية للجالية المسلمة في أوروبا. وذلك أن الشباب المسلم الذي ولد وتربى وتعلم في أوروبا هو من مواطني دول الاتحاد الأوروبي. هذا الواقع يحتم تسهيل إدماج الإسلام في الحياة الاجتماعية ليصبح "جزءا لا يتجزأ من العمران المؤسساتي، الروحي والاجتماعي للاتحاد الأوروبي". هذا هو السبيل الوحيد، على حد قوله، لتفادي التهميش والاحتقان الاجتماعيين. كما يرى أن وجود الملايين من المسلمين في أوروبا وقرب هذه الأخيرة من العالم العربي-الإسلامي لا بد وأن يؤديا إلى التخلي عن الصور النمطية وحل دينامية الحوار والتعايش محل منطق التقوقع على الذات والصدمات.

والعلاقة بين أوروبا والإسلام لا تنسحب فقط على مكانة هذا الأخير في أراضيها بل أيضا على علاقتها مع جنوب المتوسط. السياسة الطموحة التي أُعلن عنها عبر مشروع الشراكة الأوروبية-المتوسطية تشكل مثالا مشجعا، بشرط أن يركز الأوروبيون جهودهم على تضيق هوة ظروف المعيشة ومستويات النمو بين شعوب الضفتين. كما أنه لا يمكن لأوروبا أن تنفتح على الشرق بينما تدير الظهر لجيرانها على الضفة الجنوبية.


إن سياسة التقوقع تهدد التوازن الداخلي للاتحاد الأوروبي، مما يقود إلى الابتعاد عن النموذج الأوروبي وبالتالي تغذية الخطاب الأصولي المعادي للغرب جنوبا.

إن سياسة التقوقع تهدد التوازن الداخلي للاتحاد الأوروبي، مما يقود إلى الابتعاد عن النموذج الأوروبي وبالتالي تغذية الخطاب الأصولي المعادي للغرب جنوبا. وهنا يشير إلى الانسداد السياسي على الضفة الجنوبية وعدول الأنظمة عن مباشرة التحول الديمقراطي، الذي لا مناص منه، ملاحظا افتقار هذه الأنظمة إلى استراتيجية منسجمة ومشتركة لمواجهة تنامي التيارات السياسية الدينية المتشددة. أما الاندماج الاقتصادي الإقليمي فهو يبقى رهينة لعملية سلام محتضرة بسبب السياسات الإسرائيلية.

ينتقد الكاتب الموقف الأوروبي الحالي في مجال الشراكة من خلال تطرقه إلى الحماية الاقتصادية التي تمارسها أوروبا في المجال الزراعي بغلق أسواقها أمام المنتجات الزراعية المتوسطية. ويتساءل عن معنى مفردة "شراكة" في ضوء التفاوت الكبير بين أوروبا وشركائها الجنوبيين وانفراد أوروبا بتحديد قواعد اللعبة. الهدف الأساسي من الشراكة الني انطلقت في برشلونة عام 1995 توسيع فضاء التكامل الاقتصادي إلى الجنوب، وهذا يستدعي، حسب الكاتب، تضافر جهود الطرفين للوصول إلى هذا المبتغى وتوسيع الشراكة حتى لا تبقى منحصرة في التبادل (منطقة تبادل حر). وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتبع مع الدول المتوسطية نفس السياسة الفعالة التي انتهجها حيال بلدان أوروبا الشرقية والتي تتضمن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون. ويرى أن مشروع الشراكة مآله الفشل إن تعذر التوافق السياسي بين الضفتين.

وعليه، فإنه محتم عليهما البحث عن سبيل للتضامن وحوار الثقافات والحضارات. وهذا أمر ضروري في حالة تركيا؛ قوة أوروبية-مسلمة كبيرة. إذ لا يمكن أن يبقى باب أوروبا مغلقا في وجهها. الانفتاح الأوروبي عليها يعد رهانا جيوسياسيا مهما بالنسبة لأوروبا، لكون تركيا كانت وتبقى جسرا بين الإسلام والغرب عموما وأوروبا خصوصا. يقول الكاتب. وفي ختام تحليله، يشدد على ضرورة الحضور الطموح والتضامني لأوروبا في المتوسط، ذلك أن التحدي كبير للضفتين؛ سلك سبيل التضامن، حوار الثقافات والحضارات، التعارف والاعتراف المتبادل من جديد لخلق فضاء تبادل وتكامل على أساس التعايش والسلام.

رغم أن هذا النص يشكل مساهمة قيمة في إثراء النقاش الدائر حول الإسلام في فرنسا وحول "الإسلام الفرنسي"، إلا أنه لا يسلم من بعض السلبيات، أهمها أن قسما لا بأس به منه ابتعد عن عنوان الكتاب حيث تطرق إلى أزمة البلقان وكوسوفو والدور الأوروبي في ظل الهيمنة الأطلسية-الأميركية وهي إشكاليات غربية-غربية أساسا. كما أن الكاتب أخطأ في تحليل بعض القضايا مما جعله "يسيء" – عن غير قصد بدون شك – إلى المسلمين، فهو يقول مثلا إن ما يسمى بـ "مقاومة إسلامية للاندماج" في فرنسا مقولة نسبية للغاية جراء التراجع الكبير في ممارسة العبادات لدى الجيل الثالث (من أبناء الجالية المسلمة). وفي هذا الكلام خطورة، لأنه يعني أن كل مسلم متمسك بالعبادات الدينية يرفض الاندماج وقيم الجمهورية الفرنسية! وهذا طبعا غير صحيح.

المصدر : غير معروف