"الإنصاف" هيئة طوت "سنوات الرصاص" بالمغرب

A woman holds a portrait of Moroccan opposition leader Mehdi Ben Barka as she commemorates the 42nd anniversary of years of his disappearance on 29 October 1965 in Paris, 29 October 2007 in Rabat. About two hundreds people gather today in Rabat as Moroccan socialist leader Ahmed Zairi ask for the truth about this case, six days after French judge Patrick Ramael signed, 23 October 2007, five international arrest warrants including one against General Hosni Benslimane, chief of the Royal gendarmerie.
عهد إلى الهيئة مواصلة البحث بشأن حالات الإخفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد (غيتي)

هيئة غير قضائية أنشئت لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب من 1956 إلى 1999، بالكشف عن حقيقة حالات الإخفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات.

سياق النشأة
أنشئت هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار مسلسل بدأ بداية التسعينيات في السنوات الأخيرة من عهد الملك الحسن الثاني، وتكرس في بداية حكم الملك محمد السادس، في سياق البحث عن تحقيق انفراج سياسي وتحسين صورة المغرب في الخارج، بعد سنوات الاحتقان التي عرفتها عقود ما بعد الاستقلال من صراع مع المعارضة وخروقات ممنهجة ضد الناشطين السياسيين والحقوقيين.

بعد الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإغلاق عدد من مراكز الاعتقال السرية في بداية التسعينيات، جاء إنشاء هيئة التحكيم المستقلة التي تأسست في 16 أغسطس/آب 1999 باقتراح من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وأنهت نشاطها في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بعد أن اتخذت قرارات لتعويض عدد من الضحايا وعائلاتهم.

واستكمالا لعمل اللجنة، أنشئت هيئة الأنصاف والمصالحة في أفق مقاربة أكثر شمولية وعمقا لسنوات الرصاص التي ذهب ضحيتها العديد من الناشطين السياسيين والعسكريين. وهي مقاربة قدمت نموذجا للعدالة الانتقالية التي ترفع شعار الحقيقة والإنصاف والمصالحة، في إطار تسوية غير قضائية، تقوم على إرساء الحقيقة وجبر الضرر الفردي والجماعي.

التأسيس
نُصِّب أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة -التي يوجد مقرها في الرباط– يوم 7 يناير/كانون الثاني 2004 من طرف الملك محمد السادس بمدينة أكادير، في سياق مسلسل للانفتاح الحقوقي يتبنى مطالب الكشف عن حقيقة الانتهاكات الجسيمة عبر تسليط الضوء على مصير ضحايا الإخفاء القسري وتعويض الضحايا أو ذويهم وتحقيق الإنصاف والمصالحة.

طبيعة الهيئة وتركيبتها
تعتبر هيئة الإنصاف والمصالحة لجنة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة، ذات اختصاصات غير قضائية في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. يغطي نطاق اختصاصها فترة زمنية طويلة من 1956 -تاريخ استقلال المغرب- إلى 1999.

تتكون من رئيس و16 عضوا، نصفهم من أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والنصف الآخر يمثلون تجارب وتخصصات متنوعة يجمعها الاهتمام بحماية حقوق الإنسان. ترأسها الحقوقي الراحل إدريس بنزكري، وجاء بعده الناشط الحقوقي أحمد حرزني.

انتظم أعضاء الهيئة، ضمن ثلاثة فرق عمل، الأول مكلف بالتحريات والثاني مكلف بجبر الأضرار، وفريق ثالث مكلف بالأبحاث والدراسات.

مهام الهيئة
أنيطت بالهيئة مهمة إجراء تحريات حول الانتهاكات، وجلسات الاستماع إلى شهادات فاعلين عديدين من ضحايا وأهاليهم وموظفين ومسؤولين في أجهزة الدولة، كما اطلعت على الأرشيفات الرسمية، وغير ذلك من المعطيات التي مكنت من الكشف عن حقيقة ما وقع من خروقات لحقوق الإنسان.

وعهد إلى الهيئة مواصلة البحث بشأن حالات الإخفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد، وبذل كل الجهود للتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها والكشف عن مصير المختفين، مع إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم.

وذلك إلى جانب الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو أي طرف آخر في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات، وجبر الأضرار من خلال التعويض المادي للضحايا، وذوي الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج واقتراح مشاريع تنموية للمناطق التي تعرضت للتهميش على خلفيات سياسية.

إنجازات الهيئة
انتهى انتداب الهيئة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وقدمت تقريرها في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه إلى الملك المغربي الذي كلف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمتابعة تنفيذ توصيات الهيئة.

وبحسب التقرير الختامي، فقد قامت الهيئة ببحث ودراسة أزيد من عشرين ألف ملف لضحايا الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة السيئة، ومكنت تحريات الهيئة من إجلاء حقيقة مصير 742 حالة مختلفة.

وهكذا تمكنت الهيئة من اكتشاف أو تحديد هويات 89 شخصا توفوا رهن الاحتجاز، واكتشاف وتحديد هويات 11 شخصا توفوا على إثر مواجهات مسلحة والوقوف على أماكن دفنهم، والانتهاء إلى أن 325 من الأشخاص المدرجة أسماء بعضهم في عداد مجهولي المصير، قد توفوا على إثر الأحداث الاجتماعية الواقعة في سنوات 1965 (50 وفاة) و1981 (114 وفاة) و1984 (49 وفاة).

كما انتهت الهيئة إلى تحديد وفاة 173 شخصا رهن الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 في مراكز اعتقال مثل: دار بريشة، ودار المقري ودرب مولاي الشريف وتافنديلت والكوربيس.. غير أنها لم تتمكن من تحديد أماكن الدفن.

وفي سياق النزاع بالصحراء الغربية، أفضت تحريات الهيئة إلى استجلاء مصير 211 حالة لأشخاص كانوا محسوبين في عداد المختفين كالتالي: وفاة 144 خلال الاشتباكات المسلحة، تم تحديد هويات وأماكن وفاة ودفن أربعين منهم، بينما تم تحديد هويات وأماكن رفات 88 منهم دون التمكن من تحديد القبور.

ولم تتمكن الهيئة من تحديد هويات 12 شخصا من بين المتوفين، في حين تأكدت الهيئة من أن أربعة أشخاص اعتقلوا ونقلوا إلى مستشفيات على إثر إصابتهم بجروح خلال الاشتباكات، وتوفوا فيها ودفنوا في مقابر عادية. وخلصت إلى أن 67 شخصا كانوا محسوبين في عداد المختفين ثبت للهيئة أنهم سلموا للجنة الدولية للصليب الأحمر في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1996.

وأقرت الهيئة في التقرير الختامي أنها "واجهت أثناء الكشف عن الحقيقة معوقات، من بينها محدودية بعض الشهادات الشفوية وهشاشتها، وتم التغلب على ذلك باللجوء إلى مصادر مكتوبة، وكذا الحالة المزرية التي يوجد عليها الأرشيف الوطني، والتعاون غير المتكافئ لبعض الأجهزة (الأمنية) حيث قدم البعض منها أجوبة ناقصة عن ملفات عرضت عليها، كما رفض بعض المسؤولين السابقين المحالين على التقاعد المساهمة في مجهود البحث عن الحقيقة".

ورغم النتائج التي تم التنويه بها من قبل أطراف وطنية ودولية، من حيث التعويض المادي للضحايا وعائلاتهم، وكشف المقابر السرية التي دفنت فيها الجثامين، وتحويل مراكز الاعتقال إلى أماكن للذاكرة، وإطلاق برامج تربوية وتشريعية للمصالحة مع الماضي؛ فإن التجربة قوبلت بتحفظات عدد من الفاعلين، سواء من الضحايا أو من الهيئات الحقوقية.

فقد تمسك فاعلون حقوقيون في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعض التنظيمات الراديكالية اليسارية؛ بضرورة إصدار اعتذار رسمي صريح من قبل الدولة، ورفضوا فكرة طي صفحة الماضي عبر التسوية غير القضائية، واعتبروها نوعا من الإفلات من العقاب.

وانتقد هؤلاء عجز الهيئة عن كشف مصير شخصيات بارزة تتصدر قائمة المختفين، وهم المهدي بن بركة وحسين المانوزي وعبد الحق الرويسي.

وشمل الانتقاد اقتصار عمل الهيئة على عملية تعويض الضحايا وإجراءات موازية دون تحريك الدعاوى القضائية ضد الجلادين ومرتكبي الانتهاكات، وعدم تفعيل الهيئات المختصة في الدولة للتوصيات التي اختتمت بها الهيئة ولايتها.

المصدر : الجزيرة