كيف سقطت مدينة الموصل؟

The wreckage of a car belonging to Islamic State militants lies along a road after it was targeted by a U.S. air strike at the entrance to the Mosul Dam, northern Iraq August 21, 2014. Iraqi and Kurdish forces recaptured Iraq's biggest dam from Islamist militants with the help of U.S. air strikes to secure a vital strategic objective in fighting that threatens to break up the country, Kurdish and U.S. officials said on Monday. REUTERS/Youssef Boudlal (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST POLITICS MILITARY CONFLICT ENERGY)
مسلحو تنظيم الدولة سيطروا على الموصل والمناطق المحيطة في أيام معدودات (رويترز)

في يوم 10 يونيو/حزيران 2014 سيطر تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) ليتخذها منطلقا لضم مساحات واسعة من البلاد، فاتحا الأبواب على اتهامات متبادلة داخل هيئات الحكم في بغداد بالمسؤولية عن هذا الحدث الجلل. فما الذي حصل؟

 

تسلسل الأحداث
5 يونيو/حزيران 2014: محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي يقول إنه "لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها"، ويؤكد أن السلطات الأمنية (قيادة العمليات الثلاثية) فرضت حظر التجوال فيها كـ"فعل احترازي" في هذه المدينة التي تشكل عاصمة المحافظة وتقع على بعد 400 كلم شمال بغداد وتعتبر ثانية كبريات المدن العراقية.

6 يونيو/حزيران: قوات محدودة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تدخل مدينة الموصل وخاصة أطرافها في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير. وقد قتل 12 شخصا وأصيب العشرات بجروح في هجمات بسيارات مفخخة واشتباكات مسلحة داخل وحول المدينة.

واشتبكت قوات التنظيم مع من لم يهرب من عناصر الفوج السابع من الشرطة المحلية (بقي منهم 40-50 مقاتلا) مدة ثلاثة أيام دون أن تتلقى هذه العناصر أي مساعدة من "قيادة العمليات"، مما أدى إلى انهيارها في النهاية مما فتح الباب أمام انهيارات أمنية متلاحقة.

7 يونيو/حزيران: نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل خشية التعرض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلحي التنظيم، والقوات الحكومية تؤكد استعادتها "السيطرة على 90%" من مدينة الموصل إثر قصف الجيش للمناطق التي سيطر عليها المسلحون، مما أدى إلى "قتل 105 من المسلحين وتدمير عشرين من سياراتهم المزودة بأسلحة آلية مما منعهم من السيطرة على الأرض".

8 يونيو/حزيران: استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش الرسمي الذي نفذ قصفا عشوائيا على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون ويسيّرون فيها دوريات، معلنا أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لـ"تطهيرها من المجاميع الإرهابية".

9 يونيو/حزيران: الشرطة الاتحادية تنسحب -دون أي قتال- من مقراتها في منطقة الموصل الجديدة وحي الرسالة وتحرق تلك المقرات.

ومن جهة أخرى -وفي نفس اليوم- هاجم 13 مقاتلا من تنظيم الدولة وحدة من الشرطة الاتحادية كانت تشكل خط صد عن المدينة لكن أفراد الوحدة فروا، ثم حدث انهيار كبير -خلال ثلاث ساعات- في قوات "الفرقة الثانية" من الجيش العراقي بعد أن شاع بين الجنود أن القادة الكبار في "قيادة العمليات" قد هربوا وقطعوا الجسور خلفهم على الساحل الأيمن من المدينة.

10 يونيو/حزيران: مئات من مسلحي تنظيم الدولة يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل، طاردين القيادات السياسية والأمنية والقوات الرسمية التي تقدر بثلاث فرق من الجيش والشرطة (ما بين 40-50 ألف مقاتل) مجهزة بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأميركي، والتي أصيبت بـ"انهيار أمني كامل" حسب تعبير وزارة الخارجية الأميركية.

وفي أول إجراء اتخذوه، فتح مسلحو التنظيم سجن بادوش الخاص بجرائم الإرهاب والجرائم الكبرى وسجون مراكز الشرطة في المدينة، وأطلقوا سراح مئات المعتقلين المحكومين فيها على ذمة قضايا أمنية.

وأظهرت صور حصلت عليها الجزيرة معسكرا للجيش العراقي في الموصل بعد فرار الجنود منه عقب سيطرة المسلحين التابعين لتنظيم الدولة والعشائر على المدينة. وتظهر الصور سيارات تابعة للجيش وملابس عسكرية لجنود بعد قيامهم بتغييرها بأخرى مدنية قبل انسحابهم الذي أحدث انهيارا أمنيا كاملا في المدينة قبل قيام المسلحين لاحقا بتأمين الوضع.

وفي بغداد عقد رئيس مجلس النواب العراقي حينها أسامة النجيفي مؤتمرا صحفيا في نفس اليوم، أكد فيه "سقوط محافظة نينوى بشكل كامل بأيدي مسلحين"، بسبب "هروب مفاجئ" للقوات الأمنية أدى إلى سقوط كل مواقع القيادة ومخازن الأسلحة وكذلك مطار الموصل والسجون.

وأضاف أن ما حدث في نينوى "أمر كارثي لا بد من التحقيق فيه، لأنه نتج عن إهمال القوات الأمنية رغم علمها المسبق بوجود من سماهم الإرهابيين في المحافظة"، مشيرا إلى أنه بعد احتدام المعارك داخل الموصل تخلت كل القوات العسكرية عن أسلحتها ومدرعاتها، وفرّت هاربة منها لتسقط المدينة "لقمة سائغة" في أيدي المسلحين.

وأوضح النجيفي أن "أفراد الجيش والشرطة نزعوا ملابسهم العسكرية والأمنية وأصبحت مراكز الجيش والشرطة في المدينة فارغة، في حين قام المسلحون بإطلاق سراح سجناء" من سجون المدينة التي وصفها بأنها أصبحت "خارج سيطرة الدولة وتحت رحمة المسلحين".

ومن جهته؛ أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي حالة تأهب قصوى في البلاد وطالب بالتعبئة الشاملة لدحر من وصفهم بالإرهابيين في كل المناطق التي استولوْا عليها، داعيا مجلس النواب إلى إعلان حالة الطوارئ.

مسؤولية السقوط
إثر سقوط الموصل سارعت الحكومة المركزية في بغداد إلى اتهام السلطات الإدارية المحلية -بقيادة المحافظ أثيل النجيفي- بتسهيل دخول المسلحين، و"خيانة" مسؤوليتهم بالتخلي عن حماية المدينة التي يقطنها مليونا نسمة.

أما المحافظ النجيفي فقد قال -في تصريحات للجزيرة أدلى بها في نفس اليوم- إن "انهيار" قوات الأمن والجيش "الكبير والسريع في مدينة الموصل يوحي بتقصير مقصود وليس عفويا"، معتبرا أن المدينة "توشك على الضياع بين انسحاب أهلها وتحكم الغرباء في أحوالها".

وفي حديث له لاحق مع الجزيرة -في حلقة من برنامج "لقاء اليوم" بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2014- أكد النجيفي أن سلطاته لم تسلم الموصل للمسلحين "وإنما الذي سلمها الجيش التابع لرئيس الوزراء المالكي الذي سحب كل الصلاحيات الأمنية والعسكرية من كل المحافظين، وأعطاها فقط للقوات العسكرية الموجودة من خلال قيادة عمليات نينوى".

وأضاف النجيفي أن "كل منتسبي وزارات الداخلية والدفاع يرتبطون بقيادة عمليات نينوى -ولا يرتبطون بالمحافظ- خلافا القانون، وهؤلاء هم الذين كانوا يتحكمون في الأمر، وهم الذين كانوا يقدرون على الدفاع عن الموصل أو الانسحاب منها كما فعلوا، وفي الحقيقة هم انسحبوا بطريقة خذلوا فيها أهل الموصل".

لكن لجنة برلمانية شكلها البرلمان العراقي للكشف عن ملابسات سقوط مدينة الموصل في  تقريرها النهائي الذي استغرق إعداده ثمانية أشهر وسلمته لرئيس البرلمان سليم الجبوري في 16 أغسطس/آب 2015- حملت رئيس الوزراء المالكي و35 مسؤولا مسؤولية سقوط المدينة في يد تنظيم الدولة، ليعلن بها زعيمه أبو بكر البغدادي قيام "الخلافة الإسلامية" من على منبر "جامع النوري" يوم 4 يوليو/تموز 2014.

المصدر : الجزيرة