الصومالي محمد نور.. أمير الدراويش الذي أنهك بريطانيا

تمثال بمقديشو للقائد الصومالي الراحل محمد عبد الله حسن نور
تمثال بمقديشو للقائد الصومالي الراحل محمد عبد الله حسن نور (الجزيرة)

عالم صومالي، ثوري، خاض معارك شرسة ضد القوات البريطانية إبان احتلالها لبلاده وكبدها خسائر فادحة قبل أن تقضي على حركته التي عرفت بدولة الدراويش.

المولد والنشأة
ولد سيد محمد بن عبد الله حسن نور عام 1856 في منطقة نوجال شمال شرق الصومال. ينتمي لأسرة تنحدر من أصول عربية، ونشأ في وسط متديّن.

الدراسة والتكوين
حفظ القرآن الكريم وجوّده بالعاشرة من عمره ثم درس متون الفقه واللغة. وشد الرحال لطلب العلم في مقديشو ثم إلى نيروبي والسودان. كما سافر إلى الحجاز وصحب شيوخ العلم هناك لست سنوات درس خلالها تفسير القرآن والحديث والفقه. وكان أبرز شيوخه السلفي أحمد صالح الرشيدي. كما أخذ عن مشايخ الأزهر في مصر وقاده طلب العلم أيضا إلى اليمن وفلسطين.

المسار
بعد تضلعه في العلم ولقائه بالعديد من المشايخ في الأقطار العربية والإسلامية، عاد إلى الصومال الذي كان حينها خاضعا للاحتلال البريطاني.

أسس محمد بن عبد الله حسن نور حركة تجمع في مرجعيتها بين السياسة وتصوف الطريقة الصلاحية، وهدف من خلالها لتوحيد القبائل الصومالية، وحث الناس على الجهاد ضد الاحتلال البريطاني وقاد المعارك بنفسه.

شنّت عليه بريطانيا حربا عسكرية وعملت على تشويه صورته بين المسلمين في الصومال من خلال إشاعة أنه مجنون.  وإلى جانب البريطانيين واجه أطماع الإثيوبيين والإيطاليين في البلاد.

تقول المصادر إن البريطانيين والإثيوبيين والإيطاليين حشدوا 15 ألف جندي لسحق حركته عام 1900، ولكنه هزمهم مجتمعين بفعل التفاف أبناء القبائل حوله وتحمسهم للجهاد ضد الاحتلال.

عام 1902، عاودت القوات البريطانية الكرّة ضد أمير الدراويش مستعينة بخمسمئة مقاتل صومالي يعملون معها، ولكن رجال الشيخ قتلوا مئة جندي بريطاني في معركة بإقليم بارن، فكانت واقعة مشهودة بالقرن الأفريقي.

وفي منتصف مارس/آذار 1903، هاجمت قوات بريطانية وإثيوبية مقاتلي الشيخ وقتلت عددا كبيرا منهم، ولكنه أحرز النصر في النهاية ودفع المحتلين للخلف بعد أن قتل 29 من القوات البريطانية و187 من حلفائها.

أواخر يونيو/حزيران من ذات العام، شنت بريطانيا وحلفاؤها حملة رابعة على حركة الشيخ فهزمت رجاله وقتلت منهم أعدادا هائلة ولكنها فشلت في أسره خلافا لما خططت له.

وتقول المصادر إن بريطانيا عرضت عليه الصلح والتخلي له عن إدارة بعض المناطق مقابل الاعتراف بسيادتها على الصومال وقبوله بعدة شروط مذلة، ولكنه رفض.

تحصن الشيخ ومقاتلوه في قلعة على الساحل الصومالي فلاحقته القوات البريطانية وحلفاؤها، وخاض الجانبان معركة خامسة شرسة أسفرت عن تكبيد مقاتلي الشيخ خسائر بشرية فادحة، فيما فقدت بريطانيا 8 من ضباطها والعشرات من حلفائها ولحقت بها خسائر مادية كبيرة.

وفي عام 1905 توسطت إيطاليا بين بريطانيا والشيخ محمد نور ووقعا اتفاق صلح يقضي باقتصار نفوذه على مناطق محددة بالجزء الصومالي الخاضع للقوات الإيطالية، وعدم شرائه للسلاح، على أن تمتنع بريطانيا عن مهاجمته ومضايقة أتباعه.

في عام 1908، حدثت انشقاقات ذات بعد ديني داخل حركة الشيخ، وتقول المصادر إن بريطانيا تقف وراءها. تمكّن الشيخ من إخماد الثورة ضده "وأعدم المتآمرين على قتله وعزله".

وفي السنوات اللاحقة، عزز الشيخ نفوذه، وتقول المصادر إنه ألحق خسائر كبيرة بالقوات البريطانية في العديد من المعارك.

ثم عمل على تأسيس هياكل الدولة وتنظيم شؤون الزراعة والجيش، وأنشأ مؤسّسات قانونيّة وتشريعية وبدأ ينشر أفكاره بين أبناء الصومال والقرن الأفريقي.

قبل محمد نور الانضواء تحت لواء الخلافة العثمانيّة طالبا منها الحماية عام 1916. ولكنها لم تقدم له المساعدة التي احتاجها فقد كانت مشغولة بالثورة العربيّة.

في عام 1920، شنت القوات البريطانية قصفا عنيفا على مقاتلي نور مما أجبره على الانسحاب من مقديشو وفرّ في وقت لاحق إلى إثيوبيا بعد أسر عدد من عناصره وأفراد عائلته.

أوسمة وجوائز
منحه السلطان العثماني محمد رشاد لقب أمير الصومال عام 1916. وأقيم نصب لتخليده وسط العاصمة مقديشو.

الوفاة
وفي أواخر 1920، توفي سيد محمد بن عبد الله حسن نور متأثرا بمرض الإنفلونزا ودفن في بلدة إيمي بإقليم أوغادين.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية