قاسم سليماني.. جنرال إيراني دعم حلفاء طهران واغتالته أميركا في العراق

ضابط عسكري إيراني ولد عام 1957، لعب دورا محوريا في تمدد النفوذ الإيراني الخارجي، وعُدّ في بلاده بطلا قوميا، شارك في الثورة الإسلامية الإيرانية، وساهم في مواجهة الثورات الداخلية الكردية، وقاد لواء "ثار الله 41" في الحرب العراقية الإيرانية.

شغل منصب قائد "فيلق القدس" الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وتولى مسؤولية السياسة الخارجية في عدد من الدول الإقليمية، وأشرف على ملفات ساخنة لبلدان تأجج فيها الصراع، مثل العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن وأفغانستان.

حارب تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، وبرز اسمه في الصراع مع الولايات المتحدة التي اغتالته قواتها عام 2020 متذرعة بأنه خطط للقيام بعمليات هجومية ضدها.

المولد والنشأة

ولد قاسم حسن سليماني يوم 11 مارس/آذار 1957 في قرية قناة ملك بقضاء رابور في محافظة كرمان جنوبي إيران.

تنحدر أصول عائلته من القبائل البدوية لعشيرة سليماني التي قطنت في محافظة فارس قبل انتقالها إلى أفغانستان والهند في عهد شاه إيران نادر أفشار، لتعود وتستقر لاحقا في كرمان.

ينتمي سليماني إلى عائلة ريفية فقيرة عملت في الزراعة، وقد أجبرته الظروف المادية الصعبة على السفر إلى كرمان بعد إتمامه المرحلة الابتدائية للعمل في مجال البناء لمساعدة والده على سداد ديونه، ولم يتمكن من إكمال تعليمه، فتوقف بعد المرحلة الثانوية والتحق بسوق العمل وهو في الـ18 من عمره مقاولا في مؤسسة مياه كرمان.

المسار العسكري

انخرط سليماني في الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1979، وفي مطلع عام 1980 عقب قيام الجمهورية التحق بـ"حرس الثورة الإسلامية"، وأولى المهام التي أوكلت إليه مواجهة حركة التمرد الكردية التي تأججت عقب قيام الجمهورية واستمرت حتى عام 1983، فدرّب تشكيلات عسكرية ورافقها إلى مناطق العمليات، كما تولى لفترة قيادة جيش محافظة أذربيجان الغربية ذات الأغلبية الكردية في شمال غربي إيران.

شارك في الحرب الإيرانية العراقية التي وقعت بين العامين 1980 و1988 وهو في العشرينيات من عمره، ودرّب كتائب عدة في كرمان تم إرسالها إلى الجبهات، ثم عيّنه قائد الحرس الثوري اللواء محسن رضائي عام 1982 قائدا للواء "ثأر الله 41" الذي ضم عناصر من محافظات كرمان وسيستان وبلوشستان وهرمزكان.

قاد سليماني لواء "ثأر الله" في الحرب على العراق، وهو اللواء الذي أحرز "تميزا" في مهمات الاستطلاع خلف الخطوط العراقية، ونفذ عمليات عسكرية كبرى مثل "الفجر 8″ و"كربلاء 4" و"كربلاء 5″، واقتحم خلالها خطوط الجبهة العراقية، وبرز في تلك الآونة قائدا ناجحا في الميدان.

وعلى إثر توقف الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 رُقي إلى رتبة عميد، وعُيّن قائدا للحرس الثوري في محافظة كرمان، فتولى مهام أمنية على الحدود مع أفغانستان تتضمن مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود إلى إيران، وسرعان ما أصبح من أهم القادة العسكريين في المناطق الحدودية.

قائد "فيلق القدس"

عام 1998 عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي للجمهورية الإسلامية الإيرانية قائدا لـ"فيلق القدس" الذي يعد الفيلق النخبوي للحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجية، وأوسد إليه مسؤولية العلاقات الخارجية في عدد من الدول الإقليمية.

ومنذ تسلمه قيادة "فيلق القدس" طوره وأصبح العقل المدبر للأنشطة العسكرية الإيرانية في الخارج، ولعب دورا رئيسيا في توسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط عبر تقديم المال والسلاح والتدريب للجماعات المسلحة الموالية، ودعم الحلفاء في المنطقة، والمشاركة الفعلية في الجبهات.

وقد كان العراق ولبنان وسوريا مسرحا مركزيا لعمليات فيلق القدس وقائده قاسم سليماني، وأصبح له وجود مؤثر فيها، حيث خلق علاقة صلبة مع حزب الله في لبنان، وتقارب مع الفصائل الفلسطينية، وأنشأ روابط متينة مع النظام السوري، وشارك في تأسيس الحشد الشعبي، وأنشأ شبكة علاقات سياسية وعسكرية واسعة في العراق، كما حظيت مناطق أخرى باهتمامه، فدعم جماعة الحوثي في اليمن، وساعد الحركات المسلحة ضد طالبان أفغانستان، وساند المرجعيات الشيعية في البحرين.

وأبلغ سليماني قادة القوات المسلحة الإيرانية قبل اغتياله بأشهر قليلة أنه أنشأ محورا في المنطقة من 6 جيوش، يبدأ من الحدود الإيرانية ويصل إلى شواطئ البحر المتوسط، وتتمركز هذه الجيوش والحشود الشعبية في مساحة تصل إلى أكثر من 1500 كيلومتر.

وقد شمل مجال نفوذ سليماني مناطق واسعة، أبرزها:

العراق

يعد العراق من أبرز المناطق التي وقعت تحت سطوة سليماني ونفوذه منذ وقت مبكر، إذ ينسب إليه دعم الجماعات الشيعية والكردية في مواجهة الرئيس السابق صدام حسين، ومع بدء الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وجّه الجماعات المسلحة بالقيام بضربات ضد القوات والقواعد العسكرية الأميركية.

وسعى إلى دعم القوات العسكرية الموالية لإيران، ودربها وزودها بالسلاح، مثل: "كتائب حزب الله"، و"كتائب الإمام علي"، و"عصائب أهل الحق"، و"فصائل سيد الشهداء".

وأعلن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، وشارك في تأسيس "الحشد الشعبي العراقي" بهدف القضاء على التنظيم، وأشرف بنفسه على معارك عدة، منها آمرلي وتكريت والفلوجة وجرف الصخر وأربيل، وغدا اسمه مصاحبا لانتصارات القوات العراقية البرية.

وسعى الإعلام التابع للحشد الشعبي إلى إظهار جهود سليماني في محاربة تنظيم الدولة عبر بث صور تجمعه برئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في موقع على أطراف الفلوجة أثناء الهجوم على المدينة، كما نشر صورا له في غرفة لقيادة العمليات العسكرية بحضور عدد من قادة الحشد.

ولم يقتصر نفوذه على الجانب العسكري، فقد أثّر في المشهد السياسي العراقي بكل تفاصيله، وطالت علاقاته الأحزاب السياسية العراقية، فبقي على اتصال وثيق بها، وغدا اختيار الحكومات بعد 2003 بمباركة منه، كما برز دوره في بعض حيثيات تشكيل بعض الحكومات العراقية.

وفي عام 2019 حاول إحباط المظاهرات الشعبية ضد الحكومة، والتقى بالمسؤولين العراقيين لمنع الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الأمر الذي نجم عنه إحراق المتظاهرين القنصلية الإيرانية في النجف احتجاجا على التدخلات الإيرانية في السياسة الداخلية.

سوريا

لسليماني باع طويل في النشاطات العسكرية على الأراضي السورية بعد الثورة عام 2011، ومثّل دعمه القوة الفاعلة التي حولت الوضع العسكري في سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد، فقد قاتل إلى جانب النظام السوري في حربه ضد الثوار، وتصدى لقوات تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن أبرز أدواره التي غيرت مجرى الأحداث في سوريا إقناع المسؤولين العراقيين بالسماح لتعزيزات عسكرية إيرانية بالمرور عبر الأراضي العراقية، وفتح المجال الجوي العراقي أمام المساعدات الإيرانية لتزويد النظام السوري بالسلاح والمقاتلين والدعم اللوجستي.

وشارك سليماني في الجبهات، فأدار القتال من قاعدة في دمشق عبر توجيه مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني، وقوات لحزب الله اللبناني، ومليشيات عراقية في معارك عديدة، منها: حلب وريف حمص و"باب عمرو"، وساعد في استعادة عدد من المدن والبلدات الرئيسية.

وأشرف بنفسه على معركة مدينة القصير عام 2013 إلى حين استعادة المدينة من جديد، وحضر بقوة في المواجهات العنيفة التي وقعت في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية عام 2017، والتي أسفرت عن طرد قوات تنظيم الدولة من آخر معقل لها في سوريا.

لبنان

بنى سليماني علاقات وثيقة مع قادة حزب الله في لبنان، ولا سيما مع القائد العسكري للحزب آنذاك عماد مغنية والأمين العام حسن نصر الله، وساهم بشكل كبير في تطوير قدرات الحزب كما ونوعا، وزوده بالسلاح والصواريخ.

وشارك في بعض المواجهات بنفسه، ففي حرب يوليو/تموز 2006 وقف سليماني بجانب قيادات حزب الله طوال فترة الحرب التي استمرت 34 يوما، ولم يغادر إلا مرة واحدة حين أطلع خامنئي على تطورات الوضع في لبنان، ثم قفل راجعا في اليوم نفسه حاملا معه رسالة إلى نصر الله.

كما أدى أدوارا أخرى تتعدى النطاق العسكري، منها: قيادة فريق إيراني للتحقيق في مقتل عماد مغنية سنة 2008.

اليمن

كانت جماعة الحوثي هي المستهدفة من الدعم الإيراني في اليمن، وبعد قيام الثورة اليمنية في فبراير/شباط 2011 بدأ الدعم يشمل كافة الجوانب الإعلامية والسياسية والعسكرية، وساهم هذا الدعم في تطوير قدرات الحوثيين على مختلف المستويات.

ودعم سليماني الحوثيين لوجستيا، وزودهم بالخبراء ودربهم ووفر لهم السلاح والصواريخ، فاستطاع الحوثيون عام 2014 السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق إستراتيجية في محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، بينها المطار المدني والعسكري والميناء الرئيسي.

ورغم أن أصابع الاتهام الإقليمية والدولية ظلت تشير إلى دور إيران في إذكاء فتيل الحرب في اليمن عن طريق حلفائها الحوثيين فإن الطرف الإيراني أنكر على نحو دائم، وفي عام 2019 كشفت إيران لأول مرة عن تقديم الحرس الثوري دعما للحوثيين، وأكدت أن الدعم يقتصر على الجانبين الاستشاري والمعنوي دون العسكري.

فلسطين

تمتع سليماني بتقارب كبير مع فصائل المقاومة الفلسطينية بكافة ألوانها -ولا سيما حركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- والتقى بقياداتها في سوريا ولبنان، وقدم لها الدعم المادي والسلاح، وتابع عن كثب سير العمليات العسكرية في فلسطين.

أفغانستان

أشارت مصادر استخباراتية أميركية إلى اضطلاع سليماني بتدريب المقاتلين العرب في البوسنة في العامين 1996 و1997 وإرسالهم إلى أفغانستان للقتال ضد حركة طالبان على خلفية توتر العلاقات بين إيران والحركة إبان سيطرة الحركة على أفغانستان، كما دعم قوات أحمد شاه سنة 1999 وزودها بالمعدات والسلاح للتصدي لطالبان.

البحرين

هدد سليماني الحكومة البحرينية في يوليو/تموز 2016 بإشعال ثورة دموية، وذلك على خلفية قرار السلطات البحرينية سحب الجنسية من أكبر مرجع ديني شيعي في البلاد وهو الشيخ عيسى قاسم بتهمة التشجيع على الطائفية والعنف.

وأعلن سليماني أن الاعتداء على عيسى قاسم خط أحمر لإيران، وتجاوزه يعني إشعال نار في البحرين والمنطقة.

بطل قومي

لم يغب سليماني عن المشهد الداخلي الإيراني، وشارك في الأحداث المهمة بالبلاد، وتدخل حينما تطلب الأمر، وقد كان أحد قادة الحرس الثوري الذين دفعوا السلطات الإيرانية إلى التصدي لثورة الطلاب عام 1999، وشاركوا في إخمادها.

وعُرف سليماني "مقاتلا ملتزما" بالفكر الأيديولوجي للنظام الإيراني، فحاز على ثقة القيادات العليا، وتنامى نفوذه في الداخل، واستطاع تعيين مبعوثين في السفارات من كوادر الحرس الثوري الإيراني، كما حاز على مكانة قريبة من خامنئي الذي أثنى على جهوده ويسميه "الشهيد الحي".

وعُدّ سليماني في الداخل الإيراني "بطلا قوميا" يدافع عن سيادة البلاد في الخارج، وأصبح مادة رائجة في وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وحظي بشعبية واسعة، حتى أصبح ينظر إليه على أنه ثاني أقوى شخصية في إيران بعد خامنئي.

المناصب والمسؤوليات

استطاع سليماني خلال مساره المهني الارتقاء إلى أعلى السلم العسكري، ومن أبرز المناصب التي شغلها:

– قائد لواء "ثأر الله 41" بين العامين 1982 و1988.
– قائد الحرس الثوري في محافظة كرمان برتبة عميد عام 1988.
– قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري في الفترة بين عامي 1998 و2020 برتبة عقيد، ثم برتبة لواء منذ عام 2011.
– رتبة فريق بعد وفاته عام 2020.

تكريم ووسام

نال سليماني يوم 10 مارس/آذار 2019 وسام " ذو الفقار" الذي يعد أعلى وسام شرف في الجمهورية الإيرانية، وقلده الوسام خامنئي تقديرا لإنجازاته العسكرية، وكانت تلك المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذا الوسام منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

عقوبات دولية

أصدر مجلس الأمن الدولي عام 2007 قرارا يقضي بعقوبات تطال سليماني، تضمنت حظر السفر بحقه وتجميد أصول يملكها، كما صنفته أميركا إرهابيا عالميا في العام 2011.

وفي سياق عقوباته المفروضة على النظام السوري فرض الاتحاد الأوروبي في العام نفسه عقوبات على قاسم سليماني، وذلك لمساعدته في عمليات قمع المتظاهرين السوريين، وتقتضي العقوبات تجميد حساباته في أوروبا ومنعه من الحصول على تأشيرة دخول إليها.

الاغتيال

اغتيل قاسم سليماني يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020 باستهداف سيارته في غارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، وصرحت السلطات الأميركية بأن الاستهداف هو عملية وقائية الهدف منها حماية الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين، وذلك على خلفية معلومات استخباراتية أميركية أفادت بأن الجنرال الإيراني خطط لهجمات ضد الأميركيين، وادعت أميركا وجود علاقة لسليماني بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وقد شيع جثمانه الملايين، ونقل بين بغداد وكربلاء والنجف، ثم إلى مشهد والأهواز في إيران، حيث أقيمت عليه صلاة الجنازة في طهران بإمامة علي خامنئي، ودفن في كرمان يوم 8 يناير/كانون الثاني 2020.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية