مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف.. خيار الفرنسيين لمواجه ماكرون في جولة الحسم

Marine Le Pen, French National Front (FN) political party leader and candidate for the French 2017 presidential election, attends a news conference in Paris, France, April 21, 2017. REUTERS/Benoit Tessier
بعد انتخابات 2017، نجحت مارين لوبان للمرة الثانية في الوصول إلى جولة الإعادة لتواجه الرئيس ماكرون في انتخابات 2022 (رويترز)

لم تكتسب السياسية الفرنسية مارين لوبان شهرتها فقط من شهرة والدها الزعيم اليميني المتطرف جان ماري لوبان، بل من اختياراتها السياسية المخالفة لنهج أبيها.

انضمت لوبان إلى حزب الجبهة الوطنية وعمرها 18 عاما، ولم تحلّ سنة 2011 حتى صارت زعيمة له، وبفضل أدائها تمكن الحزب من تحقيق نتائج انتخابية متميزة.

ورغم خسارتها في انتخابات الدور الثاني من الرئاسيات الفرنسية عام 2017 أمام المرشح إيمانويل ماكرون، فإنها نجحت -للمرة الثانية على التوالي- في الوصول إلى جولة الإعادة، لتواجه الرئيس ماكرون في انتخابات 2022.

المولد والنشأة

  • 5 أغسطس/آب 1968: ولدت مارين لوبان في مدينة نويي سوغ سين، وهي واحدة من 3 بنات لزعيم الحزب اليميني المتطرف جان ماري لوبان.
  • بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة، التحقت بكلية القانون بجامعة باريس 2 التي تخرجت منها عام 1990.
  • عام 1986: انضمت لوبان إلى حزب أبيها "الجبهة الوطنية" وعمرها 18 سنة.
  • عام 1992: بدأت عملها في المحاماة وانتخبت يوم 16 يناير/كانون الثاني 2011 رئيسة لحزب الجبهة الوطنية.

شحنة ديناميت

إن كنتَ ستلتقي مارين لوبان متوقعا أن تسمع منها أحكاما قاسية، كأنْ تصف غرف الغاز بأنها "تفصيل" من تفاصيل الحرب العالمية الثانية، كما كان يردد أبوها، فإن ظنك سيخيب.

بل إن مارين -المتهمة بتشجيع الكراهية ضد العرب والمسلمين- قد تشكو لك كيف عانت التمييز وهي صغيرة بسبب مواقف أبيها جان ماري لوبان، وتروي لك كيف دافعت عن مهاجرين سريين عندما كانت تمارس المحاماة في باريس.

سترى في عينيها نظرة تشع ابتسامة ماكرة، تعرف أيضا كيف تجعلها قاسية عند الضرورة؛ لكن مارين لوبان أكثر تعقيدا من ذلك.

عام 2011: عندما طلب منها مراسل نيويورك تايمز أن تذكر أحد الأشياء التي ساهمت في تكوين شخصيتها وهي صغيرة، كانت الإجابة أنها "20 كيلوغراما من الديناميت".

كانت تتحدث عن قنبلة مزقت واجهة البناية التي كانت عائلتها تسكنها في باريس، تقول مارين "أدركتُ (حينها) أن السياسة قد تكلفك حياتك".

منذ أن حصدت مارين أكثر من 18% من أصوات الناخبين في الدور الأول من رئاسيات 2012، لم يعد الحديث عن الجبهة الوطنية من ترف النقاش الأيديولوجي، فهذا الحزب بات قادرا على أن يحدد من سيدخل الإليزيه، كما قد يستطيع دخول البرلمان لأول مرة منذ 20 عاما.

النظام الانتخابي

لم يكن هدف مارين في انتخابات 2012 هو الفوز، فقد كان ذلك شبه مستحيل، وقد اتفق المرشحان الرئيسيان نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند على التصدي لها إن استطاعت المرور إلى الدور الثاني.

لكن هدفها في تقديم حزبها بديلا لطبقة سياسية بجناحيْها اليميني واليساري نجح نسبيا، مثلما نجحت هي في طرح نفسها رقما لا مفر منه.

هذا الصعود جعل كلا المرشحين الرئيسيين يخطب ودّ أنصارها، وإنْ بمواربة: فالتودد علنا لأقصى اليمين ما زال من المحرّمات.

لم يخلُ هذا الصعود من مفارقات: فالمرشحة التي حازت ثقة نحو 6.5 ملايين فرنسي، لا تستطيع أن تجمع بسهولة 500 توقيع من توقيعات أعضاء المجالس المنتخبة، التي يلزم بها القانون أي راغب في الترشح.

طلبت مارين دون جدوى تغيير النظام الانتخابي الذي يعاقب الأحزاب "الصغيرة".

تلميع صورة

بعد أقل من عام من تقلدها رئاسة الحزب، استطاعت مارين أن تعيد الجبهة الوطنية إلى الساحة السياسية والإعلامية بعد غياب استمر سنوات، سببته هزيمة كبيرة مُني بها في الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2007 (الأداء الجيد بالنسبة للجبهة الوطنية في الاقتراع التشريعي كان يعني حتى 2012 مجرد المرور إلى الدور الثاني).

ساهمت مارين بقوة في إعادة تأهيل الحزب الذي استطاع تحقيق نتيجة تاريخية في انتخابات بلدية فرعية نظمت عام 2009.

كانت إحدى المهام الرئيسية التي سطرتها: تحسين صورة حزبٍ لطالما اتُهم بمعاداة السامية، وشكل الفرنسيون المعادون للهجرة والكاثوليك المحافظون النواة الصلبة لأعضائه، وضمّ في صفوفه في وقت ما حتى فرنسيين كانوا يصنفون أنفسهم صراحة بأنهم فاشيون.

ومن دون أن تتنكر لأبيها الذي عُرف بتصريحاته النارية ضد اليهود والعرب الذين قال عنهم "أُحبهم لكنْ عندما يكونون في ديارهم"، تقرّ مارين بأن "عليّ إصلاح ذات بين الشعب الفرنسي والجبهة الوطنية".

وقد استطاعت مارين فعلا منذ ترؤسها الجبهة الوطنية (وقد أطاحت في طريقها لتحقيق ذلك بسياسيين محنكين)، توسيع دائرة أنصار الحزب خارج الشرائح التقليدية من العمال الحرفيين وكبار السن والمزارعين.

الهجرة والإسلام

لكن لازمتيْن ظلتا تترددان في خطبها، أولاهما الهجرة، رغم أن مارين تؤكد أنها لا ترفض الهجرة كظاهرة، وأن المهاجرين مرحب بهم بشرط الاندماج في الثقافة الفرنسية. أما الثانية فتحذيرها من "خطر" الإسلام الذي "يهدد" الثقافة الفرنسية.

وحتى عندما تنافح مارين عن الإجهاض والشذوذ الجنسي (وهو تطور نوعي في خطاب الحزب)، فإنها تفعل ذلك باسم الدفاع عن قيمٍ علمانية يهددها المسلمون الذين لم تتردد عام 2010 في تشبيه صلاتهم في الشارع بالاحتلال النازي لبلادها، فالإسلام هو "الشمولية" الأخرى التي تحذر مارين منها، مثله مثل "العولمة".

والحل؟

الحل "إسلام فرنسي"، لأن ذلك مرتبط بالسيادة في رأي مارين لوبان، تماما كما ترتبط بالسيادة مسألة الجنسية التي يجب ألا تكون مزدوجة.

هذه المواقف من قضايا كالإجهاض والشذوذ الجنسي لم تكن دون ثمن داخل الحزب، حيث اتهمها التيار المحافظ بالانحراف عن الخط الأيديولوجي للجبهة الوطنية.

في معاقل اليسار

لا تفسّر الصرامة التي تميّز مواقفها -مثل صرامةَ زيّها الذي تصرّ على أن يخلو من زينة النساء التقليدية- وحدها تحولها في فترة قصيرة إلى واحدة من أبرز السياسيين الفرنسيين.

هناك أيضا ظروف موضوعية، كالأزمة الاقتصادية التي دفعت فرنسيين كثيرين إلى أحضان الجبهة الوطنية. هؤلاء يرون في مارين نصيرتهم ضد مؤسسة حاكمة في فرنسا وأوروبا فاسدة حتى النخاع.

ليس صعود أقصى اليمين الفرنسي حالة معزولة في أوروبا، فقد مكّنت الأزمة الاقتصادية لأحزابِ هذا التيار في بلدان كثيرة (خاصة في سويسرا وإيطاليا وهولندا واليونان)، وجميعها أحزاب تتبنى الشعبوية الاقتصادية والقومية الوطنية خطابًا. لكن مارين ترفض أن يحسب حزبها على أقصى اليمين، وتفضّل تسمية "اليمين الوطني".

عندما تدافع مارين عن "الدولة القوية" وتدعو لحماية القطاعات الإستراتيجية ولفرض الحمائية، وعندما ترفض "حرية التبادل المطلق" و"دكتاتورية المصارف والأسواق المالية" والبقاء في الحلف الأطلسي، وعندما تندد بـ"السياسات التي وضعها صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لإفقار دول شمال أفريقيا"، فإنها تتحول إلى سياسي من أقصى اليسار.

لكن أقصى اليسار هو أحد ألد أعدائها، ولمحاربته نقلت مارين المعركة إلى حصنه الحصين: الطبقة العمالية.

ليست محاولة استقطاب طبقة البروليتاريا أمرا مستجدا في خطاب الجبهة الوطنية، بل سياسة سُطّرت قبل 40 عاما حين كتب فرانسوا دوبرا -وهو أحد المنظرين الأيديولوجيين للتيار- أن "اشتداد الأزمة بسبب سيطرة رجال المصارف على الاقتصاد سينتج اضطرابات اجتماعية تفيد أقصى اليمين"، لذا فإن "تعميم نضالاتِ الاحتجاج الاجتماعي يجب أن يكون إحدى المهام الأساسية".

ويقول لوران بوفي أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيس إن مواقف مارين لوبان "ليست تحولا إلى اليسار، لكنها تحول إلى بُعد ثالث في السياسة الفرنسية".

انتخابات

دشنت مارين لوبان وحزبها مرحلة جديدة مع بداية سنة 2015، حيث حلّ الحزب ثانيا في الجولة الأولى من انتخابات مجالس الأقاليم في فرنسا، بحصوله على 25.19% من الأصوات، بينما حصل "الاتحاد من أجل حركة شعبية" مع "اتحاد المستقلين الديمقراطيين" على 29.4%، أما اليسار فقد حلّ ثالثا بـ21.85%.

لم يقف طموح مارين عند الانتخابات المحلية، فقد أعلنت منذ بداية 2015 رغبتها في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية، وقد تصدّرت "الجبهة الوطنية" في عهدها الجولة الأولى من الانتخابات المحلية الفرنسية التي جرت في 7 ديسمبر/كانون الأول 2015، وحصلت على نسبة 29.5% من إجمالي الأصوات، متقدمة على "الجمهوريين" برئاسة نيكولا ساركوي الذي حصل على 27% من الأصوات، تلاهم الحزب الاشتراكي الحاكم بنسبة 23%، بينما حل حزب "أوروبا البيئة" (الخضر) رابعا، بحصوله على 6.5% من الأصوات.

وجاء حزب الجبهة الوطنية في المركز الأول في 6 مناطق، من أصل 13 منطقة على مستوى البلاد.

وفي أوج حملتها الانتخابية للرئاسيات الفرنسية في فبراير/شباط ومارس/آذار 2017، تفجرت في وجه لوبان فضيحة بعد متابعة مديرة مكتبها واتهامها بدفع رواتب شهرية تقدر بآلاف اليوروات لبعض النواب بصفتهم مستشارين لها، وذلك بين أعوام 2010 و2016.

كما بادر البرلمان الأوروبي يوم 2 مارس/آذار 2017 لرفع الحصانة عن لوبان، بعد نشرها صورا لأشخاص قطع تنظيم الدولة رؤوسهم أو أحرقت أجسادهم.

وأظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية يوم 23 أبريل/نيسان 2017 تأهل مرشح حركة "إلى الأمام" إيمانويل ماكرون، ومارين لوبان للجولة الثانية، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات وفق وزارة الداخلية 78%.

حصل ماكرون على 23.75% بينما حصلت لوبان على 21.53%، والمرشح المحافظ فرانسوا فيون على 19.91%، في حين حصل المرشح اليساري جان لوك ميلانشون على 19.64%.

وبعد نجاحها في الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أعلنت لوبان يوم 24 أبريل/نيسان 2017 تنحيها عن رئاسة الجبهة الوطنية، وقالت للتلفزيون الفرنسي إنها تريد أن تكون فوق الاعتبارات الحزبية.

وفي الجولة الثانية من الانتخابات، وطبقا للنتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية بعدما انتهت تقريبا من فرز الأصوات، حصل ماكرون على 66.6% من الأصوات الصحيحة بعد فرز جميع أصوات الناخبين البالغ عددها 47 مليونا باستثناء 0.01%، بينما أقرت منافسته مارين لوبان بهزيمتها.

وفي الانتخابات التي أجريت الأحد 10 أبريل/نيسان 2022، حلّت مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان في المرتبة الثانية بنسبة 23.3%، لتواجه الرئيس ماكرون مرشح الوسط الذي تصدّر نتائج الجولة الأولى من الانتخابات بحصوله على 28.1% من الأصوات وفق النتائج الأولية.

المصدر : الجزيرة