حجب الثقة.. "التشريعية" تسحب البساط من "التنفيذية"

Brazil's suspended President Dilma Rousseff attends the final session of debate and voting on Rousseff's impeachment trial in Brasilia, Brazil, August 29, 2016. REUTERS/Ueslei Marcelino TPX IMAGES OF THE DAY
روسيف جردت من مهامها الرئاسية لمدة لا تقل عن ستة أشهر وأحيلت للمحاكمة بتهم تتعلق بالتلاعب بالحسابات العامة (رويترز)

سحب الثقة أو حجب الثقة إجراء دستوري وآلية ديمقراطية من صلاحيات البرلمان للتعبير عن رفض سياسات الحكومة ودفعها إلى الاستقالة عبر تصويت علني تعبر فيه السلطة التشريعية عن عدم ثقتها بالحكومة القائمة. 

ويعد الإجراء إحدى الآليات الديمقراطية الضامنة للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وإبقاء الأخيرة تحت الرقابة البرلمانية المعبرة عن الإرادة الشعبية التي يجب أن تعكس سياسات الحكومة وجهتها العامة.

النشأة
آلية حجب الثقة قديمة قدم المؤسسات الديمقراطية كما هي معروفة اليوم والقائمة على مبدأ فصل السلطات وتوازنها، وهي أحد مكاسب البناء الديمقراطي في بريطانيا بمراحله الأولى.

وتطور هذا المفهوم مع قيام الثورة الفرنسية، إذ اضطلعت الجمعية التأسيسية المنبثقة عن الثورة بمهام تشريعية ورقابية كبيرة، وكانت صارمة في مراقبة وضبط توجهات الحكومة وسياستها تحت إشراف الملك، وكان دافع ذلك التوجس من الثورة المضادة ومساعي أصحاب النفوذ من الفيوداليين ورجال الكنيسة إلى الالتفاف على الثورة ومكتسباتها.

التطور
تطور مبدأ حجب الثقة مع تمايز المشهد السياسي في أوروبا وتوزع القوى السياسية إلى يمين ويسار فبات تقليدا شائعا لفض التحالفات السياسية.

ففي الحالات التي لا تفرز فيها الاستحقاقات الانتخابية أغلبية صريحة لحزب واحد يتم اللجوء إلى تشكيل تحالفات قد تكون بين مكونات أسرة سياسية واحدة، وأحيانا تضطر قوى سياسية متباينة المشارب إلى تشكيل ائتلافات تكون عرضة في كثير من الأحيان لحجب الثقة الذي يعبر في أحيان كثيرة عن استياء طرف من أطراف الائتلاف من السياسات المتبعة أو إحساسه بالتهميش.

وأحيانا يأتي حجب الثقة في شكل رفض من البرلمان لقانون تقدمه الحكومة أو لإعلان السياسة العامة، وفي هذه الحالة تكون الحكومة مدعوة إلى الاستقالة ما دامت لا تحظى بتأييد أغلبية السلطة التشريعية.

وتواتر ملتمسات حجب الثقة هو أبلغ تعبير عن اضطراب الخريطة السياسية وتشرذمها وعجزها عن إنتاج أغلبية مستقرة، ويشيع ملتمس حجب الثقة في الأنظمة البرلمانية أكثر منه في الأنظمة الجمهورية نظرا للصلاحيات الكبيرة التي عادة ما يتمتع بها الرئيس المنتخب بالاقتراع العام المباشر.

ومن نماذج عدم الاستقرار الشهيرة في هذا الباب ما شهدته فرنسا من اضطرابات في ظل الجمهورية الرابعة (1945-1958)، إذ كان متوسط عمر الحكومة لا يتجاوز ستة أشهر.

آلية التنفيذ
تبدأ إجراءات حجب الثقة بملتمس تفرض القوانين أن تقدمه مجموعة برلمانية أو تحالف مجموعات برلمانية معروفة بعد أن تجمع نصابا من الأصوات يحدده القانون حسب كل دولة وإن كان الشائع أن عتبة تشغيل آلية الحجب هو 10% من عدد أعضاء الهيئة التمثيلية.

في المرحلة الثانية يعرض الملتمس على التصويت، وهنا أيضا محل تباين بين تشريعات الدول، فبعضها ينص على سريان حجب الثقة بمجرد حصول الملتمس على الأغلبية البسيطة في حين تعتمد دول أخرى أغلبية الثلثين كعتبة لحجبها.

وفي فرنسا ينص القانون على أن ملتمس حجب الثقة لا يسري إلا إذا حصل على أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية فعليا وليس أغلبية الحاضرين فقط.

النتائج
يترتب على حجب الثقة استقالة الحكومة كما قد يترتب عليه حل البرلمان نفسه، إذ عادة ما ترد الحكومة على رفض البرلمان لسياستها بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهذا الإجراء هو الأنسب سياسيا ودستوريا، فعند نشوب خلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تعود الكلمة إلى المواطن من خلال صندوق الاقتراع.

وتنص التشريعات في كندا على ما يسمى الملتمس المزدوج، أي أن إقرار ملتمس حجب الثقة له نتيجة مضاعفة هي استقالة الحكومة وحل البرلمان.

وفي فرنسا رد الجنرال ديغول على سقوط حكومة جورج بومبيدو في عام 1962 بحل البرلمان، وهي المرة الوحيدة التي حصل فيها هذا السيناريو في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وكان البرلمان قد رفض مشروع قانون حكومي ينص على انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، وهي خطوة رفضتها شرائح واسعة من الطبقة السياسية حينها خوفا من النظام شبه الرئاسي الذي كان ديغول بصدد تأسيسه لما يمنح من صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.

تعددت الحالات التي تسحب فيها السلطة التشريعية السلطة من الحكومة، ففي مايو/أيار 2016 جردت رئيسة البرازيل ديلما روسيف من مهامها الرئاسية لمدة لا تقل عن ستة أشهر بعد أن صوت مجلس الشيوخ بأغلبية 55 مقابل 22 عضوا بإحالتها للمحاكمة بتهم تتعلق بالتلاعب بالحسابات العامة.

وفي تونس صوت مجلس النواب التونسي أواخر يوليو/تموز 2016 على حجب الثقة عن حكومة الحبيب الصيد.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية