مخيم عين الحلوة.. عاصمة الشتات الفلسطيني الملتهبة

التجمع الأكبر لتنظيم أنصار الله في مخيمي عين الحلوة والمية ومية
عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية بلبنان والاتساع العمراني فيه يتخذ منحى عاموديا فقط لمنع تمدده أفقيا (الجزيرة)
مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعد أكبر مخيماتهم وأقلها استقرارا ويسمى "عاصمة الشتات الفلسطيني". يعيش سكانه أوضاعا اجتماعية صعبة يفاقمها ما يشهده أحيانا من اشتباكات مسلحة بين بعض القوى الفلسطينية.

الموقع الجغرافي
يقع مخيم عين الحلوة عند أطراف مدينة صيدا جنوبي لبنان، وقد أنشئ 1948 حين لجأ إليه نحو 15 ألف نسمة من فلسطين أيام النكبة إثر قيام دولة إسرائيل.

وما زالت مساحة المخيم كما هي بحدوده عند نشأته رغم تضاعف أعداد سكانه مرات عديدة، ويظل الاتساع العمراني فيه يتخذ منحى عموديا في البناء فقط لأن لكل مخيم فلسطيني حدودا تعينها عند تأسيسه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كما تمنع السلطات اللبنانية البناء الجديد فيه ولا تسمح إلا بترميم المباني القديمة بحجة منع توطين الفلسطينيين خارج بلادهم الأصلية، وأي مشروع سكني تقوم به الأونروا في المخيم لا بد أن يكون بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني الذي يتحكم في حجم كمية مواد البناء (الإسمنت وغيره) المطلوب إدخالها.

و يلاصق مخيمَ عين الحلوة "مخيمُ المية مية" الذي يعتبر امتدادا له، إضافة إلى مخيم "أوزو" الذي يضم تمعا من المهجرين الفلسطينيين من مخيمات أخرى، وهو أشبه ببيت واحد كبير تنعدم فيه الخصوصية وتشيع المأساة، ويتألف من بيوت متلاصقة جدرانها من الحجر وسقفها من الزنك.

السكان
يعيش في مخيم عين الحلوة نحو 120 ألف لاجئ (54 ألفا منهم مسجلون رسميا لدى وكالة الأونروا ) أكثريتهم جاءت أصلا عند تشكله من منطقة الجليل الأعلى في فلسطين، ويعد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان الاثني عشر، ويصل معدل عدد أفراد العائلة فيه خمسة أفراد، أما معدل عدد الغرف في المنزل الواحد فهو ثلاث غرف (تتضمن المطبخ).

ويعيش سكان المخيم ذي الكثافة السكانية المفرطة واقعا إنسانيا مزريا ما بين شوارعه الرئيسية القليلة التي لا تكاد تتسع أحيانا لمرور السيارات وأزقته الضيقة التي يتعثر فيها المارة بعضهم ببعض، وبيوته القديمة المتلاصقة التي يشيع فيها التصدع  والاهتزاز مما يهددها بالتداعي والانهيار.

ووفقا لدراسة أصدرتها عام 2010 مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان وتناولت فيها المعطيات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمخيم عين الحلوة؛ فإن 32% من القاطنين في مخيم عين الحلوة يعني لهم مكانه مصدر قلق وتوتر وعدم شعور بالأمان النفسي والاقتصادي، نظرا لظروفهم السكنية والصحية والاقتصادية البالغة التعقيد.

وأضافت الدراسة -التي نشر مقتطفات منها موقع الجزيرة نت– أن نسبة الذين ينظرون إلى المخيم على أنه رمز وهوية وانتماء لفلسطين اقتصرت على 26% فقط، بينما يعتبر 28% منهم أن المخيم هو محطة للجوء آخر.

وعلى المستوى التعليمي للمخيم، كشفت الدراسة أن 6% من أفراد عينتها أميون، و4% منهم يلمّون بالقراءة والكتابة، و60% أنهوا صفوف الابتدائي والمتوسط، و13% المستوى الثانوي، و3% جامعيون.

يشار إلى أن الخدمات التعليمية في المخيم تعتمد على عدد من المدارس يزيد قليلا على العشر فيها ثانوية واحدة، وأغلبها يعمل بنظام دوامين حتى يغطي النقص الحاصل في المرافق التعليمية رغم تأثير هذا النظام سلبا على العملية التربوية.

أما عن الأوضاع الصحية، فتقول الدراسة إن نسبة 61% من الأمراض المنتشرة بين سكان مخيم عين الحلوة هي أمراض ضغط الدم والتنفس، لعدم توفر البيئة الصحية المناسبة وشيوع عوامل الفقر والبطالة والأزقة المعتمة.

ويلجأ فلسطينيو مخيم عين الحلوة عادة في علاجهم الطبي إلى مستشفى الهمشري الواقع خارج المخيم في مدينة صيدا المجاورة، أما في المخيم فهناك عيادات تابعة لبعض الفصائل والقوى الفلسطينية إضافة إلى عيادات الأونروا وعيادة للهلال الأحمر الفلسطيني، لكنها أحيانا تعاني نقصا في أدوية الأمراض المزمنة وتجهيزات المختبرات.


التاريخ

يعيش مخيم عين الحلوة -مثل بقية المخيمات الفلسطينية في لبنان- منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 نوعا من الاستقلال الذاتي المقرون بحصار قوي عسكري وسياسي واجتماعي واقتصادي، لكن الدولة اللبنانية استمرت في سياستها الرامية إلى عدم نزع سلاح هذه المخيمات.

ويخضع المخيم لمراقبة مُحكمة من الجيش والأجهزة اللبنانية الأخرى التي ترصد حركة الداخلين والخارجين منه عبر حواجز ونقاط تفتيش تحيط بالمخيم الذي تعرض خلال الحرب الأهلية اللبنانية لاجتياح إسرائيلي وللقصف من القوى المتقاتلة عدة مرات فدُمرت بعض أحيائه بالكامل.

وما زالت روح الحرب تطوف أرجاء المخيم، فمن حين لآخر يحظى المخيم باهتمام إعلامي في نشرات الأخبار اللبنانية والعربية والعالمية، نظرا للأحداث الأمنية المتكررة التي يشهدها على الدوام، والاشتباكات المسلحة بين بعض فصائله المسلحة.

ولا يكاد يمر يوم إلا ويشهد المخيم حادثا أمنيا أو انفجار عبوة ناسفة أو محاولة اغتيال أو اشتباكا مسلحا، رغم أن القائمين على أمنه يصفون عادة هذه الحوادث المتكررة بـ"الفردية" لأنها تجري بين قوى لا تملك مقاتلين على الأرض، مؤكدين أن الأمن في المخيم متماسك، وأنه لن يتحول إلى ساحة صراع بين القوى التي لديها مقاتلون.

ويضم المخيم مسلحين من كافة الفصائل الفلسطينية بتوجهاتها الفكرية المختلفة ولكل منها له مربعه الأمني الخاص به، لكن حركة التحرير الفلسطيني (فتح) تعتبر الأقوى نفوذا وتسليحا في المخيم بسبب سيطرتها على اللجنة الشعبية التي شـُكلت من عدة فصائل وهدفها إدارة "القوة الأمنية المشتركة" الرامية لضبط الإشكالات الأمنية التي يعتقد بعضهم أن "لإسرائيل يدا في إثارتها" داخل المخيم.

ويرى مراقبون أن بعض التيارات داخل المخيم دخلت في صراع مع الدولة اللبنانية وتحاول أحيانا تمرير أجندتها الخاصة، كما أن بعض التيارات الدينية التي توصف بالتشدد تحاول هي الأخرى الاستفادة من وضع المخيمات الخاص وتستخدمها ملاذا آمنا أو نقطة انطلاق لتحقيق مآربها، وهو ما قد يستخدمه بعض الفصائل الفلسطينية المسيطرة على المخيم ورقة مساومة مع الحكومة اللبنانية.

وقد برزت على ساحة المخيم في السنوات الأخيرة أسماء مجموعة من التنظيمات الغامضة في ظروف نشأتها ودوافع تأسيسها وأهدافها، والتي سيطرت أحيانا على مناطقة معينة من المخيم.

ومن أبرز هذه المجموعات تنظيم "الشباب المسلم" الذي يضم بقايا حركات إسلامية أخرى مثل "جند الشام" و"فتح الإسلام" وعناصر آخرين يدورون في فلك تنظيم القاعدة، إضافة إلى تنظيم "أنصار الله" الذي يعتبر قوة داعمة لحزب الله اللبناني داخل المخيم منذ عام 1990، و"عصبة الأنصار" التي تعتبر أكثر هذه التنظيمات تنظيما وتدريبا وتسليحا.

وطالما نظمت الهيئات الشبابية والشعبية في المخيم عدة اعتصامات شعبية تعبيرا عن رفضها لكل حوادث القتل والاشتباكات المسلحة، وطالبت القيادات الفلسطينية على اختلافها بتحمّل مسؤولياتها في كشف الجناة وضمان الاستقرار والأمن في المخيم.

ورغم ذلك؛ فقد اندلعت في أغسطس/آب 2015 اشتباكات بين قوى مسلحة داخل المخيم مما أدى إلى مقتل عدة أشخاص وجرح تسعمئة آخرين ونزوح أكثر من ألف من سكانه، وتوجه كثير منهم إلى مخيمات فلسطينية أخرى أو إلى منازل أقاربهم في مدينة صيدا المجاورة.

وقد عززت حالة التوتر المحيطة بالمخيم المخاوف من تكرار تجربة مخيم نهر البارد الذي دُمر بالكامل إثر معارك استمرت عدة أشهر بين القوى الأمنية اللبنانية وتنظيم "فتح الإسلام" عام 2007، ومأساة مخيم اليرموك في سوريا منذ 2012.

وعلى إثر هذه الاشتباكات علت أصوات داخل المخيم تدعو إلى خروج سكانه إلى صيدا وهو ما يعني عمليا إخلاءه ليكون منطقة عسكرية، لكن فصائل فلسطينية عديدة أطلقت دعوة مضادة اعتبرت فيها أن الخروج من المخيم "خيانة وطنية لفلسطين".

الاقتصاد
يعتمد سكان مخيم عين الحلوة على المساعدات التي تقدمها لهم وكالة الأونروا، وعلى الدعم الذي توفره السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، إضافة إلى الأعمال التجارية البسيطة.

وقد ظهر من خلال دراسة مؤسسة الشهاب المذكرة أعلاه أن 17% من أفراد عينة الدراسة في مخيم عين الحلوة لا يعملون أبدا، وأن معظم الأعمال التي يمارسونها هي أعمال حرف يدوية أو أعمال موسمية.

ورغم أن اليد العاملة الفلسطينية تعتبر منتجة وفعالة، فإن عمل الفلسطيني يتم في لبنان بشكل غير معلن، كما لا تسمح القوانين اللبنانية للفلسطينيين بالعمل في المهن الحرة، وهو ما يسد الآفاق أمام المتعلمين منهم ويشكل عقبة رئيسية أمام طموح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

المصدر : الجزيرة