الشرق الأوسط.. مصطلح أوروبي لكيان جغرافي يقع في قلب العالم

الشرق الأوسط هو مصطلح أوروبي حديث، ويخضع في بيان مدلوله لاعتبارات سياسية وحضارية وجغرافية، وقد يتسع أو يضيق وفق معايير متفاوتة تخدم مغزى معين، وترتبط بالتوجهات الإستراتيجية للقوى السياسية الفاعلة عالميا.

تمثل منطقة جنوب غرب آسيا وجزء من أفريقيا القاسم المشترك بين مختلف المدلولات، وتضم: دول بلاد الشام والخليج العربي والعراق وإيران، بالإضافة إلى مصر في شمال شرقي أفريقيا، وكثيرا ما تقع تركيا ضمن هذا المدلول الشائع، وترتبط هذه الدول جميعا بعناصر جغرافية وحضارية مشتركة.

الحدود الجغرافية للشرق الأوسط

تشترك جميع الدول التي تندرج تحت هذا المصطلح في عنصر المكان، حيث تقع في حيز جغرافي متميز، يمتد ما بين البحر الأبيض المتوسط غربا إلى الخليج العربي شرقا، ومن البحر الأسود وبحر قزوين في الشمال إلى الصحراء الكبرى والمحيط الهندي في الجنوب.

وتتسم المنطقة عموما بنمط مناخي يوصف بأنه جاف وشبه جاف، يؤثر على التوزيع السكاني والعمراني وأسلوب الحياة.

الدين واللغة

تشترك منطقة الشرق الأوسط -باستثناء الجزء المحتل من فلسطين- في سمات حضارية عامة، إذ يعتبر الإسلام هو الدين السائد، مع انتشار ضئيل لأديان أخرى.

فيما عدا إيران وتركيا، تمثل اللغة العربية عنصرا أساسيا في الوحدة الإقليمية للمنطقة، ومع ذلك تعد الفارسية في إيران والتركية لغات شرقية، تفاعلت تاريخيا بشكل واضح مع اللغة العربية.

وتتقاسم المنطقة تاريخا مشتركا، وتتشابه في النظم الاجتماعية والممارسات الثقافية وكثير من العادات والتقاليد.

نشأة مصطلح الشرق الأوسط

يعتبر المصطلح أوروبي المنشأ، فالمنطقة من منظور أوروبا الغربية تحديدا هي في الشرق، لكنها لا تعتبر بهذه المثابة لليابان أو الصين مثلا، ومع ذلك فقد شاع استخدام المصطلح عالميا، حتى استخدم داخل المنطقة التي يطلق عليها.

ويتضح ذلك بالعودة إلى تاريخ ظهور المصطلح، إذ صاغته وزارة الخارجية البريطانية في نهاية القرن الـ19، ثم استخدمه ضابط في البحرية الأميركية في مقال نشر له عام 1902، وخلال الحرب العالمية الثانية أُطلق مصطلح الشرق الأوسط على القيادة العسكرية البريطانية في مصر، وفي منتصف القرن الـ20 توسع استخدامه أكثر ليشمل البلدان الأخرى.

وسابقا استخدم مصطلح "الشرق الأدنى" للتعبير عن مفهوم قريب من دلالة مصطلح الشرق الأوسط، ولا يزال "الشرق الأدنى" يستخدم أحيانا على نطاق ضيق وبشكل غير شائع، وأحيانا يظهر في استخدامات وزارة الخارجية الأميركية وبعض هيئات الأمم المتحدة.

تداخل المصطلحات

لا يعد مصطلح الشرق الأوسط مرادفا للعالم الإسلامي ولا للعالم العربي، بل هو كيان جغرافي يضم تنوعا لغويا ودينيا، بما في ذلك العرب والأكراد والأمازيغ والترك والفرس والمسلمون والمسيحيون واليهود وغير ذلك من العناصر المختلفة، ولكنه يتمتع بصفات وتفاعلات طبيعية وبشرية وتاريخية وسياسية مشتركة.

ولا يمكن الإشارة إلى منطقة الشرق الأوسط بحدود منضبطة قاطعة، ففضلا عن عنصر المكان، تتداخل عوامل بشرية وحضارية لتؤثر أحيانا على السياقات الدلالية للمصطلح.

ونظرا للتفاعل المعقد لتلك العوامل مجتمعة، نجد رقعة الشرق الأوسط الجغرافية، لا سيما في حقب الصراعات السياسية، تتوسع في بعض الاستخدامات لتشمل المناطق الهامشية للإقليم، والتي تمثل مناطق انتقالية ترتبط بالشرق الأوسط من خلال عناصر مشتركة، وهو ما يعزى للتداخل بين مصطلح "الشرق الأوسط" ومصطلحي "العالم العربي" و"العالم الإسلامي"، أو بسبب علاقات الجوار طويلة الأمد، في حين تتميز هذه المناطق الانتقالية عن الشرق الأوسط بخصائص محلية قوية لغوية وحضارية.

وفقا لذلك من الشائع أن يتم ضم دول شمال أفريقيا: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، إلى دول الشرق الأوسط، لاعتبارات تاريخية وثقافية، إذ تتشارك مع دول الشرق الأوسط الأخرى في عنصري اللغة العربية والدين الإسلامي في معظم شرائحها، إضافة إلى الممارسات الشعبية والفلسفات الفكرية وروابط تاريخية وعلاقات سياسية وطيدة، وعلى الرغم من ذلك، تبقى منطقة الشمال الأفريقي متأثرة بالعناصر الحضارية الأصلية للسكان الأمازيغ.

ويعتبر السودان أحيانا جزءا من خارطة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى الروابط المشتركة مثل اللغة والدين، فعدد كبير من السكان ناطقون باللغة العربية ويدينون بالإسلام، ومع ذلك، فإن توافر الاختلافات الثقافية عادة ما يجعل السودان يُدرج ضمن النطاق الأفريقي لا الشرق الأوسط. والأبعد من ذلك، قد يضيف بعضهم إلى الخارطة إثيوبيا والصومال لاعتبارات شبيهة.

ويُنظر إلى أفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى: تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان في سياقات معينة من قبل الغرب باعتبارها جزءا من الشرق الأوسط، وذلك بسبب ما تحمله هذه البلدان من روابط سياسية ودينية متصلة بالشرق الأوسط، وفي هذه السياقات يتم تجاهل العناصر المحلية السياسة واللغوية والثقافية المتفردة.

وقد يعتبر بعضهم جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وقبرص جزءا من الشرق الأوسط، للتاريخ الطويل من العلاقات المتبادلة، وقرب الموقع الجغرافي، وإن تفردت هذه الدول بتكوين حضاري وسياق تاريخي مختلف. وقد توسع آخرون فضموا إلى الشرق الأوسط دولا أخرى من منطقة البلقان، وأفريقيا وآسيا.

وتُبرز الخرائط المتعددة للشرق الأوسط بوضوح ظاهرة عدم انضباط مدلول المصطلح، ومدى انعدام التوافق في الآراء بين الحكومات والمنظمات الدولية والباحثين بشأنه.

أهمية منطقة الشرق الأوسط

تحتل منطقة الشرق الأوسط قلب العالم، وتلعب دورا بارزا في الشؤون العالمية الدينية والثقافية والاقتصادية، ونظرا لذلك، توليها دول العالم، لا سيما القوى العظمى، اهتماما بالغا. وتكمن أهمية المنطقة في الجوانب التالية:

الأهمية الجغرافية الإستراتيجية

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بموقع إستراتيجي مهم، إذ تمثل همزة وصل بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتقع على مفترق الطرق البرية بين الشرق والغرب، وتطل على عدد كبير من المسطحات المائية منها البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر قزوين وبحر العرب والخليج العربي، ووفق المفهوم الواسع للمصطلح يشمل ذلك أيضا المحيط الهندي والمحيط الأطلسي.

وتتحكم المنطقة بممرات الملاحة الدولية، فهي تمتلك أهم المعابر البحرية، وهي مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل ومضيق هرمز والخليج العربي وقناة السويس وباب المندب ومضيق جبل طارق.

وهذا الموقع هيأ للمنطقة أن تكون ممرا رئيسيا لحركة المواصلات العالمية البرية والبحرية والجوية، ومعبرا مهما للتجارة الدولية، وموقعا إستراتيجيا عسكريا، لإقامة قواعد عسكرية في مواقع تتوسط بلدان العالم، من أجل التحكم بالممرات البحرية ذات الأهمية الإستراتيجية، والوصول إلى الأهداف العسكرية بسهولة.

الأهمية الاقتصادية

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أغنى بقاع الأرض بالموارد الطبيعية، إذ تمتلك ثروات طبيعية ضخمة، لا سيما موارد الطاقة، على رأسها النفط والغاز الطبيعي، وتشكل هذه الثروات أساس الاقتصاد العالمي الحديث.

وتمتلك أيضا أكبر حصة بنسبة من احتياطيات النفط المؤكدة عالميا، والتي بلغت 49% بواقع 869.6 مليار برميل، وذلك نهاية عام 2022. بينما بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي في المنطقة 81.7 تريليون متر مكعب مع نهاية 2022.

ومنحت هذه الموارد الطبيعية أهمية عالمية للمنطقة، وتحاول القوى العالمية السيطرة على موارد المنطقة وضمان استمرار الإمداد لاقتصادها، ما جعل المنطقة محل تنافس وموطنا للصراعات والنزاعات العالمية.

وأعطى توفر موارد الطاقة لدى بعض الدول في الشرق الأوسط قوة اقتصادية ومالية، كان لها تأثير بارز في الشؤون الإقليمية والقرارات السياسية.

وتتوفر المنطقة كذلك على ثروات معدنية كبيرة كالفوسفات والحديد والذهب والزئبق والبوتاس وغيرها، إضافة إلى الثروة الحيوانية والسمكية والأراضي الزراعية.

أهمية البعد الحضاري والبشري

تستأثر منطقة الشرق الأوسط بأهمية فريدة من نوعها، كونها مهد الديانات السماوية الثلاث الكبرى، ومركز انتشارها إلى العالم، وهي تضم أهم الأماكن المقدسة لتلك الديانات، الأمر الذي يجعلها محط اهتمام مليارات الناس في العالم.

وتعتبر المنطقة أرض الحضارات العريقة في العصور القديمة والوسيطة، كالحضارة الفرعونية والفينيقية والبابلية والسومرية والفارسية والإسلامية، وتلك الحضارات قادت العالم، وحملت لواء التقدم والإنجاز في العلوم والفنون، وكان لها دور أساسي في تشكيل الحضارة الحديثة. ورسمت الصراعات والأحداث التي وقعت في المنطقة مسار التاريخ، وكان لها تأثير مباشر على تكوين العالم الحديث.

وتجمع المنطقة بين الإرث الحضاري القديم والحداثة، فبينما تحظى كثير من المدن بتراث ديني وتاريخي مادي ومعنوي غني جدا، تشهد مدن أخرى تقدما حضاريا بارزا، وأصبحت المنطقة بذلك موقع جذب سياحي، وقبلة للزوار من مختلف أنحاء العالم.

المشكلات والتحديات

تمتد رقعة الشرق الأوسط على مساحة جغرافية واسعة، وتشمل بلدانا عدة، تختلف فيها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وينجم عن ذلك تباين التحديات واختلاف حدتها من بلد لآخر. وتبرز في المنطقة عموما جملة من التحديات والمشكلات، أهمها:

المطامع الخارجية

تسببت الميزات التي وُهبت لمنطقة الشرق الأوسط في أن تصبح هدفا للمطامع الأجنبية، وموضع تنافس القوى العالمية، وتحاول الدول الكبرى باستمرار فرض سيطرتها على المنطقة، ومن ثم توظيف نفوذها لاستغلال الثروات الطبيعية ومقومات القوة فيها، وخدمة مصالحها في الصراع الدولي.

وفي المنطقة وجود مكثف للقوات الأميركية والأجنبية، وهو ما يسبب تدخلات دائمة ومستمرة في الشؤون المحلية والإقليمية، فضلا عن دعم الصراعات الداخلية والتشرذم.

النزاعات الداخلية

تضم منطقة الشرق الأوسط قوميات وإثنيات عرقية ودينية وأقليات متعددة، ويفضي هذا التباين إلى صراعات ونزاعات داخلية، ويقود التعصب القومي أحيانا بين القوميات الثلاث الكبرى (العرب والفرس والترك)، والتي تشكل المجتمع في منطقة الشرق الأوسط، وتؤدي إلى نزاعات وإن لم تكن هي الأشد على أرض الواقع.

ويأخذ صراع الإثنيات الدينية بين السنة والشيعة، ودعم إيران للطوائف الشيعية في المنطقة، أو اندلاع حركات تمرد من قبل الأقليات العرقية مثل الأكراد، خطا أقوى في مسار الصراعات في المنطقة.

ويمثل التهديد الناجم عن دولة الاحتلال الإسرائيلي التحدي الأكبر والحقيقي لأمن المنطقة واستقرارها السياسي، إذ يصر الاحتلال باستمرار على فرض تفوقه في القدرة والقوة العسكرية على بلدان المنطقة، ويشن حروب، ويتسبب في توترات عسكرية دائمة.

وتعتبر بيئة النزاعات المستمرة طاردة للسكان، ويتدفّق اللاجئون من دول الصراع إلى دول المنطقة الأخرى، مما يسهم في احتدام التنافس على الموارد الشحيحة، وتسبب المشاكل المزمنة، الناتجة عن عدم قدرة السلطات المحلية على احتواء الأزمات، إلى تصاعد مشاعر السخط السياسي وتفجر الاضطرابات الاجتماعية-الاقتصادية.

المشاكل الاقتصادية

تعاني منطقة الشرق الأوسط، إذا استثنينا بعض الدول المصدرة للنفط، من ظروف اقتصادية صعبة، وبحسب صندوق النقد الدولي -أكتوبر/تشرين الأول 2022- تتعرض اقتصادات المنطقة لمجموعة من الصدمات، تتمثل في تباطؤ النمو وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة وتقلبها، وتدهور الوضع المالي بشكل أسرع وأقوى.

كما تتعرض الأسواق الناشئة والاقتصادات المتوسطة الدخل في المنطقة لأضرار بالغة، حيث محدودية الوصول إلى تمويل السوق، والمديونية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وانخفاض الأجور.

المشاكل البيئية 

تواجه منطقة الشرق الأوسط مشاكل بيئية عديدة، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه، ويمثل ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة ضِعف المعدل العالمي، ومن أصل 17 دولة تعاني من الإجهاد المائي في العالم، تقع 11 دولة منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتنجم عن ذلك مشكلات الجفاف والتصحّر المتزايدة، مما يجبر سكان المنطقة على النزوح نحو المدن، والضغط بذلك على البنى التحتية وتأجيج التوتر بين المجتمعات المحلية.

المصدر : مواقع إلكترونية