سوناطراك.. عملاق النفط الجزائري

شعار شركة سوناطراك الجزائرية

سوناطراك، شركة حكومية جزائرية أنشئت لنقل وتسويق المحروقات، وتحولت لاحقا إلى مجموعة بترولية وغازية ضخمة تُوفر الجزء الأهم من عائدات البلاد من العملة الصعبة، وتُصنف ضمن كبريات شركات المقاولات على الصعيد الأفريقي.

ظروف النشأة
تأسست الشركة الوطنية لنقل وتسويق المحروقات (سوناطراك) نهاية عام 1963 تجسيدا لرغبة السلطات الجزائرية في السيطرة على الثروة البترولية للبلد المستقل حديثا آنذاك (5 يوليو/تموز 1962).

وهدفت السلطات من إنشاء الشركة لتوجيه الثروة البترولية لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وجعلها رافعة لتأميم القطاع النفطي الخاضع حينها لفرنسا القوة الاستعمارية السابقة.

مسار التوسع
في مسعى لإثبات وجودها، أطلقت الشركة الناشئة في عام 1964 مشروع أنبوبها النفطي الأول بمسافة 800 كيلومتر، وربط بين منقطتيْ آرْزَوْ (غرب) و"هاودْ الحمرا".

وفي نفس الفترة، أطلقت الجزائر أول مشاريعها في مجال استكشاف واستغلال الغاز الطبيعي، فتأسست الشركة الجزائرية للميثان السائل بطاقة إنتاجية أولية بلغت نحو ملياريْ متر مكعب في السنة.

وفي عام 1965 توصلت الجزائر وفرنسا إلى اتفاق حول ملف المحروقات تضمنَ إقامة تعاونية صناعية بين شركة تُمثل الطرف الفرنسي والحكومة الجزائرية، مما أتاح للدولة الجزائرية توسيع أنشطتها الإنتاجية ومنحها قدرا أكبر من المشاركة في تسيير قطاع المحروقات.

وفي ضوء هذا الاتفاق، أطلقت سوناطراك أول مشاريعها الاستكشافية بعد أنْ كان دورها في السابق محصورا في النقل والتسويق، وبناء على هذا التوسيع تمت مضاعفة رأس مالها عشر مرات ليبلغ 400 مليون دينار جزائري.

دخول الأوبك
مع بداية عام 1969، كانت الجزائر قد حققت إنجازات كبيرة في مجال استكشاف المحروقات وعثرت على مخزونات كبيرة من الغاز، خاصة إثر اكتشاف حقل "غاسي العادمْ" إلى الجنوب الشرقي من حاسي مسعود في 1968.

وفي نفس الفترة، حصلت سوناطراك على رخصة نقل الغاز المنتج في حاسي أرمل إلى سكيكدة عبر خطٍ من الأنابيب تعود ملكيته أصلا لفرنسا. وتُوج هذا المسار التصاعدي في الإنتاج والتسيير بدخول الجزائر منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) عام 1969.

وتماشيا مع الوضع الجديد بوصف الجزائر أصبحت بلدا مصدرا للنفط، قامت سوناطراك بإطلاق أولى عمليات الاستكشاف بوسائلها الذاتية، وجرت هذه العمليات في حقل "البورما".

تأميم المحروقات
تعززت مكانة سوناطراك في النسيج الاقتصادي الوطني بتأميم الحكومة الجزائرية لقطاع النفط في فبراير/شباط 1971. فمع التأميم وجدت الشركة نفسها أمام تحدي توسيعِ أنشطتها بسرعة لتشملَ كافة المنشآت النفطية على التراب الجزائري الشاسع.

وتجاوبا مع الحركية التي أوجدها قرارا التأميم، اقتنت الشركة أولَ مركب لتسييل "الميثان"، وشرعت في تشغيل مركب الغاز المسال في سكيكدة ومصفاة النفط بآرزو.

وبحلول 1975، كانت الشركة قد طورت أنشطتها لتشمل جزءا هاما من المشتقات البتروكيميائية، وهكذا أقامت وحدتين لتحويل المواد البلاستيكية في سطيف (شمال شرق) وشلفْ.

ومع توسع أنشطة الشركة وتنوعها، بات حتميا وضع مخطط توجيهي لرسم معالم المستقبل، فأُطلق مخطط تقييم قطاع المحروقات عام 1977، ووُضع في صدارة أهدافه رفع معدلات الإنتاج من البترول والغاز مع منح أهمية إضافية للمشتقات البتروكيميائية.

شراكات واستثمارات
فتحت أزمة انهيار أسعار النفط عام 1986 عيون السلطات الجزائرية على حتمية البحث عن أساليب جديدة للعمل تُؤهل سوناطراك لمواجهة تغيرات السوق الدولية على نحوٍ يُقلل من تأثيراتِ تقلبات تلك السوق على الشركة وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي للجزائر.

فأزمة أسعار النفط في تلك المرحلة كانت السبب العميق لأحداث أكتوبر 1988 الشهيرة التي كانت أهم حركة احتجاجية اجتماعية تعرفها البلاد، وانتهت بنظام الرئيس الشاذلي بن جديد إلى إعلان التعددية السياسية.

وهكذا، سمح قانون صادر في أغسطس/آب 1986 لسوناطراك بالانفتاح على أشكال متنوعة من الشراكة الاقتصادية، لكن وفقَ قاعدة أساسية هي أنْ تحتفظ في جميع تلك الشراكات بنسبة من الأسهم لا تقل عن 51%.

وفي عام 1991، عزز قانون تنظيمي آخر آفاق الاستثمار الأجنبي مما سمح للشركة بالتعاون مع أكثر من 130 مقاولة نفذت مشاريع استكشافية وإنتاجية متعددة للشركة، بموجب عقود ناهزت الثلاثين وتم توقيعها في العامين اللاحقين على تعديل الإطار القانوني.

في أواسط تسعينيات القرن العشرين تحولت سوناطراك إلى مجموعة دولية تنفذ مشاريع عملاقة لعل أبرزَها أنبوب المغرب العربي، الذي يزود إسبانيا والبرتغال بالغاز الجزائري عبر المغرب بطاقة إنتاجية قدرها 11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

ظل مسار تطور سوناطراك يسير في اتجاه إيجابي خلال العقود اللاحقة مدفوعا بتصاعد أسعار النفط في السوق الدولية خاصة في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وبلغ رقم معاملاتها 77 مليار دولار في 2009. وباتت تُشغل أكثر من 41 ألف عامل في حين تُشغل فروعها ضعف هذا العدد.

وشملت أنشطة الشركة قطاعاتٍ كثيرة منها الإنتاج والتصدير والتسويق والنقل، كما وسعت أنشطتها لتشمل البتروكيميائيات وإنتاج الفوسفور والاستخراج المعدني وتحلية المياه. وتنتشرُ أنشطة الشركة في نحو 15 دولة موزعة بين أوروبا وأميركا وأفريقيا، كما باتت سوناطراك أكبر مجموعة نفطية في أفريقيا وفي حوض البحر الأبيض المتوسط.

فضائح مالية
تأثر سجل سوناطراك بفضائح مالية تفجرت أولاها عام 2010 وكشفت حجم الفساد الذي شاب صفقات توسع المجموعة، خاصة صفقات أنابيب الغاز الموجهة لتزويد أوروبا، إذ أُدينت في الموضوع شركات ألمانية وإيطالية.

وقد اتُهم في فضحيتيْ "سوناطراك 1″ و"سوناطراك 2" مديرون سابقون للمجموعة ومسؤولون كبار، فضلا عن وزير الطاقة الجزائري الأسبق شكيب خليل.

المصدر : الجزيرة