جِرْبَة التونسية.. جزيرة المساجد والأحلام والكنس

يسميها التونسيون "جزيرة المساجد والأحلام"، تستقبل سنويا آلافا من يهود العالم والتونسيين، للحج إلى كنيس الغَريبة كل سنة. وتعد الجزيرة الوجهة الأولى للسياحة في البلاد، وذلك لجمال طبيعتها واعتدال مناخها وتعدد المعالم السياحية والتراثية فيها.

وتعد الجزيرة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط رمزا للتعايش بين الأديان ويطلق عليها "جزيرة الأحلام"، ويرجع البعض التعايش الموجود في جزيرة جربة إلى عدة عوامل من أهمها العامل الجغرافي، إضافة إلى مرور معظم الحضارات على الجزيرة من الإغريق إلى الرومان والفتح الإسلامي إضافة إلى الغزو الإسباني.

وقد دخل الإسلام إلى جزيرة جربة سنة 47 هجرية على يد الصحابي رويفع بن ثابت الأنصاري.

Pictures showing the beauty of the Tunisian Republic in different places; Shutterstock ID 1846742845; purchase_order: ajanet; job: ; client: ; other:
جزيرة جربة تتميز بشواطئها الجميلة ووجهاتها السياحية المتميزة (شترستوك)

الموقع

تقع جِرْبَة جنوب شرقي تونس في خليج قابس وتتبع ولاية مدنين، وتبعد نحو 150 كيلومترا عن الحدود مع ليبيا، و500 كيلومتر جنوب العاصمة تونس، وتبلغ مساحتها قرابة 500 كيلومتر مربع، ويبلغ طول شريطها الساحلي نحو 125 كيلومترا.

شكلها أقرب عموما إلى المربّع، حيث يبلغ أقصى الامتداد بين الشمال والجنوب قرابة 29,5 كيلومترا، ويبلغ أقصى امتداد لها من الشرق إلى الغرب 29 كيلومترا، ويصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى 53 مترا، وتتميز الجزيرة بأنها منبسطة الأرض خالية من المرتفعات، وتربتها رملية.

بعد الثورة التونسية في يناير/كانون الثاني 2011 طالب بعض مواطني الجزيرة بانفصالهم عن ولاية مدنين، وأن تصبح الجزيرة هي الولاية التونسية الـ25، وهو أمر لم يلق صدى لدى المسؤولين التونسيين.

وللجزيرة منفذان: الأول من جهة منطقة آجيم عبر العبّارات القادمة من الجرف، والثاني عبر "الطريق الرومانية" من جهة جرجيس، وهي الجهة الشرقية للجزيرة.

السكان

عدد سكانها يقترب من 160 ألف نسمة، يبلغ عدد زوارها نحو مليونين سنويا.

وسكان الجزيرة مزيج من كل مناطق البلاد، كما أن قرابة 40% ليسوا من السكان الأصليين للجزيرة.

وقد تعاقبت على الجزيرة كغيرها من مناطق شمال أفريقيا ثقافات وحضارات مختلفة، وتوافدت عليها جنسيات كثيرة، مما ساهم في تنوع تركيبتها السكانية.

أشهر معالم جزيرة جربة

تضم الجزيرة عددا كبيرا من المعالم التاريخية والأثرية التي تدل على عمق التعايش الاجتماعي والتلاقي الثقافي وحوار الأديان، وتتميز باحتوائها على أقدم كنيس يهودي في أفريقيا، إضافة إلى 366 مسجدا معظمها يتميز بالبساطة وصغر المساحة، ومن أبرز هذه المعالم:

  • كنيس الغَريبة

وهو الكنيس اليهودي الأكبر والأقدم في أفريقيا، يعود تاريخه إلى قرابة 2500 عام، ويحتوي على واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم، يزوره يهود من أنحاء العالم كل عام لأداء طقوس "زيارة الغريبة"، أو ما يعرف بـ"حج اليهود".

ويبدأ موسم الحج العالمي لليهود إلى جربة في مايو/أيار من كل عام، في اليوم الـ33 من عيد الفصح اليهودي.

وتقول روايات تاريخية أن امرأة يهودية قدمت إلى الجزيرة واستقر بها الحال في مكان كنيس الغريبة الآن، وكانت لها كرامات فأقيم لها هذا المقام بعد موتها، وسٌمي الكنيس بـ"الغريبة" لأن صاحبته كانت امرأة غريبة لا يعرف عنها شيء.

فيما تقول روايات أخرى أن الكنيس تم بناؤه على أجزاء من الهيكل الأول المزعوم في القدس المحتلة، ويزعم أصحاب هذه الروايات أن هذه الأجزاء جلبها معهم اليهود النازحون إلى تونس بعد تدمير هيكلهم المزعوم عام 586 قبل الميلاد.

يتكون الكنيس من بنايتين كبيرتين، الأولى خاصة بالعبادات ويغلب عليها اللون الأبيض والأزرق، كما يوجد بداخلها بيت للصلاة، وهو المكان الذي تؤدى فيه أهم طقوس حج الغريبة، أما البناية الثانية فتستعمل لإقامة الاحتفالات بالأهازيج والموسيقى التونسية وتوزيع الأكلات التونسية في أيام زيارة اليهود.

وعلى مدى يومين يؤدي اليهود طقوس حجهم، ومن أبرزها "الخرجة بالمنارة"، وهي خروج جماعي لليهود من المعبد حيث يدفعون عربة فوقها منارة (مصباح تقليدي كبير) مزيّنة ويطوفون في الحيّ المجاور له، ويقرأون كتبهم المقدسة، ويرفعون الأهازيج والأناشيد، إضافة إلى عادات أخرى من بينها إقامة احتفالات بالموسيقى التونسية التقليدية تجمع أثناءها التبرّعات للمعبد.

  • المدينة القديمة

وهي مدينة حومة السوق الساحلية، عاصمة الجزيرة، وتتميز بتنوع تراثها الثقافي والحضاري، وبانتشار وتعدد الساحات المليئة بالزهور ومحلات بيع المشغولات اليدوية المحلية التراثية.

  • متحف الفنون والتقاليد الشعبية

يقع في زاوية قديمة يرجع تاريخها إلى القرن الـ18، ويعد واحدا من أفضل وأجمل المعالم السياحية بالجزيرة. يضم مجموعة رائعة من الأزياء والمجوهرات والفخار، ويستقبل زواره يوميا ما عدا يوم الجمعة.

  • بلدة قلالة

بلدة صغيرة تقع جنوب الجزيرة، تشتهر بصناعة الفخار منذ زمن الرومان، تتميز بطبيعتها الرائعة، وتتضمن عددا كبيرا من حقول الزيتون، كما تضم متحفا خاصا بتاريخ الجزيرة، ويعرض أيضا كيفية عمل الصناعات والحرف اليدوية، إلى جانب المراسم والتقاليد الخاصة بالزواج في جربة.

  • البرج الكبير

يعود تاريخه إلى القرن الـ13، ويعد واحدا من أفضل المعالم السياحية بالجزيرة، ويمكن لزواره الاستمتاع بإطلالات رائعة على الخليج، وللحفاظ عليه تم ترميمه على نطاق واسع منذ ستينيات القرن العشرين.

  • متحف للا الحضرية

متحف مخصص للتراث الثقافي والفن الإسلامي، ويضم أكثر من 1000 قطعة معروضة، كما يضم العديد من الأزياء التقليدية والتراثية التي يرجع تاريخها إلى القرنين الثامن والتاسع الميلادي.

وينقسم المتحف إلى قسمين أحدهما لعرض القطع العربية والإسلاميات، والآخر لعرض الفنون والصناعات التقليدية التونسية، من الفخار والمجوهرات والأزياء التونسية.

  • الجامع الكبير وجامع فضلون

يعد الجامع الكبير من أهم المساجد وأبرز المعالم الموجودة شمال الجزيرة، ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن العاشر الميلادي، أما جامع فضلون فيقع شمال شرقي الجزيرة، ويقال إن تاريخه يعود للقرن الـ14 الميلادي.

  • جامع الوطا بسدويكش

يقع على بعد 20 كيلومترا عن وسط مدينة جربة من الشرق، وهو عبارة عن غرفة كبيرة محفورة في الأرض مسقفة بقبتين، ومحاطة بمزارع الزيتون.

يتم النزول إلى المسجد عبر درج بعمق ثلاثة أمتار، وما يميزه أن به محرابين، وأرجع البعض ذك إلى أن المسجد كان يجمع علماء الجزيرة ووجهاءها من المذهبين المالكي والإباضي أيام الاستعمار الفرنسي للتباحث حول خطط المقاومة، لأن الجزيرة كانت مركزا رئيسيا في مواجهة الاستعمار الفرنسي في الجنوب.

وعندما كان يحين وقت الصلاة كانت كل مجموعة تصلي وحدها بمحرابها الخاص، وهو مظهر من مظاهر التعايش الذي يميز جربة منذ مئات السنين، إضافة إلى تشاورهم حول المشاغل العامة للناس وكيفية إبرام الاتفاقات وتوفير الحاجيات الأساسية لهم.

  • جامع البرداوي

هو الأكبر من حيث الشكل والمساحة، فيقع قرب مدينة حومة السوق، وسمي كذلك لأن من بناه هي عائلة عُرفت بذلك اللقب، ومعروف في جربة قديما أن بعض العائلات تبني مساجد خاصة بها وتسمى بأسمائها.

ويقع المسجد على بضعة أمتار تحت الأرض ومحفور في "ظَهرة" لا تجعله ظاهرا إلا من مسافات قريبة (الظهرة هي الأرض المرتفعة بـ5 إلى 10 أمتار كحد أقصى) ومحاط بأشجار النخيل.

يتميز المسجد بأنه كثير الأعمدة وعلى شكل معماري يجعل كل المصلين يشاهدون محراب الإمام أينما جلسوا، ورغم عمقه ووجود باب واحد له، فإن الإضاءة فيه كافية.

  • برج الغازي مصطفى الكبير

يعود تاريخه إلى 1432م، حينما أمر بتشييده أبو فارس عبد العزيز المتوكل (أبو فارس عزوز) سلطان الحفصيين أثناء تصديه لحملة ملك الأراغونيين ألفونسو الخامس.

  • شاطئ الجريد

من أشهر الشواطئ بالجزيرة، وهو عبارة عن شريط ساحلي يبلغ طوله 290 كيلومترا، ويعد مكانا رائعا لمحبي الطبيعة.

  • شاطئ سيدي محرز

يعد الشاطئ الأكثر شهرة بالمنطقة، يقع على الساحل الشمالي الشرقي للجزيرة، ويُعد مكانا مثاليا للاستمتاع والاسترخاء، ويضم مجموعة كبيرة من المطاعم والمقاهي، وتجهيزات لممارسة عدد من الرياضات كالتجديف وركوب الخيل والإبل.

جِرْبَة والتراث العالمي

أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 18 سبتمبر/أيلول 2023 على قائمة مواقع التراث العالمي، في خطوة أشاد بها التونسيون، وتم اتخاذ هذا القرار خلال اجتماعات الدورة الـ45 للمنظمة والتي استضافتها العاصمة السعودية (الرياض) في 10 سبتمبر/أيلول 2023.

وانضمت الجزيرة إلى قائمة 8 مواقع تونسية تم تصنيفها تراثا عالميا، وهي: الموقع الأثري بقرطاج، المدرج الأثري الروماني بالجم، مدينة تونس العتيقة، مدينة كركوان البونية الأثرية، مدينة القيروان التاريخية، مدينة سوسة العتيقة، موقع "محمية إشكل" الطبيعية، موقع دقة الأثري الذي يمثل أفضل مدينة رومانية محفوظة في شمال أفريقيا).

اليهود في تونس

يعيش أكثر من ألف يهودي في جزيرة جربة، وهناك عدد قليل منهم في باقي أنحاء تونس، وبهذا تكون الجالية اليهودية في جربة هي الأكبر في تونس والثانية في العالم العربي، بعد مدينتي الدار البيضاء والصويرة بالمغرب.

وتقول الروايات التاريخية إنه بعد إعلان استقلال تونس عام 1956 غادر كثير من اليهود التونسيين وطنهم الأم، خاصة مع أوضاع اقتصادية صعبة وظروف مجتمعية أصعب بعد إعلان تأسيس "إسرائيل" عام 1948، وما تبعها من تطورات وأحداث سياسية وحروب بين العرب والإسرائيليين.

وكانت أكبر موجة هجرة يهودية من تونس بعد نكسة 5 يونيو/حزيران 1967، مما تسبب في تناقص أعداد اليهود التونسيين بنسبة كبيرة جدا، فحتى خمسينيات القرن الماضي كان يعيش في تونس حوالي 100 ألف يهودي مقارنة بأرقام لا تتجاوز 2000 يهودي في 2024، وفقا لأحدث الأرقام المتاحة، بحسب موقع دويتشه فيله ووكالة الأنباء الفرنسية ووكالة رويترز، التي ذكرت أن عدد اليهود التونسيين أقل من 1800 يهودي.

ورغم ذلك يحاول اليهود التونسيون الباقون في وطنهم الأم الابتعاد بأنفسهم عن السياسة وتأثيراتها وتبعاتها، مؤكدين تمسكهم بالتعايش الاجتماعي الناجح مع كل فئات ومكونات المجتمع التونسي.

المصدر : وكالة الأناضول