الشعانبي.. من مزار سياحي إلى ساحة معركة

FILE - In this June 25, 2013 file photo, a Tunisian armored personnel carrier patrols near the Jebel Chaambi mountain. Writing on building at left reads: "For Sale". Militants in eastern Tunisia staged two simultaneous attacks on army posts while soldiers held a Ramadan feast, killing at least 14 soldiers, authorities said Thursday July 17, 2014. An extremist group believed linked to al-Qaida's North Africa arm claimed responsibility for the attacks on Mount Chaambi on its Facebook page, calling Tunisian security forces "tyrants".(AP Photo/Paul Schemm, File)
جبل الشعانبي كان قبلة للزوار والسياح قبل أن يصبح اسمه مرتبطا بالمواجهات الدامية بين الجيش التونسي والجماعات المسلحة (أسوشيتد برس)
جبل يقع في الغرب التونسي؛ ذاع صيته منذ عام 2012 في وسائل الإعلام حين أصبح مسرحا لأحداث أمنية دامية بين القوات التونسية وجماعات مسلحة توصف بالتشدد تتحصن به في سياق مواجهاتها مع الدولة.
 
الموقع
يقع جبل الشعانبي في أقصى الوسط الغربي لتونس، وله حدود تبلغ 220 كلم مع الجزائر. ويتبع إداريا لمحافظة القصرين التي تبعد 330 كلم عن مدينة تونس العاصمة. يعتبر الشعانبي أعلى قمة جبلية حيث يبلغ ارتفاعه 1544 مترا فوق سطح البحر، وهو امتداد لسلسلة جبال الأطلس.
 
تحيط بالشعانبي حديقة وطنية تبلغ مساحتها 6723 هكتارا يكسوها جزء كبير من أشجار الصنوبر الحلبي، وتضم عددا كبيرا من الأجناس النباتية مثل البلوط الأخضر والعرعر وإكليل الجبل والحلفاء، وتعيش فيها أنواع مختلفة من الحيوانات مثل الغزال والخنزير الوحشي والثعالب. كما تنتشر في الجبل الكهوف والمغارات والصخور الوعرة.
 
ويسود منطقة جبل الشعانبي مناخ شبه قاري حيث يتراوح معدل كميات الأمطار بين 200 و400 مم. وتتميز بصيف حار وجاف نسبيا يصل إلى 42 درجة وشتاء بارد ورطب يصل إلى 5 درجات.

السكان
يبلغ عدد سكان مدينة القصرين التي يقع فيها جبل الشعانبي نحو 440 ألف ساكن، حسب آخر تعداد رسمي عام للسكان سنة 2014.

التاريخ
في 1980 إبان حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تم فتح الحديقة الوطنية بالشعانبي التي تبعد 17 كلم عن مدينة القصرين كثاني أكبر حديقة وطنية بالبلاد. وقبل سقوط نظام زين العابدين بن علي في 2011 كان الشعانبي قبلة للزوار والسياح القادمين من أنحاء العالم.

بعد الثورة أصبح جبل الشعانبي يوصف بأنه جبل الموت لكونه يشكل معقلا لمسلحين تقول السلطات التونسية إنهم اتخذوا منه مركزا للتدريب ومنطلقا لشن هجماتهم على قوات الحرس والجيش، التي فقدت العشرات من عناصرها جراء انفجار ألغام أرضية أو هجمات مسلحة في المنطقة.

وفي عام 2012 كشفت نقابات أمنية تونسية تورط جماعات مسلحة في إقامة مراكز للتدريب على السلاح بجبل الشعانبي، لكن وزارة الداخلية نفت تلك المعلومات وأكد الناطق باسمها آنذاك خالد طروش أن الأشخاص الموجودين في الجبل كانوا يمارسون الرياضة.

تصاعد الجدل في تونس بشأن توتر الوضع الأمني بجبل الشعانبي بعد مقتل أول عنصر أمني (وهو الوكيل بالحرس الوطني أنيس الجلاصي) في مواجهة مع مسلحين هناك يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2012، مما خلق حالة غليان في صفوف نقابات الأمن.

مثــّـل عام 2013 منعرجا كبيرا في مستوى الهجمات المسلحة التي حدثت بالشعانبي أو التي انطلقت منها. ففي 6 فبراير/شباط 2013 اغتيل القيادي اليساري شكري بلعيد أمام منزله بالعاصمة على يد القيادي في تنظيم أنصار الشريعة كمال القضقاضي الذي تدرب بالشعانبي.

وفي 25 يوليو/تموز من نفس السنة اغتيل النائب اليساري محمد البراهمي. وقد اعترف أبو بكر الحكيم -الذي أعلن مبايعته لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي بعدما كان منتميا لتنظيم أنصار الشرعية- بأنه هو من قتله أمام منزله في العاصمة. وأكدت وزارة الداخلية أنه تدرب هو الآخر في الشعانبي.

بدأ كابوس الشعانبيْ يشتد يومي 29 و30 أبريل/نيسان 2013 عندما انفجرت ثلاثة الغام أرضية في طريق دوريات عسكرية وأمنية مما أسفر عن إصابات بليغة، ثم قـُتل عسكريان في يونيو/حزيران 2013 بسبب انفجار لغم زرع في ناحية من الجبل.

لكن الأسوأ حدث في الكمين الذي نصبه مسلحون لإحدى الدوريات العسكرية وفتحوا النار عليها فقتلوا ثمانية عسكريين وقطعوا رؤوسهم، وذلك رد فعل على استهدفت القوات العسكرية بالمدفعية الثقيلة والطائرات للشعانبي والمناطق المحيطة به كلما اشتبهت السلطات في تحرك المسلحين.

وفي أغسطس/آب 2013 أعلنت وزارة الداخلية التونسية حظر تنظيم أنصار الشريعة بعدما اتهمته بحرق السفارة الأميركية في سبتمبر/أيلول 2012، واغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي واستهداف الأمنيين والعسكريين والتخطيط لقلب النظام وإقامة إمارة إسلامية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013 قامت مجموعة مسلحة يعتقد أنها تدربت في جبل الشعانبي بقتل ستة عناصر من الحرس الوطني في منطقة سيدي عون بمحافظة سيدي بوزيد المحاذية لمحافظة القصرين. وحسب التحقيقات الأمنية فقد تورط مسلحون جزائريون في تلك العملية.

تسببت الهجمات المسلحة والاغتيالات السياسية في أزمة سياسية كبيرة في البلاد، لكن الحوار الوطني جعل الفرقاء ينجحون في تجاوزها بنقل السلطة من الحكومة الائتلافية بقيادة حزب حركة النهضة إلى حكومة مستقلة، كان دورها الأساسي تنظيم انتخابات جديدة ومقاومة وتفكيك العناصر المسلحة التي تهدد البلاد.

شرعت حكومة مهدي جمعة منذ استلامها السلطة مطلع عام 2014 في ملاحقة المسلحين. وفي 4 فبراير/شباط 2014 قتل كمال القضقاضي -الذي اغتال شكري بلعيد- بعد نزوله من جبل الشعانبي مع مجموعة مسلحة إلى منطقة رواد بالعاصمة لشن هجمات مسلحة فيها.

بعد ذلك بأيام ألقت القوات الأمنية القبض على مجموعة مسلحة أخرى قادمة من جبل الشعانبي كانت مختبئة في منطقة النسيم بأريانة وهي منطقة قريبة من رواد. وتم خلال تلك العملية حجز أسلحة مختلفة من بينها رشاش حربي من العيار الثقيل إضافة إلى خرائط وهواتف.

عادت الدماء مجددا إلى الشعانبي بعد مقتل عسكرييْن في انفجار ألغام أرضية ما بين شهريْ أبريل/نيسان ومايو/أيار 2014. لكن الهجوم المدوي وقع في 27 مايو/أيار 2014 عندما تمت مهاجمة منزل وزير الداخلية لطفي بن جدو في محافظة القصرين انطلاقا من جبل الشعانبي.

زادت القوات التونسية قصفها لمعاقل المسلحين في الجبل، لكن ذلك لم يمنعهم من شن هجوم يعتبر هو الأثقل من حيث الحصيلة، إذ تمكنوا من مباغتة نقطتين عسكريتين بواسطة رشاشات وقذائف "آر بي جي"، فقتل 15 جنديا مقابل القضاء على عنصر مسلح.

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2014 نجحت القوات التونسية في قتل خمسة مسلحين وإيقاف خمسة عناصر آخرين خلال قصف جبل السلوم المجاور للشعانبي. لكن المسلحين ردوا فقتلوا أربعة أمنيين في 18 فبراير/شباط 2015. وتبنت الهجوم كتيبة عقبة بن نافع التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة.

استطاع الجيش التونسي إثر معلومة استخباراتية صحيحة القضاء على ثمانية عناصر مسلحة، بينهم زعيم تنظيم عقبة بن نافع خالد الشايبي المكنى لقمان أبو صخر في 28 مارس/آذار 2015.

لكن في 7 أبريل/نيسان 2015 استهدف مسلحون تسللوا من الشعانبي إلى منطقة عين زيان بجبل المغيلة المجاور قرب محافظة سيدي بوزيد دورية عسكرية، مما أسفر عن مقتل خمسة عسكريين.

تمكنت القوات الأمنية في 10 يوليو/تموز 2015 من القضاء على خمسة عناصر مسلحة بينهم مراد الغرسلي الذي يعتقد أنه خلف لقمان أبو صخر على رأس تنظيم عقبة بن نافع.

واصلت المجموعات المسلحة -التي تتحصن في الشعانبي والجبال المحيطة به- زرع الألغام الأرضية التي تنفجر من حين لآخر موقعة إصابات في صفوف رجال الأمن والجيش، بينما استمر الأخير في توجيه مدفعيته الثقيلة صوب أي تحركات مشبوهة في تلك الجبال الوعرة.

ولأول مرة -منذ انطلاق العمليات في جبل الشعانبي- قامت مجوعة مسلحة باختطاف راعي أغنام وتصفيته بطلقة في الرأس، بينما قتل جنديان كانا يبحثان عن الراعي المختطف في مرتفعات جبل سمامة المحاذي لجبل الشعانبي.

وقد أعقب تلك الحادثة ذبح راعي أغنام آخر يدعى مبروك السلطاني من قبل مجموعة يعتقد أنها موالية لتنظيم الدولة في مرتفعات المغيلة المحاذية لجبل الشعانبي. واتهمت تلك المجموعة في شريط فيديو الراعي بالوشاية بهم لقوات الأمن.

المصدر : الجزيرة