حزب الله وإسرائيل..4700 هجوم عبر الحدود في 6 أشهر

غلاف تغطية - الإسناد اللبناني لغزة
استمرت الهجمات على جانبي الحدود على مدى 6 أشهر بوتيرة يومية، باستثناء فترة الهدنة الإنسانية(الجزيرة)
استمرت الهجمات على جانبي الحدود على مدى 6 أشهر بوتيرة يومية، باستثناء فترة الهدنة الإنسانية(الجزيرة)

ما إن أعلنت إسرائيل بلسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حالة الحرب، بعد يوم واحد من هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى صدر في بيروت رد علني على لسان أحد قادة حزب الله لم يحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي، فقد نقل عن رئيس المجلس التنفيذي بالحزب هاشم صفـي الديـن قوله: "نحن بالموقع الذي يجب أن نكون فيه.. وعلى نتنياهو أن يعرف أنها ليست معركة أهل غزة والضفة فقط".

في اليوم التالي افتتحت جبهة الشمال بعد إعلان حزب الله في بيان رسمي عن استهداف ثكنة برانيت -حيث مركز قيادة الجليل- بالصواريخ والقذائف الموجهة، ونعيه 3 من مقاوميه هم حسام محمد إبراهيم ورائف فتوني وعلي حسن حدرج، لم يوضح الحزب ملابسات استشهاد مقاتليه لكن الجيش الإسرائيلي أعلن أن قواته قتلت عددا من المسلحين الذين اجتازوا الحدود من لبنان باتجاه إسرائيل.

جاء ذلك بعد إعلان وسائل إعلام إسرائيلية أن مسلحين فجروا السياج الحدودي وتسللوا إلى داخل إسرائيل، وجرت اشتباكات مسلحة معهم. وهو ما صرحت به رسميا كتائب عز الدين القسام-لبنان، في 14 أكتوبر/تشرين الأول، حين أعلنت عن تفجير السياج الحدودي واستهداف دشمة المراقبة، قرب مستوطنة مرغليوت، بمحاولة للنفاذ نحو فلسطين، مما أدى لاستشهاد أول 3 من مقاتليها: أحمد عثمان، يحي عبد الرازق وصهيب كايد.

في 10 أكتوبر/تشرين الأول، عمدت إسرائيل إلى ضرب نقاط مراقبة تابعة للحزب، فرد عليها باستهداف أول ملالة إسرائيلية من نوع زيلدا، عند موقع الصدح غرب بلدة صلحا (مستعمرة أفيفيم). وخلال 6 أشهر تجاوز عدد الهجمات العسكرية  المتبادلة على جانبي الحدود 4700 هجوم.

 

استمرت الهجمات على جانبي الحدود في جبهة الشمال على مدى 6 أشهر بوتيرة يومية، باستثناء الهدنة الإنسانية التي أتاحت وقفا مؤقتا لإطلاق النار في غزة وتبادلا للأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين بين 24  و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وإلى حزب الله -الذي تحمل العبء الأكبر في الأعمال القتالية- انخرطت في القتال قوة لبنانية أخرى هي "قوات الفجر"، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان وحركة أمل. كما شارك في الهجمات العابرة للحدود، فرع لكتائب القسام التابعة لحركة حماس لم يعلن عنه من قبل، وفرع آخر لسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

وخلال الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان سجل استهداف متعمد لطواقم الإسعاف والصحفيين الذين يغطون الحرب على الجانب اللبناني من الحدود، فسقط مراسلون ومصورون لوكالة رويترز وفضائية الميادين.

وفي واحدة من أبرز الهجمات استشهد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري و6 قادة آخرين إثر استهداف شقة في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 يناير 2024. وكانت تلك أكبر هجمة تطال العمق اللبناني، حتى ذلك الحين، دون أن يتضح ما إذا استخدمت فيها مسيرة أم طائرة حربية.

صور حصرية من مكان استهداف العاروري
من مكان استهداف العاروري(الجزيرة)

وترتب على اغتيال العاروي – وهو الأبرز منذ بدء الحرب- تحولًا إضافيًا في نوعية العمليات التي نفذها حزب الله. حيث استهدف لأول مرة، قاعدة ميرون للمراقبة الجوية، عبر إطلاق 62 صاروخا من أنواع متعددة، في رد أولي على استشهاد صالح العاروري، وذلك في 6 يناير.

لكن  المراقبين نظروا إلى الاغتيال  بوصفه كسرا لقواعد الاشتباك القائمة بين حزب الله وإسرائيل منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 في أعقاب حرب تموز بين حزب الله وإسرائيل عام 2006 . والتي تتمثل في أن أي رد سيقابله رد مماثل.

شكل شهر مارس منعطفًا بمسار "الحرب المصغرة" في جنوب لبنان، ليس على مستوى كثافة العمليات فحسب، وإنما أيضًا على مستوى نوعها ومداها الجغرافي، خصوصا من طرف إسرائيل، عبر شن غارات جوية على قرى بعلبك في البقاع التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن الجنوب، واستهدافها جرود الهرمل قرب الحدود مع سوريا، شمال شرقي لبنان.

‎⁨إنفوغراف - تسلسل الهجمات المتبادلة عبر الحدود

رصد مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED)، الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل والأسلحة المستخدمة فيها. فأظهر أن 65% من الهجمات، خلال الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و15 مارس/آذار 2024، كانت عبارة عن قصف مدفعي أو هجوم صاروخي، و25% منها، عبارة عن ضربات جوية أو من طائرات بدون طيار.

كما سجل المشروع 138 عملية اعتراض لصواريخ حزب الله من جانب إسرائيل، وكذلك 7 عمليات اعتراض لمسيرات إسرائيلية، أو اعتراض صواريخ إسرائيلية من طرف حزب الله.

وبينما تجاهلت غالبية بيانات الجيش الإسرائيلي ذكر الأسلحة المستخدمة في القتال، كشف حزب الله من جهته عن استخدامه لأنواع محددة من الصواريخ فأعلن في 16 فبراير 2024 مثلا قصف كريات شمونة (الخالصة) بصواريخ  من نوع "فلق" وكاتيوشا، لكنه أضفى نوعا من الغموض على أسلحة أخرى استخدمها في هجمات أخرى، مكتفيا في بياناته الرسمية بعبارة "باستخدام الأسلحة المناسبة".

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت كتائب القسام أنها استهدفت مقر قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي في مدينة صفد في منطقة الجليل بصاروخ "عياش 250".

إنفوغراف - ترسانة حزب الله الصاروخية

نشر معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على موقعه تقديراته لحجم قوات حزب الله بما في ذلك صواريخه الدقيقة والطائرات المسيّرة. من المعطيات التي أوردها التقرير يتبين أن لدى حزب الله 40 ألف صاروخ من نوع غراد لمدى قصير بين 15 و20 كيلومترا، و80 ألف صاروخ من طراز فجر 3 وفجر 5، فضلا عن "خيبر" أو "رعد 2 و3" متوسط المدى حوالي 100 كيلو. وهناك 30 ألف صاروخ من طراز زلزال أو فاتح 110 "إم 600" (M600) الذي يبلغ مداه 200-300 كيلومتر.

أما الترسانة الإسرائيلية فتضم أكثر منظومات الصواريخ تطورا في الشرق الأوسط، وهي تستخدم في التصدي لصواريخ المقاومة، 3 أنظمة متكاملة للدفاع الجوي، وهي: القبة الحديدية. نظام أرو (السهم) مقلاع داود. وهذه المنظومات ذات أبعاد مختلفة، فبعضها يستخدم لصد الصواريخ القصيرة المدى، وأخرى للصواريخ المتوسطة، أو البعيدة المدى.

إنفوغراف - ترسانة إسرائيل الصاروخية

الخسائر..مكاشفة لبنانية وتكتم إسرائيلي

جنود إسرائيليون يتفقدون أضرارا أحدثتها صواريخ حزب الله في كريات شمونة (الفرنسية)
جنود إسرائيليون يتفقدون أضرارا أحدثتها صواريخ حزب الله في كريات شمونة (الفرنسية)

لعل أهم المفارقات بين جبهتي الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل، هو عدم التوازن في الكشف عن الخسائر البشرية والمادية جراء العمليات العسكرية.

وفيما يعلن حزب الله عن كامل شهدائه وكذلك تعلن البلديات والمنظمات العاملة في لبنان عن مختلف تقديراتها حول أنواع الخسائر في الجنوب اللبناني، فإن إسرائيل تتكتم عن حقيقة خسائرها كمًا ونوعًا.ففي 21 مارس 2024 أفادت هيئة العبرية الرسمية أن "17 مدنيا وجنديا إسرائيليا قتلوا، سقط غالبيتهم جراء إصابتهم بصواريخ مضادة للدروع وطائرات مسيرة أطلقها حزب الله، من جنوب لبنان، منذ بداية المواجهات بعد حرب غزة".

رصدت الجزيرة البيانات التفصيلية للشهداء المدنيين والعسكريين، ومسارها الزمني يوميًا، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول حتى 31 مارس/آذار.

ويتوزع عدد الشهداء العسكريين على الفصائل الآتية: 250 شهيدًا لحزب الله، 13 شهيدًا لحركة أمل، 13 شهيدًا لسرايا القدس الجهاد الإسلامي 7 شهداء، لحركة حماس 5 شهداء، لكتائب عز الدين القسام-لبنان 3 شهداء، لقوات الفجر الجماعة الإسلامية شهيدان، للسرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وشهيد واحد لنسور الزوبعة-الحزب القومي السوري الاجتماعي.

وبالنسبة للمدنيين كان تاريخ 27 مارس/آذار من بين الأكثر دمويًة، حيث ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة بحق 10 مدنيين مسعفين.

إنفوغراف - العسكريون والمدنيون الذين استشهدوا جراء الهجمات الإسرائيلية

في ثالث أيام الحرب على جبهة الشمال أعلنت إسرائيل رسميًا حالة التأهب، ودعت حكومتها كل المستوطنين بالمستوطنات المحاذية لحدودها الشمالية، الموجودة من خط صفر حتى 4 كيلومترات، الدخول إلى الأماكن المحصنة. وفي هذا اليوم أيضا، وصلت حاملة الطائرة الأميركية لإسرائيل، واعتبر كثيرون أنها تحمل رسالة تهديدية لحزب الله إذا انخرط بالحرب مع حماس.

وبعد 4 أيام أي في 15 أكتوبر/تشرين الأول أعلن الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى، بأن المنطقة الواقعة من الحدود اللبنانية إلى مسافة 4 كيلومترات "منطقة عسكرية مغلقة" يمنع دخولها على المستوطنين، وطلب من المستوطنين عند الحدود مع لبنان على مسافة كيلومترين من الحدود البقاء في ملاجئهم، لكن هذه الإجراءات تطورت في وقت لاحق لتشمل 28 مستوطنة تم إجلاء سكانها.

وبعد مرور 6 أشهر من الحرب، اشتكى رئيس بلدية مستوطنة المطلة الملاصقة لحدود لبنان-ديفيد أزولاي لصحيفة يديعوت أحرونوت من أنه منذ نصف سنة، فإن نحو 100 ألف نسمة يعيشون خارج منازلهم، كما أن الشريط من السياج بعمق نحو 5 كيلومترات جنوبًا خالٍ من المستوطنين، ويوجد فيه فقط جنود.

بالنسبة لجنوب لبنان، تكشف التقارير الدولية والمنظمات المحلية والسلطات الحكومية، خسائر هائلة جراء العدوان الإسرائيلي، وهو ما يؤكده أيضًا مشروع بيانات (ACLED)، حول كثافة النيران الإسرائيلية على الجنوب.

وتقول المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، أن غالبية النازحين (96%) ينحدرون من 3 مناطق تمتد على طول الحدود الجنوبية للبنان: 71% من بنت جبيل، 14% من مرجعيون، و11% من صور. أما نسبة الـ4% المتبقية فتأتي من 8 مناطق مختلفة: حاصبيا، النبطية، بعبدا، بعلبك، جزين، راشيا، صيدا، والبقاع الغربي.

وبحسب تقديرات مجلس الجنوب الحكومي، فإن أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية تضررت من القصف الإسرائيلي، وبينهم نحو 700 وحدة دمرت كليًا، لا سيما في بلدتي الضهيرة وبليدا. بالإضافة إلى قصف عشرات السيارات، وتدمير البنى التحتية، وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات.

إنفوغراف - النازحون داخل لبنان جراء الحرب الإسرائيلية على غزة

طوال نصف عام، بقي موقع حزب الله من الحرب موضع سجال بين خصومه وحلفائه. فهل هو في قلب الحرب؟ أم على حافتها؟

فريق العمل :

إعداد : جنى الدهيبي

إنفوغراف وتحليل بيانات: محمد حسين ، ومحمد الحداد

إشراف وتحرير: محمد العلي.

المصدر : الجزيرة