صورة عامة - الشريعة والحياة - 02/03/2008
الشريعة والحياة

غير المسلمين في المجتمع الإسلامي

يستضيف البرنامج العلامة يوسف القرضاوي ليحدثنا عن الوضع الفقهي لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي، فكيف يرسم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم؟

– عن مأساة غزة والصمت العربي
– وجود غير المسلمين وحقوقهم في المجتمع الإسلامي
– تقسيم المسلمين للبشر وتسمياتهم
– أحكام الشرع في التعامل مع غير المسلمين
– كفالة الإسلام لحرية التدين وممارسة الشعائر
– غير المسلمين والقانون والوظائف

عثمان عثمان
عثمان عثمان
 

 يوسف القرضاوي
 يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله تعالى وبركاته، ومرحبا بكم إلى هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم على الهواء مباشرة من الدوحة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}[الممتحنة:8-9]. من الإشكالات التي تم طرحها في وجه مقولة الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة الإسلامية ويكون مرجع دستورها الإسلام وجود الأقليات الدينية في المجتمع الإسلامي وأن تحكيم الشريعة من شأنه التمييز ضد غير المسلمين والإضرار بحريتهم. فكيف يرسم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم؟ وما الحقوق والواجبات التي يرتبها على غير المسلمين سواء على صعيد الممارسة الاجتماعية أو الدينية؟ غير المسلمين في المجتمع الإسلامي موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. مرحبا بكم سيدي.


يوسف القرضاوي: مرحبا بك يا أخ عثمان.

عن مأساة غزة والصمت العربي


عثمان عثمان: قبل الدخول إلى محاور الحلقة فإن ما يجري على أرض غزة من مجازر ومحرقة حقيقية يفرض نفسه على الواقع أمام صمت مطبق. ماذا تقولون؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته على رحمة الله للعالمين وحجته على الناس أجمعين سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين. أما بعد، فلا شك أن الوضع الخطير في غزة يفرض علينا ألا نقف موقف الصامتين أو المتفرجين من هذا الحدث الهائل. غزة التي تباد أمامنا، ترتب لها خطة إبادة لأهلها. بالأمس استشهد 55 غير مئات الجرحى، وفي كل يوم عشرات من القتلى والشهداء منهم الأطفال الصغار الرضع والنساء والشيوخ الكبار ومن لا حول لهم ولا طول. ما هذا الذي يجري فإنها جرائم حرب لو حدثت في أي مكان في العالم لاهتز لها العالم وقام ولم يقعد ولكن لأن الدم العربي والدم الإسلامي أصبح أرخص الدماء في الأرض هنّا في ديارنا، تجرأ علينا الجبناء وتعزز علينا الأذلاء واستنسر في أرضنا البغاث، فأصبحنا يجري علينا هذا والأمة للأسف صامتة. هذا الذي يجري هذه الإبادة، هذه المحارق، هذه المجازر، هذه المذابح، هذه الدماء التي تسيل مدرارا في كل يوم، ما هذا السكوت؟! ما هذا الصمت صمت القبور؟! بل ما هذا التواطؤ؟! أنا لا أعرف ما الذي يجري، هل كتب على الأمة الذل حتى ترضى بالهوان، الله تعالى يقول {..ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين..}[المنافقون:8]، أين العزة التي نراها؟ يعني الشاعر العربي يقول

ذل من يغبط الذليل بعيش

رب عيش أخف منها الحِمام

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام

أنا أعرف الشعوب العربية والشعوب الإسلامية تغلي، الشارع يغلي في كل مكان، وقد رأينا اليوم شباب الجامعات في القاهرة والإسكندرية وبلاد مختلفة يخرج من الجامعات محتجا على الصمت العربي وصمت الأنظمة وصمت الحكام. يعني أمة إذا حسبنا العرب حوالي ثلث مليار وحدهم، أكثر من 300 مليون عربي ووراءهم أكثر من مليار من المسلمين، هذه الأمة الكبرى مليار ونصف المليار كيف تسكت على هذا الهوان؟! لماذا لا يقف الناس وقفة احتجاج حقيقي؟! حتى مجرد احتجاج لا نجد احتجاجا صارخا صارما، نجد احتجاجا يعني خجلا ونجد إنكارا وجلا، هذا لا يسمع العدو، الصراخ هو الذي يسمع هو الذي يوقظ النائم، إنما الصوت الخافت الهامس هو الذي ينيم اليقظان. لماذا لا يقف حكامنا وقفة رجولة؟! لماذا لا يجتمع مجلس الجامعة العربية؟! لماذا لا يدعى إلى قمة عربية أو قمة إسلامية؟! نترك الناس يعني يموتون بالجملة، هم يموتون من الحصار، من التجويع، من قلة الغذاء، من قلة الكساء، من قلة الدواء، من قلة الماء والكهرباء، من قلة الوقود، من كل شيء. إلام ندع الناس إلى هذا؟! أين الجامعة العربية؟! أين منظمة المؤتمر الإسلامي؟! أين الأمة؟! يعني هل فقدت الأمة حيويتها، هل فقدت روحها، لم تعد تحس بما يجري فيها، ما فيها عرق ينبض؟! ثم العالم هذا من حولنا، أين الاتحاد الأوروبي؟! أين الأمم المتحدة؟! أين مجلس الأمن؟! أين الشرفاء والأحرار في العالم؟! أنا أنادي هؤلاء جميعا أن يقفوا وقفة مع الأخوة في فلسطين، الشعب الفلسطيني، شعب غزة، شعب فلسطين، وأول من يجب أن يقف الفلسطينيون أنفسهم يجب أن ينسوا خلافاتهم، ليس هناك.. هل بعد هذا يختلف الناس؟! نختلف على إيه ونحن شعبنا يقتل ويباد يوميا؟! لا معنى للخلاف، لا معنى للانقسام، الذي جرأ علينا هؤلاء هو الانقسام الفلسطيني والعجز العربي والوهن الإسلامي والغياب الأوروبي والتفرد الأميركي والتجبر الصهيوني والغياب العالمي جرأ هؤلاء. يجب على الأخوة الفلسطينيين جميعا أول شيء أن يلتقوا جميعا، فتح وحماس والفصائل والسلطة والمقاومة والجميع يقف كتلة واحدة جبهة واحدة {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص..}[الصف:4]، إحنا في معركة، معركة مفروضة علينا، {كتب عليكم القتال وهو كره لكم..}[البقرة:216]، على الجميع أن يقف وعلى العرب جميعا أن يقفوا من وراء إخوانهم. أنا أعجب، العرب في سنة 1948 دخلت الجيوش العربية كانت الجامعة العربية وليدة عمرها ثلاث سنوات، دخلت حينما قامت ولدت إسرائيل كما يسمونها دخلت الجيوش العربية السبعة وبعضها أبلى بلاء حسنا وبعضها استشهد منه ضباط وجنود وبعضها أسر منه من أسر، فكيف والجامعة العربية أكثر من عشرين عضوا وصار لها أكثر من ستين سنة وأصبح هذا كله، ندع إخواننا يعني يأخذون وحدهم هذا البلاء، يصبرون على هذا البلاء وحدهم، أين نحن؟! أنا أنادي أمة العرب وأمة الإسلام، أنادي الحكام وأنادي المحكومين وأنادي الشباب وأنادي الشيوخ وأنادي الرجال وأنادي النساء وأنادي المثقفين وأنادي الأميين وأنادي الأمة جميعا أن تقف وقفة رجولة، وقفة رجولة تحتج بقوة على هؤلاء وتجبر الأنظمة الحاكمة على أن تقف وتقول لا. لو أننا استطعنا مرة واحدة أن نقول بكل أفواهنا بملء أفواهنا لا، والله لأخفنا أعداءنا، ولكن حتى إذا قلنا لا، نقولها بخجل وحياء وتردد وتلعثم بحيث لا يسمعنا غيرنا. إن قلوبنا مع أخواننا في غزة، يجب أن نكون معهم بقلوبنا بألسنتنا بدعائنا بمالنا بمساعداتنا بمالنا بمساهماتنا بكل ما نستطيع حتى يقفوا على أقدامهم وحتى يستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم وأن يذودوا عن أرواحهم والله هو أول من يدافع عنهم {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور..}[الحج:38].


عثمان عثمان: للإشارة فقط فضيلة الدكتور، يعني عدد الشهداء تجاوز ما بين الأمس واليوم 105 شهداء وربما تجاوز عدد الجرحى المئات أيضا.


يوسف القرضاوي: وفي الحقيقة يعني نشكر مصر أنها فتحت معبر رفح ليمر منه الجرحى الذين لم تعد مستشفيات فلسطين تحتملهم، فلا بد أن تقف مصر… فتح معبر رفح ليمر منه هؤلاء الجرحى ويذهبوا إلى مصر، هذا هو الواجب ومن أدى الواجب ينبغي أن يشكر.

وجود غير المسلمين وحقوقهم في المجتمع الإسلامي


عثمان عثمان: شكر الله تعالى لكم فضيلة الدكتور على هذه المشاعر وهذه التوجيهات الطيبة التي ينبغي أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ علّنا نقدم شيئا لأخواننا في فلسطين على أرض غزة. بالعودة إلى موضوع حلقتنا، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. فضيلة الدكتور يعني كيف ينظر الإسلام إلى وجود غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، هل هو مشكلة؟


يوسف القرضاوي: نحن قبل الحلقة الماضية تحدثنا عن التعددية الدينية، قلنا إن تعدد الأديان واختلاف الأديان واقع بمشيئة الله تعالى التي لا تنفصل عن حكمته، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين..}[يونس:99]، فهذا التعدد واقع، فما دام التعدد واقعا لا يستطيع أحد أن يرد مشيئة الله ويجبر الناس على أن يكونوا على دين واحد، في أديان أخرى. فكان طبيعيا أن يكون هناك يعني ناس من غير المسلمين في المجتمع المسلم، وأول ما بدأ هذا في المجتمع النبوي مجتمع المدينة. حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد هناك قبائل يهودية موجودة في ضواحي المدينة، أقر وجود هؤلاء وعقد معهم معاهدة أو اتفاقية التي سجلتها الصحيفة المعروفة وكان بينهم عهد وميثاق على التناصر والتكافل في السراء والضراء وفي السلم وفي الحرب، هذا ما يقره الإسلام يعني.


عثمان عثمان: البعض يرى أن وجود غير المسلمين في المجتمع الإسلامي هو أحد معوقات القول بدولة الشريعة. كيف ترون الأمر؟


"
المسلم يأخذ الشريعة على أنها دين من الله وتشريع يتعبد به، وغير المسلم يأخذ هذه الشريعة على أنها قانون يتعامل به
"

يوسف القرضاوي: لا، هذا يعني في الحقيقة لو فهم الأمر على وجهه لم يكن هذا معوقا إطلاقا. لأن الشريعة جاءت بما فيه مصالح العباد في المعاش والمعاد للمسلمين وغير المسلمين، جاءت بالعدل، جاءت بالحرية، جاءت بالكرامة، جاءت بالتكافل للجميع، جاءت بالمساواة بين الجميع، فلن تضر غير المسلم، بالعكس. هناك بعض المسيحيين في عالمنا العربي كان ينادي بأعلى صوته بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه لا يمكن أن يستقر هذا المجتمع وأن نقضي على الجرائم فيه إلا بواسطة الشريعة، كان فارس الخوري رئيس وزراء سوريا وكان يعني نصرانيا ورئيس وزراء سوريا وكان محبوبا من المسلمين أكثر من غيرهم وكان من أكثر الناس دعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في المجتمع، فليس هناك أي عائق من وجود غير المسلمين. هي المسألة إيه، المسلم يأخذ الشريعة على أنها دين من الله وتشريع من الله يتعبد به، وغير المسلم يأخذ هذه الشريعة على أنها قانون، يعني اللي يخليه يرضى بقانون نابليون فما يرضى بقانون محمد؟ وأيهما أقرب إلى المسيحية الحقيقية، القانون الوضعي العلماني ولا القانون اللي أصله رباني إيماني؟ لا شك أن المسيحي المتدين المتمسك بمسيحيته يجد أن الإسلام أقرب إلى فطرته من القوانين الأوروبية من ناحيتين، من ناحية أن أصلها ديني أخلاقي ومن ناحية أخرى أنها بنت البيئة ناشئة في تراب هذه البلاد، فهي أقرب إليه وأقرب إلى حل مشاكله لأن منها نشأت وإليها عادت.


عثمان عثمان: قيام دولة الشريعة التي تحكم بالإسلام هل يتعارض ذلك مع حقوق الأقليات الدينية في المجتمع الإسلامي؟


يوسف القرضاوي: لا، لا أبدا لا يتعارض مع حقوق الأقليات بالعكس، إحنا الشريعة إذا المسلمون في بلد.. إفرض إحنا في مثلا في مصر في مسلمين وفي أقباط، طيب المسلمون أكثرية أحب المسلمون أن يحكموا بالشريعة من حق الأكثرية أن تحتكم إلى ما تراه واجبا عليها والأقلية من حقها أيضا أن تضمن أنها لا يجار عليها. يعني لا بد أننا نضمن للأقلية أنها تأخذ حقوقها وهذا ما تضمنه الشريعة نفسها، الشريعة هي أكبر ضمان لرعاية حقوق غير المسلمين لأنها ترى ذلك فرضا من الله تبارك وتعالى وترى أي جور على ذلك يتنافى مع عقيدة الإسلام ومع شريعة الإسلام ومع أخلاق الإسلام.


عثمان عثمان: هل يقسم الإسلام الناس ما بين، بحسب الإيمان والكفر؟ وما ثمرة هذا التقسيم إن وجد، هل هو في الدنيا أم في الآخر أم فيهما معا؟ أسمع منكم الإجابة إن شاء الله تعالى بعد وقفة قصيرة. فاصل قصير مشاهدينا الكرام ثم نعود إلى متابعة هذه الحلقة فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

تقسيم المسلمين للبشر وتسمياتهم


عثمان عثمان: مرحبا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان غير المسلمين في المجتمع الإسلامي مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. فضيلة الدكتور كنت سألت هل يقسم الإسلام البشر بحسب الإيمان والكفر وما ثمرة هذا التقسيم.


يوسف القرضاوي: هو الإسلام يقسم البشر بحسب تقسيمات مختلفة تصنيفات عدة منها التصنيف الديني مؤمن وكافر {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ..}[التغابن:2]، وفي تصنيف عرقي {..وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..}[الحجرات:13]، وفي تصنيف لغوي ولوني {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ..}[الروم:22]، فدي كلها تقسيمات موجودة لأنه يقسم حسب الواقع، فالواقع أنه في مؤمن وفي كافر وفي أبيض وفي أسود وفي عربي وفي عجمي وفي.. هذه الأشياء موجودة، ومع هذا لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف سببا للتفرق أو لأن يعادي بعض الناس بعضا، ممكن نكون مختلفين هكذا ولكن يكون اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، وهذا يكون فيه إثراء للبشرية وليس سببا للصراع بين بعضهم وبعض.


عثمان عثمان: هل كون أحد أعضاء المجتمع الإسلامي غير مسلم، هل يجعل ذلك المواطن مواطنا يعني من الدرجة الثانية؟ وهل يعتبر تسميته بالكافر انتقاصا له أو من قدره؟


يوسف القرضاوي: المواطن غير المسلم في نظر فقهاء المسلمين من جميع المذاهب يقولون هو من أهل دار الإسلام، من أهل دار الإسلام، ومن أهل دار الإسلام نعبر عنها نحن في عصرنا بأنه مواطن يعني ابن الوطن ابن الدار، هو ليس من أهل الملة ولكن هو من أهل الدار، ولذلك كان الزعيم القبطي المصري المعروف مكرم عبيد كان له كلمة مشهورة يقول أنا نصراني دينا مسلم وطنا لأني نشأت في وطن إسلامي داري دار الإسلام. فالجميع يعني يحكم عليهم بهذا الوصف أنهم من أبناء دار الإسلام.


عثمان عثمان: التراث الإسلامي القديم سمى غير المسلمين في المجتمع الإسلامي أيضا بأهل الذمة، هل يعتبر ذلك انتقاصا من قدرهم أيضا؟


يوسف القرضاوي: هي كلمة.. ما معنى كلمة ذمة؟ كأن بعض الناس ذمة كأنها من الذم. ذمة يعني عهد وضمان، لما نقول أهل الذمة يعني أهل ذمة الله يعني هم في عهد الله وعهد رسوله وعهد جماعة المسلمين وضمانهم، الجميع عليه أن يحميهم، فهذا هو المقصود من الكلمة. الآن يتأذى منها الكثير من أخواننا كلمة أهل الذمة، وأنا ذكرت فيما كتبت في كتبي أنني أنا لا أرى أي مانع أمام الاجتهاد الإسلامي المعاصر أن يحذف كلمة أهل الذمة هذه ونسميهم المواطنون من غير المسلمين. أنا لما ألفت في أهل الذمة عملت كتابي عنوانه "غير المسلمين في المجتمع الإسلامي" ماقلتش الكفار، لأن الإسلام ما يخاطب غير المسلمين بيقول لهم يا كفار، لا، وأيضا كلمة أهل الذمة لم تعد مقبولة لدى جمهور غير المسلمين فلو اخترنا كلمة غير المسلمين. الآن غير المسلمين ممكن تشمل يعني من هم خارج بلاد الإسلام ومن هم داخل بلاد الإسلام، من داخل بلاد الإسلام نسميهم مواطنين، المواطنون داخل المجتمع الإسلامي من غير المسلمين وهؤلاء لهم ما لنا وعليهم ما علينا كما قال الصحابة رضوان الله عليهم.


عثمان عثمان: يعني لا تمييز ضدهم؟


يوسف القرضاوي: لا تمييز ضدهم، بالعكس التمييز ضدهم يعني ظلم يعني معناها تحابي المسلم ضد غير المسلم، القرآن يقول {..ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا..}[المائدة:8]، لا يحملنكم الشنآن شدة البغض والكراهية سواء كانت شدة بغضهم لكم أو شدة بغضكم لهم، هذه العواطف التي يحملها بعض الناس لا ينبغي أن تكون سببا في الجور والظلم {..ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله..}[المائدة:8]، هذا ما جاء به الإسلام الذي يشدد في العدل كل التشديد.


عثمان عثمان: ولكن البعض فضيلة الدكتور يرى أن أهل الكتاب أو النصارى هم غير نصارى اليوم الذين يقولون بالتثليث مثلا. كيف ترون الأمر؟


يوسف القرضاوي: نصارى اليوم هم نصارى عهد النبوة لم تتغير عقيدتهم، لأن عقيدة التثليث والعقائد المسيحية التي رسخت ولا تزال راسخة إلى اليوم ثبتت قبل الإسلام بقرون في مؤتمر نيقيا المعروف الذي ثبتت فيه ألوهية المسيح وقيل فيه بالروح القدس والأقانيم الثلاثة والقرآن واضح في هذا، يعني لما تكلم عن النصارى قال {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ..}[المائدة:73]، {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم..}[المائدة:17]، فهو الإسلام يعتبرهم يعني كفروا بهذه المقولة ولكن مع هذا يعتبرهم أهل كتاب يعني أصل دينهم دين سماوي نزل به كتاب من عند الله وبعث به رسول من عند الله، اليهودية بعث بها موسى والمسيحية بعث بها عيسى، فيرى أن هؤلاء، ومن أجل هذا جعل لهم معاملة خاصة دون غيرهم من الناس.

أحكام الشرع في التعامل مع غير المسلمين


عثمان عثمان: ماذا عن الزواج من أهل الكتاب أو مصاهرتهم؟


يوسف القرضاوي: هو هذه هي المعاملة الخاصة التي خص الإسلام بها أهل الكتاب دون غيرهم من الملل، قال {..وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم..}[المائدة:5]، فأجاز أن نأكل ذبائحهم وأن نصاهرهم نتزوج من نسائهم، وهذا في منتهى قمة التسامح أن يسمح للمسلم أن يتزوج من غير مسلمة لا تؤمن بأن القرآن كلام الله ولا أن محمدا نبي الله، ومع هذا أباح أن تكون ربة بيته وأم أولاده وشريكة حياته وموضع سره، فهذا قمة في التسامح الإسلامي.


عثمان عثمان: ذكرتم أيضا جواز أكل ذبائحهم أو طعامهم. هل يختلف أهل الكتاب في بلاد الإسلام والمسلمين عن أهل الكتاب في بلاد الغرب وأميركا في هذا الموضوع؟


يوسف القرضاوي: نعم يختلف. أنا لي فتوى مطولة يعني في الزواج من غير المسلمة في البلاد الخارجية، يعني ذكرت عدة شروط لكي يجوز للمسلم أن يتزوج من غير مسلمة، لأنه هو إذا كان في البلاد الإسلامية وداخل المجتمع الإسلامي المجتمع بيشكل حماية للذرية، إنما إذا كان واحد عايش في مجتمع آخر دينه غير دين الزوج ولغته غير لغة الزوج وعاداته غير عادات الزوج، كل شيء مخالف وبعدين ليس هناك سلطان للمجتمع على هذه الأسرة والرجل طول اليوم مشغول بالتجارة أو بالدراسة أو بكذا وتارك الأولاد للأم، معناها حينشؤوا على غير الإسلام، هنا الخطر، إنما في داخل المجتمع المسلم لا خطر. ولذلك أنا ذكرت عدة شروط في الزواج من غير المسلمة خارج المجتمع الإسلامي، ذكرت لا بد أن يتحقق أنها كتابية لأنه ممكن تكون ملحدة ليست لا يهودية ولا نصرانية لا تؤمن بأي دين هذه لا يجوز الزواج منها، أيضا لازم يكون يطمئن أنه لا خطر على المسلمات من هذا الزواج لأنه لو سمحنا أن الشباب يروح يتزوج من غير المسلمات والمسلمة لا يجوز أن تتجوز إلا من مسلم، معناها حكمنا بالكساد والبوار على الفتيات المسلمات ولذلك بعض المفتين في بعض الأقليات الإسلامية أصدر فتوى بتحريم الزواج من غير بنات البلد ليحمي البنات ليوفر لهن أزواج من جنسهن، فهذا هو الذي نقوله في هذه القضية.


عثمان عثمان: هل يجوز تهنئتهم بأعيادهم؟ هل تجوز مشاركتهم بالأفراح والأتراح؟ طبعا نتحدث عن أهل الكتاب.


يوسف القرضاوي: ما داموا في داخل مجتمعنا يجوز أن نهنئهم، لأن التهنئة هذه من حسن المعاشرة والإسلام لم يأمرنا بأن نسيء معاشرتهم بالعكس، الآية التي أنت بدأت بها الحلقة {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..}[الممتحنة:8] يعني الإسلام بيقسم غير المسلمين إلى صنفين مسالمين ومحاربين، المسالمين لم ينهنا أن نبرهم ونقسط إليهم.


عثمان عثمان: ما معنى البر والقسط هنا فضيلة الدكتور؟


يوسف القرضاوي: القسط هو العدل أنك تعطي الإنسان حقه، البر فوق العدل إحسان، يعني البر الحق.. القسط تعطيه حقه، البر تزيد عن الحق. القسط أنك تأخذ حقك، البر تتنازل عن شيء من حقك، فهو لم ينهنا لا عن البر.. وشوف كلمة البر اختار هذه الكلمة التي يعبر بها المسلمون عن أقدس حق بعد حقوق الله تبارك وتعالى بر الوالدين فقال {أن تبروهم} لن ينهانا الله.. ومن البر أن نهنئهم بأعيادهم، يعني واحد جاره مسيحي وبييجي هو في عيد الفطر وعيد الأضحى ويقول له عيدكم مبارك وعيدكم سعيد ولا.. أو في البلاد الأجنبية طالب بيدرس في الماجستير والدكتوراه المشرف بتاعه نصراني زميله اللي معه نصراني وبييجوا يهنوه، يا أخي {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ..}[النساء:86]، ولذلك ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه أجاز هذا رغم أنه في كتابه الصراط المستقيم شدد في قضية المشاركة، المشاركة أن الواحد يشاركهم في الأعياد، والمشاركة يعني تحتاج وقفة شوية لأنه أحيانا بيكون لهم أشياء خارجة عن مقتضى الدين عامة، إنما التهنئة هذه مجاملة طيبة لا.. ولذلك المرداوي في كتاب "الإنصاف" نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه اختار هذا القول أو هذه الرواية في مذهب الإمام أحمد.


عثمان عثمان: هل يفترق حكم المسلم عن غير المسلم في مسائل كالغيبة والنميمة وغير ذلك؟


ي

"
الغيبة محرمة بالنسبة للمسلم وبالنسبة لغير المسلم. ومعنى الغيبة، أن تذكر إنسانا في غيبته بما يكره
"

وسف القرضاوي: لا، الغيبة محرمة بالنسبة للمسلم وبالنسبة لغير المسلم. ما معنى الغيبة؟ أن تذكر إنسانا في غيبته بما يكرهه، تقول عليه ده شكله وحش، ده يعني كلامه مالوش معنى يعني تذمه في غيبته، هذه هي الغيبة هذه محرمة حتى وإن كان صحيح، مثلا تقول عليه ده رجل قصير أو أعور أو أسود أو.. ده كان كلام لو سمعه كرهه، هذا حرام بالنسبة للمسلم وبالنسبة لغير المسلم. بل وجدت من فقهاء الحنفية من قال غيبة غير المسلم أو غيبة الذمي بتعبيرهم أشد في الحرمة والإثم من غيبة المسلم، قال لأن المسلم في المجتمع الإسلامي أقوى من غير المسلم فالإسلام لكي يحمي غير المسلمين يجعل أن إثمه أشد، إذا اغتبته يبقى ارتكبت إثما أشد وعقوبتك عند الله أعظم من عقوبة المسلم على هذا الذنب.


عثمان عثمان: ولكن البعض يتحجج بقول لا غيبة لفاسق مثلا؟


يوسف القرضاوي: الفاسق شيء وغير المسلم شيء. أولا ده حديث ضعيف. إنما يعني غيبة الفاسق أو الظالم أنك تذكره أحيانا نوعا من الشكوى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم..}[النساء:148]، إنما تذكره بما فيه، يعني تقول ده عمل فيي كذا وكذا، إنما ما تقولش ده ابن كلب، ابن كلب ده زيادة شتمت أباه، فلازم تتحرى.


عثمان عثمان: في موضوع البر والقسط كما ذكرتم إلى من لم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم ولم يظاهر على إخراجهم أن يتم التعامل معه بالقسط والبر. الآية القرآنية تقول أيضا {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ..}[آل عمران:28]، هل هناك يعني من فرق ما بين الولاية وما بين القسط والبر؟


يوسف القرضاوي: في فرق. الولاية هي تشمل عنصرين المودة والنصرة. بعض الناس يظن أنه لا يجوز أن تود غير المسلم ويستدلون بقول الله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..}[المجادلة:22]، فيقول لك ما يصحش تود إنسان غير مسلم، وهذا غير صحيح لأن من حاد الله ورسوله يعني عادى الله ورسوله حارب الله ورسوله هذا ليس كافرا عاديا ولا غير مسلم عادي، اللي بيحارب المسلمين ويعادي الله ورسوله لازم نعاديه، وإلا كيف يجيز الإسلام للمسلم أن يتزوج غير مسلمة، هل يتزوجها ولا يودها والله تعالى يقول بالنسبة للأزواج {..وجعل بينكم مودة ورحمة..}[الروم:21]؟! هل ابنه، إذا تزوج واحدة نصرانية، ابنه ما يودش أمه، الولد لا يود أمه؟! لا يود جده وجدته، لا يود خاله وخالته، لا يود أبناء خاله وأبناء خالته ولهم حقوق القربى وصلة الأرحام؟! هذا، فكلمة المودة لمن حاد الله ورسوله أي لأعداء الإسلام {..لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ..}[الممتحنة:1]، اللي بيعادي الأمة ويعادي دينها لا نتخذه أولياء. وبعدين من ناحية أخرى هذا إذا فعل هذا يعني من دون المؤمنين {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين..}[آل عمران:28] يترك المؤمنين ويروح مع هؤلاء يواليهم كجماعة يوادهم وينصرهم لا ينصر إخوانه المؤمنين، شوف بقى لما واحد لا ينصر إخوانه في غزة ويروح ينصر أولمرت وجماعته كيف يكون موقف هذا الإنسان؟ فيقول لا… فهذا هو معنى، ولذلك الآية التي أنت ذكرتها أيضا في أول الحلقة {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ..}[الممتحنة:9]، هؤلاء هم الذين نهينا أن نتولاهم وأن نجعلهم أولياء لنا من دون المؤمنين {..ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}[الممتحنة:9].

كفالة الإسلام لحرية التدين وممارسة الشعائر


عثمان عثمان: تحدثنا في حلقة سابقة عن الحرية الدينية فضيلة الدكتور، ولكن ماذا عن كفالة الإسلام لحرية التدين لغير المسلم في المجتمع الإسلامي؟


يوسف القرضاوي: الإسلام ما دام قبل هذا الإنسان أن يعيش داخل المجتمع المسلم فلا بد أن يضمن له عبادته عقيدته حريته في الاعتقاد حريته في التعبد ممارسة شعائره الدينية..


عثمان عثمان (مقاطعا): هل تشمل الحرية نشر دينه والتبشير به؟


يوسف القرضاوي: ينشره بس بما لا يؤذي المسلمين، لا يشتم محمدا عليه الصلاة والسلام، لا يشتم القرآن أو.. إنما يتكلم كلام علمي دراسة يبين فيها أن دينه دين عظيم يقول وإحنا نرد عليه، ممكن تحدث مناظرة بيننا وبينهم زي ما حدث مع الشيخ رحمة الله الهندي مع أحد القسس الكبار عملوا مناظرة في خمسة مسائل واجتمع الجمهور بالآلاف وده يقول ما عنده، خمسة مسائل، بعد ثلاثة مسائل منهم انسحب القسيس ولم يستطع أن يستمر في المناظرة، هذا يجيزه الإسلام. إنما ما تجيش يعني زي الرسوم المسيئة إلى محمد، تقول لي إني بأنصر ديني وآجي أشتم نبيك، هذا ليس له علاقة بنشر الدين هذا ولا.. يعني حتى في كثير من البلاد تمنع نشر.. في فرنسا يمنعون الدعوة إلى أي دين ويرون أن ده ضد التوجه العلماني، وبعض الناس ترى أن بعض الدعوات زي دعوة التنصير أنها تستغل فقر الفقراء وأمية الأميين وتذهب إلى هؤلاء وتحاول أن تستغلهم، فبعض البلاد مثل الجزائر تمنع مثل هذا، هذا حماية لأفراد المجتمع أن يستغلوا من أناس مكرة ودهاة يريدون أن يخدعوهم ويفتنوهم عن عقيدتهم.


عثمان عثمان: هل حرية التدين تشمل إظهار الشعائر الدينية كالصلبان وغيرها؟


يوسف القرضاوي: نعم من حق هؤلاء. ولكن كل هذه الأشياء يعني بما لا يثير الفتنة بين الناس.


عثمان عثمان: طبعا هنا نتحدث أيضا عن بناء دور العبادة الخاصة بهم.


يوسف القرضاوي: وبناء دور العبادة. يعني في بعض الفقهاء شددوا في مسائل دور العبادة ولكن هناك بعض الفقهاء من المالكية وبعضهم من الزيدية أجازوا أن يبنوا من الكنائس ما يحتاجون إليه، ما داموا يتكاثرون كيف إذا كانوا نصف مليون يعني تبقى حاجتهم مثل حاجتهم إذا صاروا خمسة مليون؟ يعني مستحيل، إذا كثر الناس احتاجوا إلى دور للعبادة، فمن حقهم ما دمنا أقررناهم على دينهم، من لوازم ذلك أن نقرهم على بناء هذه الكنائس، هذه كلها أشياء ينظمها القانون فيما بين المسلمين وبين غير المسلمين.


عثمان عثمان: ذكرتم أيضا فضيلة الدكتور أنه يمكن لغير المسلم من أهل الكتاب أن يكتب كتابا يبين فيه عقيدته. ماذا لو كتب كتابة نقدية للإسلام وأظهر فيها يعني دعا فيها إلى…؟


يوسف القرضاوي(مقاطعا): بأقول لك إذا كتب كتابة علمية نرد عليه بكتابة علمية. يعني في فرق بين السب وبين النقد، السب مرفوض إنما النقد، تنقد كذا وكذا، ونرد عليه بما عندنا حجتنا أقوى من حجتهم، لا يفل الحديد إلا الحديد وحديدنا أقوى من حديدهم، وكم حدثت بين المسلمين وغيرهم يعني نقاشات من هذا النوع من العصر الأول وكتبت في ذلك "رسائل يوحنا الدمشقي" وغير ذلك، وكتب ابن حزم "الفصل في الملل والنحل" وكتب المسعودي "تخجيل من حرف الإنجيل" وكتب ابن تيمية "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" وكتب ابن القيم "هداية الحيارى من اليهود والنصارى" وكتب الشيخ رحمة الله كتاب "إظهار الحق"، وكتب الكثيرون في هذا يردون على هؤلاء، فإذا كتبوا يعني كتابة علمية تستحق الرد، من حق المسلمين بل من واجبهم أن يردوا عن دينهم وأن يبينوا زيف هذه المقولات وبطلانها ولكن في حدود الآداب العلمية، يعني فرق بين الكتابة العلمية وفرق بين كتابة السباب والشتائم التي لا هم لها إلا أن تثير الفتنة وتثير الفرقة وتمزق أبناء البلد الواحد وأبناء المجتمع الواحد، وهذا دائما يكون مبني على وجود الثقة، إذا وجد ثقة بين الفريقين لن يحدث مثل هذا، إنما أحيانا يعني هناك أناس يحاولون أن ينفخوا في النار أن يصبوا الزيت على النار وأن يثيروا الفتن بين أبناء المجتمع الواحد. لا بد، إذا كان هناك أديان مختلفة يثيرون الفتن من الناحية دي، ما فيش أديان في عروق مختلفة يبقى نثير الفتنة العرقية، ما فيش عروق في مذاهب مختلفة نثير الفتن المذهبية. هناك ناس لا هم لهم إلا التفريق فيجب أن نفوت على هؤلاء فرصتهم ونحاول أن نمسك على مجتمعنا وحدته وتماسكه ليقف وقفة ليبني المجتمع معا نبني، ننمي المجتمع معا، نخرج من سجن التخلف إلى باحة التقدم، نتبوأ مكانتنا تحت الشمس. هذا ما ينبغي أن يفكر فيه أبناء المجتمع الواحد.


عثمان عثمان: نتحدث دائما عن أهل الكتاب، هل يجوز لهم أيضا بيع الخمور وفتح حانات لها أو بيع لحم الخنزير كذلك؟


يوسف القرضاوي: هذه يعني ناحية تبين لنا روعة التسامح في الإسلام. يعني لو تنظر التسامح الإسلامي تجده في القمة لأن الإسلام يبيح الأشياء المحرمة في دينه إذا كانت مباحة في دين الآخر، يعني إحنا عندنا الخمر ليست مجرد حرام بل هي من أكبر الكبائر أم الخبائث، سماها القرآن {.. رجس من عمل الشيطان..}[المائدة:90] إنما يعني…{..إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه..}[المائدة:90]، فهذا الرجس مباح عند النصارى، الإسلام يعني لا مانع أن يتركه، يعني يشربوا الخمر، يبيعوا الخمر ولكن فيما بينهم، ما يجيش يفتح حانة أو خمارة في المنطقة الإسلامية، إذا كان النصارى لهم مناطق خاصة بهم لا يمنع الإسلام أنهم يبيعوا الخمر لأنفسهم فيما بينهم. وإن كان العالم الآن يعني حتى النصارى الكل يتنادى بمنع المسكرات، جمعيات مقاومة المسكرات في أنحاء العالم في أوروبا وفي أميركا لأن الناس وجدوا أن الخمور والمسكرات والمخدرات هذه آفة على البشر تذهب عقول البشر، تذهب أخلاق البشر، تذهب أموال البشر، تضيع أسر البشر، ولكن مع هذا الإسلام أجاز لهم في هذه الحدود على أن يكون ذلك في حدود مناطقهم، ما يجيش يبيعها للمسلمين، نقول له لا قف عندك. هذه قمة في التسامح الحقيقة جاء بها الإسلام.

غير المسلمين والقانون والوظائف


عثمان عثمان: غير المسلمين في المجتمع الإسلامي هل يلتزمون بالقانون الإسلامي؟ ماذا عن الأحوال الشخصية والميراث؟


يوسف القرضاوي: الأحوال الشخصية جاء عن الصحابة قال أتركوهم وما يدينون. يعني هذه أمور الزواج والطلاق والميراث والوصايا وهذه الأشياء أتركوهم ودينهم في هذا الأمر، إذا رضوا هم أن يحكّموا شرعنا وجاؤوا لنا نحكم بينهم، الله تعالى يقول {..فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم..}[المائدة:42]، {..وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ..}[المائدة:42]، يعني حتى لو قلنا لهم أنتم أحرار مش.. إنما إذا حكمنا نقول لهم خلاص. وكثير من غير المسلمين يحكّمون شرعنا، يحكّمون الميراث الإسلامي وهكذا، إنما هم أحرار. وعرف المجتمع الإسلامي أيام ازدهار الحضارة الإسلامية، كتب آدم ميتس كتابه عن الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري وده رجل مستشرق ألماني مشهور، وقال إن أهل الذمة كان لهم محاكمهم الخاصة التي يحتكمون إليها، المسلمون تركوهم أحرار في هذا، وبعضهم كان يترك المحاكم هذه ويروح يحتكم إلى المسلمين، بيقول وإن كان يعني أساقفتهم وقسسهم يكرهون ذلك ولكن ما كانوا يمنعونهم، بعضهم يترك المحكمة النصرانية أو اليهودية ويروح يحتكم إلى المحكمة الإسلامية. هذا ما جاء به الإسلام.


عثمان عثمان: هل يضمن الإسلام، فضيلة الدكتور، لغير المسلم المساواة في الوظائف العامة، وماذا يستثنى من ذلك؟


"
الإسلام يساوي بين المسلمين وغير المسلمين في الوظائف العامة إذا لم يكن طابع هذه الوظائف دينيا
"

يوسف القرضاوي: الإسلام يسوي بينهم وبين المسلمين في الوظائف العامة إذا لم يكن طابع هذه الوظائف دينيا. يعني ما يجيش، مش معقول أجيب واحد غير مسلم وأعينه مدرس علوم شرعية، مش حأعينه إمام في مسجد، إنما إذا كانت الوظائف العامة في المحاسبة في الإدارة في الاقتصاد في الكذا، اللي بيحكمها {..إن خير من استأجرت القوي الأمين}[القصص:26]، إذا كان غير المسلم قوي وأمين في عمله يبقى أولى من المسلم الضعيف أو الخائن في عمله، هذا ما جاء به الإسلام.


عثمان عثمان: البعض أجاز، فضيلة الدكتور، تولي غير المسلم لرئاسة الدولة على اعتبار أن الذي يحكم هو مؤسسة وقانون ودستور وليس أشخاص، يعني هذا قانون مقرر سابقا.


يوسف القرضاوي(مقاطعا): وده أيضا مبني على هل رئاسة الدولة لها طابع ديني ولا ليس لها طابع ديني. المفروض أنه إحنا رئاسة الدولة، الدولة عندنا دولة مدنية مرجعيتها الشريعة الإسلامية، يعني اللي بيجعل للدولة طابع ديني أن الدولة بترجع إلى الشريعة الإسلامية، فغير المسلم يرجع إلى الشريعة الإسلامية أو لا يرجع؟ العلماء ذكروا يعني الخلافة عرفوها ابن خلدون وغيره من العلماء بأنها نيابة عامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، أي بالدين. فجعلوا أن الخلافة تجمع بين الدين والدنيا السلطتين الروحية والزمنية، فهذا لأن المفروض يعني حاكم المسلمين أو ولي أمرهم أو إمامهم هو يعني إمامهم في الصلاة ورئيسهم في الدنيا، يعني المفروض عند الصلاة هو اللي يؤم الناس، فمن أجل هذا يكون هناك حساسية لأن ده رمز في تولي غير المسلم. ممكن يكون المسلم هو الرئيس ويكون نائب له من غير المسلمين.


عثمان عثمان: نعم. لا يسعنا في ختام هذه الحلقة إلا أن نشكركم فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحية من معد البرنامج معتز الخطيب ومن المخرج منصور الطلافيح ومن سائر فريق العمل، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.