شهادات وفاة لمعتقلين أحياء بريف دمشق

عدم إدخال المساعدات الإنسانية لمعضمية الشام
جانب من أحد أحياء مدينة المعضمية بريف دمشق (الجزيرة)

سيلين أحمد-ريف دمشق

شهادة وفاة مزورة غيرت مجرى حياتها، فلم تتخيل ردينة يوما أن تلتقي زوجها المعتقل منذ أواخر العام 2013 وهو من مدينة المعضمية في ريف دمشق. وتعرضت لصدمة حين رأته حيا يرزق منذ نحو شهر.

"لقد تسلمت تبليغ وفاتك بيدي هاتين" كانت أولى عباراتها حين قابلته. وقد أخفت سعادتها عن زوجها الجديد الذي لم تختره بنفسها، فعائلتها سارعت لتزويجها بأحد شبان المدينة بعد معرفتهم بوفاة الأخير في سجون الاعتقال، حسب تعبيرها.

وتروي ردينة التي تبلغ 25 عاما تفاصيل قصتها، وتتذكر جيدا كيف تعرّض زوجها السابق للاعتقال العشوائي من أمام منزله مع عدد من شبان الحي.

وتقول للجزيرة نت "كان زواجنا حديثا، وعلمت بعد بضعة أشهر من اعتقاله أنه موجود لدى فرع 251 بدمشق، كان لدي أمل كبير بالإفراج عنه، إلى أن دق باب منزلي يوما أحد عناصر الأمن، وكان ذلك في مايو/أيار الفائت، وطلب مني التوقيع على استلام تبليغ الوفاة، ولم يخطر ببالي أن تكون شهادة الوفاة مزورة، فقد سلموني هويته الشخصية أيضا، ما أفاد بأنني أصبحت أرملة، وحضر الجميع لتعزيتي".

لم تتسلم ردينة أي دليل آخر على الوفاة، وعندما حاولت الاستفسار من عنصر أمن عن جثته أجابها بنبرة مرتفعة "لا أعلم شيئا، فقط وقعي دون أسئلة".

لم تستطع أسرتها البسيطة تحمل أعباء مادية إضافية، وزوجوها، وتتابع "كثير من المعتقلين قتلوا ولم تصل جثثهم إلى عائلاتهم، لذا لم أعاود وعائلته السؤال عن جثته لدى الفرع، فقد سلمنا بعد التبليغ بأنه قضى تحت التعذيب كما غيره من السوريين، وعندما رأيته حيا استفسرت منه وأكد لي أن قوات الأمن قامت بذلك كنوع جديد من أنواع التعذيب النفسي".

جانب من الدمار الذي لحق بمعضمية الشام في وقت سابق (الجزيرة)
جانب من الدمار الذي لحق بمعضمية الشام في وقت سابق (الجزيرة)

شعور موجع
لم تكن قصة ردينة هي الأولى من نوعها في مدينة المعضمية، فالحاج توفيق والد لثلاثة شبان، أكبرهم عامر الذي قتل برصاص قناص في المدينة، وأصغرهم جمال ذو 27 عاما كان قد اعتقل في وقت سابق.

يصف الحاج توفيق شعوره "بالموجع" حين أبلغه عنصر أمن بوفاة ابنه جمال، ويؤكد أن شهادة الوفاة لم تحمل إلا بعض المعلومات البسيطة كالاسم وبعض التواريخ والتواقيع، في حين كانت خانة أسباب الوفاة خالية تماما من أي كتابة كما يقول.

ويضيف للجزيرة نت قائلا "فقدت أعصابي حينها، حاولت التأكد من عدم وجود تشابه في الأسماء، وهم لم يسلموني هويته الشخصية، الأمر الذي دعاني للشك بالأمر، وحاولت الاستفسار عن الجثة مرات عدة لدى فرع الأمن لكنهم كانوا يجيبونني بأن الجثة حولت إلى فرع آخر ودفنت".

وبعد فقدانه الأمل، اكتفى توفيق بحفر قبر رمزي صغير يحمل اسم ولده ولكن دون جثة، وقد اعتاد الذهاب لزيارته وقراءة الفاتحة على روحه كل أسبوع.

أمل الإفراج
ولم يلبث أن تفاجأ الحاج توفيق من جديد عند معرفته من أحد أصدقائه المفرج عنهم حديثا أن ولده ما زال على قيد الحياة، فيقول "أكد لي ذلك الشاب من خلال فترة اعتقاله التي تجاوزت العام ونصف العام أن قوات الأمن تفعل ذلك مع العديد من المعتقلين حتى تكف عائلاتهم عن السؤال عنهم، وما زلت آمل بالإفراج عن جمال حتى هذه اللحظة، فالمهم أنه لم يمت".

تجدر الإشارة إلى أن المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق مقتل 847 معتقلا أبلغت عائلاتهم بمفارقتهم الحياة داخل أقبية الفروع الأمنية، بينهم عشرة أطفال دون سن 18 وست نساء، وذلك منذ بداية العام 2014 وحتى 13 مايو/أيار الماضي. في حين وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 5047 شخصا بسبب التعذيب منذ بداية الثورة السورية وحتى نهاية العام 2014.

المصدر : الجزيرة